مثير للشفقة والسخرية الموقف الأميركي من قضية الأسير جورج عبدالله

حجم الخط
مثير للشفقة والسخرية الموقف الأميركي من قضية الأسير جورج عبدالله تقدم الأسير جورج ابراهيم عبدالله في مطلع هذا العام بطلبه الثامن للإفراج المشروط عنه وقد مضى عليه 28 عاماً في السجون الفرنسية، وبلغ من عمره الثانية والستين. وما أن تقدم بطلبه هذا حتى نقلت بعض المراجع الصحفية تصريحاً للرئيس الأميركي أوباما يستبق موقف القضاء الفرنسي ويعترض على مجرد التفكير بإطلاق سراحه، متسائلاً ما الضير في أن يموت هذا السجين خلف القضبان. لا قيمة للقضاء! لا معنى للعدالة! لا مكان لحقوق الإنسان ودولة القانون في بلد يتغنى بتمثال الحرية وبحروب التدخل الإنساني ونشر الديمقراطية بالحروب اللينة والصلبة. وعندما صدر، منذ شهر تقريباً، قرار محكمة الإفراج المشروط بإطلاق سراح هذا الأسير (كعادتها اعترضت وزارة العدل الفرنسية فوراً واستأنفت القرار) صرّح السفير الأميركي في باريس محذراً من الإفراج عنه قائلاً إنه يشكل خطراً على السلم العالمي! هل يصدق السفير الأميركي كلامه؟ هل تصدقه السلطات الفرنسية؟ هل تصدقه السلطات اللبنانية؟ هل من المعقول أن أسيراً قارب الثلاثة عقود في سجنه يشكل إطلاق سراحه خطراً على السلم العالمي؟ هل فعلاً تخشى الولايات المتحدة الأميركية على أمنها وأمن العالم من حرية هذا الأسير؟ أيها الأسير وأنت في سجنك تثير خشية أعتى دولة في العالم! الولايات المتحدة الأميركية تخشى من مناضل أسير بلغ الستينيات من عمره؟ فكأن جورج عبدالله صارع بوش الأب والابن ويصارع الآن باراك حسين أوباما. أي مفخرة لك يا جورج، ولشعبك، وأي ذل لعنجهية دولة العم سام! هل هزلت الولايات المتحدة فعلاً لهذه الدرجة؟ قضية الأسير جورج عبدالله والموقف الأميركي منها شاهدان إضافيان لقياس الكارثة الأخلاقية والفكرية والحالة المرضية التي بلغتها المحالفة الغربية الرأسمالية النيوليبرالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. شاهدان يعرضان على الملأ إلى أي مدى باتت قيادات هذه المحالفة الغربية النيوليبرالية المعولمة متماثلة في غبائها وانحطاط تفكيرها وفي العنجهية المثيرة للشفقة التي تمتاز بها تلك النفوس العقيمة. لكم هو حقيقي أن قضية الأسير جورج عبدالله والموقف الأميركي منها تعطينا برهاناً عملياً عن الكارثة التي حلّت بتفكير الإدارة الأميركية خصوصاً والغرب النيوليبرالي عموماً. هذه المحالفة التي تقودها الولايات المتحدة تتحمل لوحدها مسؤولية الجريمة المطلقة العصية على الوصف التي تمثلها حضارة النيوليبرالية المعولمة وقد صارت مضادة للعدالة والقوانين والشرائع والحقائق البسيطة، بل مضادة للحضارة وبلغت حالة التفاهة الخالية من أي معنى. هذا التفكير الأميركي ينسحب على كل الممارسة الأميركية العدوانية منذ تقسيم البلقان وغزو أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها مما تسميه زوراً حروب التدخل الإنساني ونشر الديمقراطية. إن الولايات المتحدة وهي تتشدد في العداء والانتقام من جورج عبدالله تبدو وكأنها تلقي عليه في لا وعيها (وقد فقدت الحس في الواقع المعاش) كل الصفات والسلوكيات التي تخضع هي لها وتمارسها في سياساتها إزاء العالم، وفي هذا بالضبط ما يعطيها صفتها الأساسية كدولة مخادعة، وعلامة على لاشرعيتها، والدليل على انهيارها الأخلاقي العام، وهي لذلك تتشدد في الانتقام من جورج عبدالله كما لو أنها تنتقم من نفسها في ما لو أنها تتحلى بقليل من الوعي لتتعرف على حقيقة سلوكياتها، وطريقتها في ممارسة الإرهاب الفكري الذي باتت هي نفسها خاضعة له. ولكن لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى "شيطنة" الجميع، ومن ذلك "شيطنة" أي مناضل؟ ولماذا تحتاج إلى تصويره كعدو للعالم والحضارة وكخطر على السلم العالمي؟ الولايات المتحدة لا تفعل ذلك إلاّ لأنها باتت في حالة مَرَضية متقدمة وفي حالة تقهقر في التفكير والأخلاق بحيث تعكس على خصومها، ما يعتمل في داخلها بالذات. ثمة ما يثير خوف الولايات المتحدة، والولايات المتحدة مرعوبة اليوم، على الرغم من كل عنجيتها، ولم يبق لها من الرهبة غير العنجهية وقوة السرد والإنشاء اللفظي الفارغ. نفهم خشية الولايات المتحدة من موقف روسيا والصين ودول البريكس. نفهم خشيتها من نشوء معادل لموازنة محالفتها مع الغرب على الصعيد العالمي. ونفهم خوفها من الصعود الإيراني على الساحة الإقليمية، نفهم خوفها ورعبها من الدعم الإيراني للمقاومات من جنوب لبنان إلى غزة وفلسطين... فهذا الصعود يتشكل كرافعة لمناهضة النفوذ الأميركي وكتهديد للكيان الصهيوني. تخشى الولايات المتحدة التصميم الإيراني على التحول إلى دولة إقليمية وازنة عالمياً. وتريد للدول العربية وللعالم أجمع أن تنتابهم هذه الخشية. لقد بلغت الخشية الأميركية مبلغ الهوس النفسي. نفهم الخشية الأميركية- الغربية من هذه القوى، ونفهم العمل على شيطنة رجالاتها وسياساتها، والزعم بتهديدها السلم العالمي. ولكن لا نفهم الخشية من حرية سجين سوى أنها استفحال لحالة مرضية تعيشها الإدارة الأميركية وقد بلغ المرض النفسي من رجالها مبلغ الهوس الاكتآبي العصابي. هذا معنى التخويف أو الشعور بالخوف من سجين أصر على التمسك بمبادئه وقيمه التي ترى عدوانية الولايات المتحدة عارية. وهذا هو معنى الشعور بالعجز الأميركي عن كسر إرادة هذا السجين المعترض على الدور الأميركي في العالم. جوزف عبدالله، 19/12/2012