المصالحة الوطنية الفلسطينية ما بين التلهي والترجي .

حجم الخط
من نافل القول , أن الحديث عن المصالحة الوطنية , أو الوحدة الوطنية , ليس حديثاً للصالونات السياسية , أو المحافل الإقليمية والدولية , أو عملية تبويس لحى , أو تبويس شوارب , أو تطيب خواطر لهذه الفئة السياسية , أو تلك , وهي لا تأتي بالخطابات الرنانة وفصيح المعنى وحلو الكلام لماذا ؟ لأنها فعل واعٍ ينطلق من ضرورات حفظ مصالح , وتحقيق أهداف عليا للشعب , تتضمن توظيفاً أمثل , وأنجح في سلم الأولويات يسهم بإنجاز أفضل في سلم الأهداف والحقوق المشروعة للشعب . إن مفاهيم الوحدة الوطنية , مفاهيم عابرة للانتماءات ينبغي أن توصل لتعميق الانتماء للوطن أولاً , وللوطن أخيراً , وهي فوق اعتبارات الصراع على السلطة , وفوق اعتبارات المعارضة , أو الموالاة , وهي لا تقبل المبررات , الأعذار والتي تسوغ للتسويف , أو التأجيل وإن حِيكت بكل أحابيل المنطق الأرسطوي إخراجاً وإعلاناً . أي منطق هذا والذي يسوغ الاتكاء على القراءات الخاصة للمصالح السياسية للأطراف لتسويغ إدامة الخلافات , بما يؤدي إلى الأضرار بالمصالح الوطنية العليا للشعب , إن فذلكة المصالح الخاصة هي التي تغلّب الأهواء الخاصة , والمنافع الخاصة الضيقة لفئة , أو فئات , أو قوى هنا أو هناك , وبهذا الشكل أوذاك على مصالح الشعب الكبرى , وأهدافه , وأحلامه بالحرية , والكرامة , والتقدم . لماذا كل هذا الحديث عن مفاهيم الوحدة الوطنية , ولماذا الآن ؟ لأن الشعب الفلسطيني قد مل , وشبع تلويحاً بالمصالحة والوحدة الوطنية دون تحقيقها . وكل الخطوات التي قُطعت في المؤتمرات , واللقاءات في عواصم الدول العربية , وأبرزها في القاهرة , لم ينجم عنها خطوات أسفرت عن قطع مسافات جدية وجادة على طريق استعادة الوحدة الوطنية , بل جاءت وكأنها خطوات مراوحة بمنطق ( مكانك عد ) . لم يعد المواطن الفلسطيني في أصقاع العالم عامةً , وفي فلسطين خاصةً مقتنعاً بأية سياسات لا تؤدي إلى وحدة الوطن أرضاً وشعباً وأهدافاً بحقوق مشروعة . قبل عدة أيام , نقلت صحيفة (( الحياة )) حديثاً عن المصالحة الوطنية للأخ عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة , وعضو اللجنة المركزية لحركة ( فتح ) , أوضح فيه , سبب تأخر اجتماعاتها إلى ( انشغال حماس بترتيب أوضاعها الداخلية , والأحداث الحالية في مصر ) , ورأى الأحمد أن ( قطار المصالحة توقف منذ الثالث من تموز نتيجة منع حركة حماس لجنة الانتخابات المركزية من استكمال عملها في غزة ) , لماذا التلكؤ ؟ بعدما استبشر الشعب الفلسطيني خيراً بومضات الوحدة الوطنية بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة , ونجاح فلسطين بالحصول على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة بأصوات مائة وثماني وثلاثون دولة عضواً في المنظمة الدولية , وما استولد من مناخ عبّر عن نفسه بعواطف جياشة , ومشاعر وطنية وحدت الفلسطينيين في أركان المعمورة , نجم عنه انفتاح بين حجري الرحى في الحالة الفلسطينية فتح وحماس باحتفالات , ومهرجانات , وحلو الكلام , ولكن بعد هذا وذاك , أين المصالحة الوطنية ؟ وأين الوحدة الوطنية ؟ ولماذا الغوص في مياه التأجيل والتسويف الآسنة ؟ وماذا عن كل تلك الخطابات , والتصريحات , الأقوال , والمداعبات السياسية , وحديث المناخات الإيجابية ؟ هل هي كلاماً تذروه الرياح ؟ أم ذراً للرماد في العيون , أم ماذا ؟ لماذا كل هذا التراخي , والتلهي بمصير الشعب الفلسطيني وبأهدافه الوطنية العليا ؟ (( إن الإمساك بالحلقة المركزية من السلسلة يؤدي إلى الإمساك بكل حلقات السلسلة )) والحلقة المركزية في الأهداف الفلسطينية الراهنة , هي المصالحة الوطنية , والوحدة الوطنية . ألا ترون أن نتنياهو ماضٍ في تفكيك الوحدة الجغرافية والسياسية , لما يسمى دولة فلسطين إلى كانتون ( دولة غزة ) , وكانتون ( دولة رام الله ) , وأنه ضرب صفحاً بكل العملية السياسية , وأن فكرة حل الدولتين , ذهبت أدراج الرياح , وحتى الرباعية وقراراتها , أصبحت في الباي الباي , وفي العسل , فماذا تنتظرون ؟ لن يحمل لنا جبريل دولة من السماء على طبق من ذهب , فزمن الوحي انتهى ( بعد الرسول الكريم / محمد بن عبد الله صلعم ) . لم يعد مفهوماً تقويض جهود المصالحة الوطنية , والوحدة الوطنية من أي كان , ومرفوضاً رفضاً مطلقاً حساب المصالح الفئوية والضيقة لأي طرف كان , عن أية محاصصة يتكلم بها البعض وحكومة اليمين الفاشي في إسرائيل تأكل الكعكة كاملةً تاركة لكم قعرها فقط . المنطقة برمتها تقف أمام حالة انعطاف هامة , فأين نحن منها ؟ من يريد أن يسجل أهدافاً في الملعب , عليه أن يكون لاعباً ضمن فريق لعب , وأهم مقومات تسجيل الأهداف والتواجد في الملعب , هي الوحدة الوطنية , إن إخراج فلسفة المصالحة , والوحدة الوطنية من حالة الوعظ , والمناشدة , والتمني تتطلب جهداً جدياً من الحالة الشعبية الفلسطينية أولاً بالضغط على كل الأطراف , والأطراف النافذة بالأساس , وخروج الحالة الفصائلية من مترتبات تحميل المسؤولية , وكفى الله المؤمنين شر القتال , إلى حال تحشيد الحالة الوطنية والجماهيرية بخطوات فاعلة على الأرض لتصبح الوحدة , والمصالحة أمراً نافذاً , وليس كلاماً فحسب , بما يحقق برنامج مواجهة وطنية سياسية وشعبية تنهض المقاومة بكافة أشكالها الشعبية وغير الشعبية مستفيدين من عبر ودروس تجربة الحرب الأخيرة على قطاع غزة , وما أسفرت عنه من نتائج انزياحات قليلة في التوازنات التكتيكية لصالحنا وصولاً إلى تحقيق أيقونات الثورة الوطنية التحررية , وحدة , وثورة , وحرية , أيقونات الثورة الوطنية .