أرجوك:افعلها يا سيد عباس

حجم الخط
تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيح المقاطعة إلى نتنياهو إذا لم يتم استئناف المفاوضات بعد الانتخابات التشريعية الإسرئيلية القادمة،هي تهديدات يجري طرحها للمرة العاشرة،فمن قبل : هدد الرئيس بالاستقالة وبحل السلطة مراراً وتكراراً في منعطفات سياسية ولم ينفذ،كما سبق وأن وعد عباس بمراجعة اتفاقيات كمب ديفيد ثم ما يلبث أن يتراجع عن كل وعوده وتهديداته.من ناحية ثانية:فإن ما يدعو للاستغراب هو أن يطالب عباس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل،وكأنه جرى الاتفاق قبلا: على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة،ولا ينقصها سوى تفاصيل بسيطة بحاجة إلى المفاوضات مع نتنياهو!. يعرف الرئيس عباس إلى ماذا أدت المفاوضات مع إسرائيل لمدة عشرين سنة،وإذا كان لايعرف فهي الطامّة الكبرى،أدت إلى زيادة الاستيطان وآخر مشاريعه:آي 1" وهو المشروع الذي يقسم شمال الضفة الغربية عن جنوبها،ويقضي قضاءً مبرماً على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة،أدّت إلى إعادة اجتياح الضفة الغربية في عام 2004،وإلى حصار غزة الذي ما يزال مفروضاً عليها منذ ما يزيد على الأربع سنوات.أدت إلى عدوانيين على القطاع الأول في عامي 2008-2009, وإلى العدوان القريب في نوفمبر 2012.أدت إلى مزيد من التنكر الإسرائيلي للحقوق الوطنية الفلسطينية،فلا قدس،ولا لحق عودة اللاجئين ولا للانسحاب من كافة مناطق 1967،ولا سيادة أو سلطة للفلسطينيين سوى الحكم الذاتي.ومن حق إسرائيل التواجد العسكري في غور الأردن باعتبار هذه المسألة ضرورية للأمن الإسرائيلي،وكذلك دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق الحكم الذاتي . المفاوضات أدت إلى شروط جديدة فرضها شارون وهي:الاعتراف الفلسطيني والعربي"بيهودية إسرائيل". تهديدات عباس التي نشرتها صحيفة"هآرتس" الإسرائيلية تهدف : إلى ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية وعلى راعيها الأمريكي من أجل أن(تتكرم) إسرائيل وتعود إلى التفاوض مع الفلسطينيين.للأسف الرئيس عباس وبدلاً من أخذ الدروس والعبر من عشرين سنة تفاوض مع إسرائيل, يُبحر عميقاً في الإيغال بنهج المفاوضات الذي هو خياره الوحيد!.لقد جرّد عباس نفسه من كل أوراق القوة، كان بإمكانه استغلالها وأولها:نهج المقاومة،ثانيها: الغاء أوسلو , ثالثها :تجاوز الانقسام وإنجاز المصالحة على أساس الثوابت الفلسطينية،والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.رابعها :إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها بكافة مؤسساتها،باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. الرئيس عباس وبدلاً من كل ذلك،أخذ في تقديم التنازلات لإسرائيل واحداً بعد الآخر،فبعد ورقة عبد ربه-بيلين التي شطب فيها المسؤول الفلسطيني حق العودة , واختزله إلى عودة بضعة آلاف بدلاً من ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات،قام بالإعلان في مقابلة له مع صحيفة"يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية عن عدم تمسكه بالعودة إلى بلده صفد،في رسالة واضحة إلى الإسرائيليين.رغم ذلك تعامل الإسرائيليون مع هذا التنازل بسخرية واضحة،وبخاصة الفاشي ليبرمان وزير خارجية إسرائيل. من قبل, وفي أثناء توقف المفاوضات مع إسرائيل حين وضع عباس شرطاً لاستئنافها وهو:وقف الاستيطان, لم يوقف الرئيس الفلسطيني مفاوضاته مع إسرائيل:تارة من خلال ما يسمى"بدبلوماسية أو مفاوضات الرسائل" وأخرى من خلال"المفاوضات الاستكشافية" التي جرى عقدها في أربع جولات في العاصمة الأردنية عمّان.مجمود عباس هدف من قبول فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة:الانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاوض مع إسرائيل من موقع:أن فلسطين هي دولة تحت الاحتلال.هذا لم يخفه الرئيس الفلسطيني بل ذكره في لقاء مع قادة فتح،وفي مقابلته مع صحيفة"يديعوت أحرونوت" وفي رسالته إلى الرئيس الأمريكي أوباما. محمود عباس لا يعرف طبيعة التحولات الإسرائيلية الداخلية في العشرة سنوات الأخيرة:اتساع قاعدة المتطرفين والأكثر تطرفا،حيث تمثل هذه الظاهرة الأبرز في إسرائيل.كافة استطلاعات الرأي الإسرائيلية(وبخاصة في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2012) تشير إلى التقدم المتسارع للأحزاب الإسرائيلية الممثلة لهذين الاتجاهين:حزب"البيت اليهودي" وهو يميني قومي وصهيوني متطرف بقيادة نفتالي بينيت, سيحصل على 12 مقعداً.حزب"شاس" وهو حزب متشدد لليهود الشرقيين فسيحصل على 11 مقعداً.حزب"يش عتيد" وهو أيضاً حزب متطرف فسيحصل على 11 مقعداً.حزب "اليهودية الموحدة للتوراة "سيحصل على 6 مقاعد.حزب"القوة" سيحصل على مقعدين.وإذا ما أضفنا اليهم : تحالف الليكود-بيتينيو بزعامة نتنياهو-ليبرمان فسيحصل على 33 مقعداً , فإن اليمين المتطرف الإسرائيلي سيحصل على أكثر من 75 مقعداً.هذا على اعتبار أن حزب"العمل"وحزب"الحركة" هما حزبان(وسطيان) مع أن هذين الحزبين صهيونيان بامتياز.هذه هي طبيعة الحكومة القادمة في إسرائيل.النتائج السابقة جاءت وفقاً لاستفتاء أجرته صحيفة"يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مؤخراً ونشرته(الجمعة 28 ديسمبر الماضي).والأغرب:أن عباس يطالب بمفاوضات مع حكومة مثل هذه!بعض أحزاب الائتلاف الحكومي القادم(ولن يكون تحالف الليكود وإسرائيل بيتنا قادراً على تشكيل الحكومة من دون هذه الأحزاب،تماماً مثل الائتلاف الحكومي الحالي) مازالت تطرح شعار"أرض إسرائيل الكبرى" ,والضفة الغربية بالنسبة لها(كما هي بالنسبة لنتنياهو وليبرمان)هي يهودا والسامرة.ومؤخراً اعترفت الحكومة الإسرائيلية بأول جامعة إسرائيلية حكومية, يجري إنشاؤها في مستوطنة أرييل في الضفة الغربية. الرئيس الفلسطيني وفي مقابلته مع صحيفة هآرتس تخلى تماماً عن شرطه: وقف الاستيطان(وهو أيضاً تنازل جديد) كشرط للمفاوضات , فهو يقول وبالحرف"ليس هناك شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات"و تم اختزال الشرط"بأن تقوم بتجميد البناء في المستوطنات خلال المحادثات".الرئيس عباس أيضاً وبدلاً من إلغاء "التنسيق الأمني" مع العدو الصهيوني فإنه(زعلان) و(هذا يتضح من حديثه للصحيفة)بسبب"أنه ومنذ التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة فإن إسرائيل قامت بتخفيض التنسيق الأمني مع السلطة في الضفة الغربية". الرئيس عباس قال أيضاً:"بأنه لن يسمح باندلاع انتفاضة ثالثة مسلحة ضد إسرائيل"مشيراً إلى أنه أصدر تعليماته إلى قوات الأمن لمنع"أي حوادث عنف ضد إسرائيل". كل هذه التنازلات الجديدة لمحمود عباس والتي ظهرت في مقابلته مع صحيفة"هآرتس" أثارت استخفاف ليبرمان(وفقاً لقول الصحيفة)فهي نقلت عنه قوله "أن لا استئناف للمفاوضات مع الفلسطينيين في ظل وجود عباس في السلطة".باختصار:ليبرمان يهدف من وراء قوله هذا إلى الضغط على عباس لإبداء المزيد من التنازلات لإسرائيل. هذا هو المأزق الذي حشر عباس نفسه والسلطة فيه:إنه المأزق الذي يدعو للسخرية والخجل وانعدام الخيارات(أو تضييعها بالأحرى)،الأمر الذي يجعل من استقالة عباس وحل السلطة وتقديم مفاتيح الاحتلال إلى إسرائيل ,قضايا مطلوبة، ذلك لتتحمل عبء احتلالها للأرض الفلسطينية ,.لهذا....أتحداك أن تفعلها يا سيد عباس.