جامعة للأنظمة…وماذا عن شعوبها؟!

حجم الخط
لم يضف إجتماع مجلس وزراء خارجية دول جامعة الدول العربية، ومعه ما صدر عن منتداه العربي التركي في الرباط متغيراً ذا بال بشأن موقف اطرافه من الأزمة السورية، إذ لا مختلف فيما نتج عنه مع جوهر ما كانت قد اتسمت به روح معالجته، التي سبقت بأيام في اجتماع المجلس في القاهرة، بل كان التأكيد على قراراته. ولم يأتي القول العربي التركي المشترك ب”ضرورة إيجاد حل للأزمة من دون تدخل أجنبي”، إلا مشفوعاً بإعطاء الحكومة السورية مهلة ثلاثة أيام للاستجابة لإشتراطات بدت الأقرب إلى الأملاءات، وكذا كانت لهجة الوعيد التي وسمت التصريحات التي سبقت الإجتماع ورافقته وجائت في إختتامه، الأمرالذي لم يكن ليبشربخير قد يرتجى من المبادرة العربية أو يشكك في جديتها، و ما يزيل الريبة التي اثارها قرار الجامعة العجول تعليق مشاركة سورية في اجتماعاتها، والذي به، على إفتقاره للقانونية والميثاقية، قد أطاحت شر إطاحة بالمتبقي لها من قليل القليل الذي كان يوهم بسطاء العرب بما يدل على مسماها، ويعد نفياً منهاً لوهم عزيزً يدعى العمل العربي المشترك. وهى إذ تعجّلت باتخاذه على غير عادة منها في الملمات، لم تتخلَّ فحسب عن واجب قومي هو بمثابة فرض عين عليها تحمل مسؤليته في ظرف استثنائي الخطورة تجاه قطر عربي يعد واحد من ركائزها وأوائل مؤسسيها، بل قلبت له ظهرالمجن، في لحظة مصيرية يفترض فيها أنه في حاجة لعون أشقائه ومساعدتهم في تضميد جراحة النازفة وليس مسارعتهم لنكئها باتخاذ المواقف التي من شأنها مفاقمة الأزمه المستفحلة لا حسن الإسهام المفترض في حلها…لقد كانت جامعة الدول العربية، ومنذ ان كانت، جامعة الأنظمة والمحصلةً لواقع احوالها المغرقة في حساباتها القطرية البائسة، تلك التي حالت دونها وأن تغدو جامعةً لأمة ظلت في حاجة ازمنت لمن يجمعها ويوحّدها في أتون متوالية حقب مصيرية تتكسر فيها النصال في دامي جسدها المثخن على النصال، وهاهي اليوم تزيد هذه الأمة على جراحها جراحاً، ذلك أن قرارها هذا في محصلته يراد له أن يمهد لكبيرة الكبائر، لاسيما في مثل راهن العرب المثقل بمزيج من الآمال والأحلام والمحن والانكسارات، باستدعائه الموضوعي، والأرجح في هكذا حالة أنه المبيّت، للعامل الخارجي المعادي والمتحفز لإعادة تكرار ما أذاق الأمة صابه في عراقها الذبيح وليبياها المستباحة… كان فيه مصادقة بلغة الضاد وشرعنة مطلوبة لتوق أجنبي مضمرغدا الآن في حكم المُعلن لاستباحة عاصمة الأمويين، تماماً مثلما كان قد صُوْدق وسُوْهم في استباحة عاصمة العباسيين، بل نحن حيال تكرار شائن ودوني ومقيت لفتوى الجامعة القريبة العهد الميسّرة للتدخل الناتوي، والتي لم يجف حبرها ولا ما أراقه باطلها من دماء بعد في طرابلس الغرب، وما يذكّرنا بتركها المهين للسودان لتنهش أطرافه ويُقتطع جنوبه، والإشاحة المريعة عن مستمر التراجيديا الصومالية بتناسيها ما يكابده قطر منكود ظل يتخبط لعقود في ما هو فيه من بلاء مقيم… فلسطين… لبنان… اليمن… البحرين. القائمة طويلة… وكان من المعيب ما جاء في تصريح لوزير الخارجية الفرنسي يقول فيه: نحن “نعمل في الجمعية العامة للأمم مع الجامعة العربية لتبني مشروع قرار” ضد سورية!كان على عرب الجامعة، التي لطالما إستمرأت دور العاجز وتتواثب اليوم لتأخذ دور المنحاز، واجب الاستماتة في محاولاتها لجمع السوريين، كل السوريين، على كلمة سواء، من شأنها أن تخرج هذا القلب النابض أبداً في جسد الأمة وللأمة ومعها وكثيراَ نيابة عنها عبر تاريخه الحافل بالحس القومي من أزمته، وليس زيادة فرقة أهله فرقة بالانحيازها لطرف على طرف، أو محاولة إيكال أمره إلى الآخر المعادي المتحين اقتناص فرصة ينتظرها للوثوب على سورية الدولة والوطن، سورية الموقع والدور، والتاريخ والجيوسياسة… سوريا الممانعة العنيدة والحاضنة الدائمة الدافئة لمقاومات أمتها، التي طال أمد تغييبها وتهتكت أوعزّت على المقاومات غالبية سالف أحضانها.إن ما بدا من شائن معالجتها للأزمه التي يواجهها شام العرب وشامتهم لايعادل تخليها عن واجبها القومي فحسب، وإنما إسقاطها لدورها، ووئدها لمبادرتها، وتسديدها ضربة بائسة لمبرر وجودها… أو ليس هذا ما استدعى فيض إطرائها من قبل كافة إعداء العرب جميعاً وما إستحق مديحهم واثار بهجتهم؟! لقد هللت الولايات المتحدة، التي ” سُرّت” بالحماسة التي دبت فجأة في موات أوصالها، وكشف الفرنسيون ومعهم البريطانيون والالمان عن “مناقشات على مستويات عدة، فرنسية وعربية، للوصول إلى “الصفة العملية” للتدخل المرجو… أما الإسرائيليون فحدث لا حرج…وحيث لايمل عرب الجامعة من الزعم بأنهم إنما ذهبوا كل هذا المذهب حرصاً على الدم السوري وبغية حماية السوريين، فقد يوجب هذا تسائلاً لمتسائل مستعجب من بسطاء الأمة يقول: ترى أين كان هذا الحرص المريب وهاتة الحمية الزائدة طيلة والدم الفلسطيني يراق لما يقارب الثلثي قرن؟! ماالذي فعلوه لغزة التي واجهت المحرقة الصهيونية وصمدت وهى تسبح في دمها؟! ومن الذي لازال يشارك ضمناً أعداءها إحكام الحصار الإبادي الملتف من حول عنقها؟! لم غابت حميتهم المستعادة على حين غرة آن كانت تستدعيها حال العراق… والسودان، والصومال، واليمن، والبحرين…؟!!… والحالة العربية هذه، وللحفاظ على سورية العرب وإخراجها من أزمتها، هل من أمل تُعلّقه الأمة اللهم إلا على ماتعرفه من وطنية السوريين وماتنشده من حكمتهم وما تعهده من أصيل عروبتهم؟!