من حوار مع غازي الصورانـي*

حجم الخط
ولدت عام 1946م في مدينة غزة حي الشجاعية ، لأسرة فلسطينية فقيرة لم يتجاوز دخلها الشهري في الخمسينات أكثر من 5 جنيهات مصرية، مما اضطرني للعمل في الإجازات السنوية منذ المرحلة الإعدادية مع احد المقاولين مقابل 4 جنيهات شهريا كان لها اثر كبير على مساعدة الأسرة. أنهيت الدراسة الثانوية عام 1962 ، و قُبلت في كلية الحقوق في جامعة الإسكندرية، وبسبب الفقر الشديد لم استطع الالتحاق بالجامعة، و تحولت فرحة القبول إلى حزن شديد كان ذلك بالنسبة لي حافز للقراءة للتعرف على بؤس الواقع و أسبابه ثم الالتحاق بالعمل السياسي، و تقدمت بعدها إلى امتحان وظيفة حكومية على اثر إعلان رسمي آنذاك و نجحت و بدأت العمل كموظف منذ عام 1963م و كان لذلك أثرا كبيرا على أوضاع الأسرة التي باتت قادرة على تامين مستلزماتها الأساسية. في هذه الفترة قمت بتأسيس حلقات سياسية عفوية مع بعض الأصدقاء، و بعدها التحقت بصفوف حركة القوميين العرب عام 1965م و كنت و لا زلت متأثرا بالتجربة الناصرية و دورها، و كان لإطلاعي على رواية الأم تأثيرا كبيرا عليّ حيث شعرت حينها أنها تتحدث عن أوضاع البؤساء و الفقراء و المطحونين ليس في روسيا فحسب بل في الشجاعية أيضا حيث نعيش نفس الأوضاع في جوهرها، و كانت تلك الرواية حافزاً لي للبحث و الاطلاع على موضوعات الاشتراكية في الكتب و الدراسات على قلتها في غزة. بعد هزيمة حزيران عام 1967م بدأ نشاطنا عبر حركة القوميين العرب في مقاومة المحتل الصهيوني ، واعتقلت من قبل قوات الاحتلال يوم 12/8/1967 وكنت اول معتقل للحركة الوطنية في سجن غزة المركزي آنذاك ، وبسبب صمودي في التحقيق وعدم الاعتراف تم الافراج عني حيث التحقت في إطار المقاومة المسلحة ضمن طلائع المقاومة الشعبية التي أسستها حركة القوميين العرب في اكتوبر/1967ثم تواصلنا ضمن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، و على اثر الضربة و الاعتقالات اوائل عام 1968م ومطاردتي اختفيت لفترة قصيرة و طلبت منِّي قيادة التنظيم مغادرة القطاع إلى عمان حيث تم تهريبي اليها ، ثم سافرت الى القاهرة ملتحقا في مكتب اعلام الجبهة هناك ، وبتاريخ 30/7/1970 قامت أجهزة الأمن المصرية بترحيلي من القاهرة الى دمشق التي غادرتها الى لبنان حيث مكثت في الجنوب اللبناني حوالي العام وفي شهر يوليو/1971 عدت الى القاهرة لحضور اجتماع المجلس الوطني حيث تم اعتقالي وايداعي سجن القلعة لمدة اسبوعين ، وتم ترحيلي مجددا الى سوريا و منها غادرت الى عمان مرة أخرى حيث اعتقلت وبعد الافراج عني مُنعت من مغادرتها منذ عام 1972م و لمدة عشرين عاما تقريبا بدون جواز سفر ، و لم أتمكن من مغادرة عمان طيلة تلك الفترة إلا في عام 1991م حين دعيت للمشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر، في تلك الفترة تعرضت لأشكال متنوعة من المعاناة خاصة في الفترة بين 1972م إلى عام 1976 حيث اضطررت لان اشتغل عاملا في احد المزارع ثم في إحدى الكسارات في الكرك ثم عامل باطون و عرفت بالممارسة كيف يأكل الفقراء الخبز مغمسا بالتراب، واستمر نشاطي السياسي السري والعلني ولم انقطع أبدا عن ممارسة دوري الوطني في الاطار التنظيمي الفلسطيني ، و شاركت في الحركة الوطنية الأردنية – الفلسطينية و اعتز بصداقتي لرموزها كما شاركت في تأسيس منتدى الفكر الديمقراطي الأردني، و قمت بتأسيس لجنة أبناء قطاع غزة في الأردن للدفاع عن قضاياهم و امتد نشاطنا في كل المخيمات، كما شاركت عضوا في اللجنة التنفيذية لاتحاد الشباب الديمقراطي آنذاك وكذلك مشاركتي في تأسيس اللجنة العربية لمقاومة التطبيع مع شيخ المناضلين الراحل بهجت ابو غربية، وعلى اثر توقيع اتفاق اوسلو شاركت في اول تجمع وطني ضد اوسلو اول اكتوبر 1993 مع نخبة متميزة من المناضلين في مقدمتهم الراحل أ.بهجت أبو غربية والراحل أ.ابراهيم بكر والراحل د.حيدر عبد الشافي والراحل أ.شفيق الحوت وأ.بسام الشكعة وآخرين . وفي صيف 1994م عدت إلى غزة و في عام 1997م بادرت مع مجموعة من المثقفين التقدميين الى تأسيس منتدى الفكر الديمقراطي في فلسطين حيث انتخبت رئيسا له . كما انتخبت رئيسا لمجلس ادارة مركز الشباب العربي في غزة-الشجاعية ، كما تم انتخابي عضوا في مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر التي يرأسها د. حيدر عبد الشافي في قطاع غزة، وعضو في مجلس أمناء جامعة الأقصى، و مجلس أمناء مركز الغد للدراسات الذي يرأسه د. جورج حبش، و عضو في مجلس أمناء مدرسة عرفات للموهوبين . في هذه المرحلة شاركت في عدد من الندوات الفكرية مع مجموعات من المثقفين و المفكرين العرب في جامعة دمشق و مراكز الدراسات في القاهرة والمغرب وتونس وبعض بلدان اوروبا. المسالة المركزية التي تشغل اهتمامي الآن هي العمل مع مجموعة من المثقفين و المفكرين العرب لتأسيس مركز للحوار يضم الماركسيين العرب لعل هذا الحوار يدفع إلى نقلة عملية كما آمل، حيث لم اعد مؤمنا باستمرار تشرذم و حصر الحركات اليسارية في إطارها القطري في فلسطين أو غيرها بل يتوجب في ظل توحش نظام العولمة الراهن وحليفه الصهيوني في بلادنا أن نسعى إلى بلورة الإطار العربي الماركسي القومي الديمقراطي دون أن يعني ذلك إلغاء أو تجاوز خصوصية كل قطر، هذا هو الطريق لتجاوز الواقع العربي المأزوم و المهزوم في هذه المرحلة الصعبة.