الإخوان وتراث عبد الناصر

حجم الخط
مرّت الذكرى الخامسة والتسعين(15 يناير 1918) لميلاد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر،دون أدنى إشارة من السلطات المصرية لهذا الحدث.معروف حقد الإخوان المسلمين على الزعيم الوطني والقومي العربي،فهم وطوال عقود من الزمن يحاولون تشويه صورته،وتقزيم منجزاته واتهامه"بالعلاقة مع الأمريكان" والإساءة إليه بكافة الطرق والوسائل،فوفقاً لنائب رئيس الجماعة عصام العريان"قام بطرد اليهود من مصر"! الإخوان حاولوا اغتيال عبد الناصر في المنشية(الإسكندرية) عام 1954 أثناء إلقائه لخطابه ولم يعترفوا حينئذٍ بالعملية،بل أوعزوها إلى أحد أجهزتهم, ثم فيما بعد تكشفت الحقائق وأخذوا يجاهرون بها ,ويتأسفون على عدم إصابته. الإخوان يهزؤون بالثورة المصرية التي قادها الضباط الأحرار في عام 1952 , فبعد تسلم مرسي لمنصبه بأسابيع قليلة جاءت ذكرى ثورة 23 يوليو،وإذ بالرئيس مرسي وفي خطاب له يتعامل بازدراء واضح مع هذه المناسبة العظيمة من خلال القول"الستينات،وما أدراك ما الستينات"ثم قام فيما بعد بزيارة ضريح السادات ومنحه أرفع وسام مصري. لم يقم الرئيس مرسي بزيارة ضريح عبد الناصر في ذكرى الثورة،ولم يُشر إليه إلا بالطريقة الاستهزائية. معروف أيضاً التحالف الوثيق بين السادات والإخوان المسلمين , فبعد وفاة عبد الناصر بفترة وجيزة ,استعان الرئيس بهم لضرب القوى الوطنية الناصرية واليسارية فيما أسماه"مؤامرة مراكز القوى".الغريب أن الإخوان أصحاب الجمل الرّنانة ضد اليهود وإسرائيل قبلوا هذه العلاقة وهذا التحالف مع صاحب اتفاقية الذل في"كمب ديفيد".كان من المفترض أن تكون انتفاضة 25 يناير مكملة لثورة 23 يوليو،غير أن الإخوان المسلمين ركبوا موجة هذه الانتفاضة مع أنهم لم يشاركوا بها إلا متأخراً, وبعد أن قبلوا وحدهم من بين كل الأحزاب المصرية: الحوار مع نائب الرئيس المخلوع عمر سليمان ووقفوا منفردين في مشاركتهم بالأستجابة لدعوته. الإخوان المسلمون يحاولون محو إرث وتراث ومنجزات الرئيس الخالد عبد الناصر،وما أكثرها: توزيع الأراضي على الفلاحين،التعليم والطبابة المجانيين،نشر مبادئ العدالة والمساواة بين كل فئات الشعب،التصنيع،بناء السد العالي،تأميم قناة السويس والوقوف في وجه العدوان الثلاثي, المشاركة الفاعلة في إنجاز حركة عدم الانحياز،دعم حركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية حيث أصبحت القاهرة محجاً لكل الأحرار في العالم.دعم ثورة جنوب اليمن ضد الاحتلال البريطاني،دعم الثورة الجزائرية،العمل على إسقاط حلف بغداد،التصدي للمشاريع الأمريكية والصهيونية في العالم العربي والمنطقة ,الإسهام الفاعل في رفع الوطنية العربية إلى مستوى رفيع،مساندة القضية الفلسطينية.هذا غيض من فيض مما أنجزته ثورة يوليو وزعيمها عبد الناصر. الإخوان المسلمون استأثروا بالسلطة وبكل مواقعها في مصر،وهم أقصوا كل القوى الأخرى ومارسوا ازدواجية في الخطاب السياسي قبل وبعد تسلمهم للسلطة.الأوضاع الاقتصادية في عهدهم تردت إلى الحد الذي يُنذر فيه بانهيار اقتصادي في مصر،القطط السمان استبدلوا بكبار أغنياء الإخوان المسلمين،الفقراء ازدادوا فقراً وصولاً إلى مرحلة الجوع الحقيقي،ارتفاع نسبة البطالة والعجز،انخفاض قيمة الجنيه،وانفلات الأمن وتكميم الأفواه وممارسة القمع والدكتاتورية بأبشع صورها.السلطات المصرية طالبت البنك الدولي بقرض تبلغ قيمته أربعة مليارات دولار،والأخير متردد بسبب عدم اطمئنانه للوضع الاقتصادي المصري. أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة فإن اتفاقاً جرى بين الجانبين أثر محادثات طويلة وعلى جولات عديدة،تقبل بموجبه أمريكا صعود الإخوان إلى السلطة في مقابل استجابتهم لشروط أمريكية عنوانها:علاقة مصرية جيدة معها ومع الدول الغربية،المحافظة على اتفاقية كمب ديفيد مع العدو الصهيوني.الإخوان التزموا بهذه الاشتراطات وزادوا عليها:تغيير خطابهم السياسي فيما يتعلق باليهود وإسرائيل،ممارسة نفس الدور المصري أبّان حقبة الرئيس المخلوع تجاه القضية الفلسطينية والموقف من العدو الصهيوني, والالتزام بنفس الترتيبات السابقة لمعبر رفح.هذا لا نتجنى فيه على الإخوان،فالمدقق في سياساتهم حول هذه المسألة يستنج ذلك بكل سهولة،وبخاصة أن خطابات الرئيس مرسي قد أكدّت على هذه المواقف ,وأن تجربة السياسات المصرية تجاه إسرائيل أثناء عدوانها الغاشم على القطاع في نوفمبر من العام الماضي،كررت وساطة نظام مبارك(مجرد وساطة وليس الوقوف مع الجانب الفلسطيني)بين الطرفين مصر. دعمت أيضاً"الاتفاق السري"الذي جرى تحت الطاولة بين وفدي حركة حماس والجانب الإسرائيلي ,وبموجبه تم التوصل إلى"هدنة طويلة الأمد". لكل هذه السياسات ونظراً لإدراك الولايات المتحدة لطبيعة سقف سياسات الإخوان المسلمين بالنسبة لإسرائيل،طالب الناطق الرسمي باسم الإدارة الأمريكية الرئيس مرسي بالاعتذار عما ورد في خطاب له قبل ثلاث سنوات فقد وصف اليهود"بأنهم أولاد القردة والخنازير" ,وطالب بسحب هذه الأقوال واستنكارها.ما كانت الولايات المتحدة لتطالب مرسي بذلك لو أنه كان يمارس سياسة أخرى(غير المتفق عليها مع أمريكا)ضد تل أبيب. الرئيس مرسي رد على الطلب الأمريكي " بأن تصريحاته أخرجت عن السياق الذي جاءت فيه " انه رد باهت . كانت هذه هي أبرز الفروقات بين مصر في عهد عبد الناصر،وحقيقة مصر في هذه المرحلة الحالية في ظل استئثار الإخوان المسلمين بالسلطة. أما على صعيد الاستجابة لشعارات الجماهير الشعبية المصرية من قبل السلطة: في الحقبة الناصرية : كانت الشعارات والسياسات التنفيذية المصرية متماهية تماماً ولم يسبق أن قامت مظاهرة ضد حكم الرئيس عبد الناصر.في ظل سلطة الإخوان المسلمين : فإن هناك انفصاماً بين الشعارات التي يرفعها الشعب المصري وسياسات السلطة! لقد رفعت الجماهير المصرية شعارات تطالب بــ"إلغاء اتفاقية كمب ديفيد"وقامت بمحاصرة السفارة الصهيونية في القاهرة واقتحمتها.الرئيس مرسي ممثل الإخوان المسلمين في السلطة : لم يستجيب لكل هذه الشعارات،ومارس سياسات مختلفة تماماً على هذا الصعيد.أيضاً فإن تظاهرات كبيرة ما زالت تُنظم في القاهرة(في ميدان التحرير) وغالبية المدن المصرية احتجاجاً على سياسات السلطة الإخوانية. ان أكبر هدية في ذكرى ميلاد عبدالناصر لهذا العام هي : اتفاق الأحزاب القومية الناصرية المصرية على التوحد في حزب واحد. . عبد الناصر،سلام عليك في يوم مولدك،لن يستطيع الإخوان المسلمون محو تراثك ومنجزاتك وجماهيرتيك, فالشمس لا تغطى بغربال. * * * * * *