رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم "المركزية الديمقراطية "

حجم الخط
رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم "المركزية الديمقراطية " (1) حول الجمود الناجم عن التطبيق الميكانيكي لمبدأ المركزية الديمقراطية لدى احزاب وفصائل اليسار العربي . ان جمود احزاب وفصائل اليسار وتمترسهم الميكانيكي عند مفهوم المركزية الديمقراطية وغيره من المفاهيم والمقولات الماركسية واللينينية ثم الستالينية بدون مراجعتها ومقاربتها مع خصوصية هذا البلد او ذاك ، وبدون وعي المتغيرات النوعية في مجرى الحياة الانسانية وتطور العلوم والمفاهيم والافكار السياسية والفلسفية والاجتماعية وخاصة عدم وعيهم لمفهوم الديمقراطية بالمعنى الاجتماعي وبالمعنى التنظيمي واولويته جعل من هذه الاحزاب هياكل محكومة لنظم وآليات بالية قديمة غير مواكبة للتطور التنظيمي و للضرورات المعاصرة وظلت اسيرة للادوات والمفاهيم القديمة وفي مقدمتها شكلانية وجمود مفهوم المركزية كما سبق تطبيقه في التجربة الستالينية على الرغم من ان اطروحات لينين حرصت على التطبيق الخلاق للديمقراطية داخل الحزب، وعلى الرغم من المتغيرات المجتمعية والتنظيمية النوعية التي برزت منذ وفاة لينين الى يومنا هذا. وبالتالي ظلت هذه المظاهر البيروقراطية الضاره ، مترسخة طوال العقود الماضية في جميع الأحزاب الشيوعية وفصائل اليسار ، لأسباب متعددة أهمها يكمن في الطبيعة البنيوية البيروقراطية المأزومة في الإطار القيادي، إلى جانب- وهذا هو الأهم - غياب الوعي العميق لدى كوادر وأعضاء هذه الأحزاب، وضعف الدافعية الذاتية أو الشغف الحقيقي بالحزب ومبادئه وأفكاره ، الأمر الذي راكم عوامل تراجع مفهوم وآليات الديمقراطية في هذه الفصائل والأحزاب ، وراكم أيضاً استفحال ظاهرة البيروقراطية في معظم المراتب والهيئات الحزبية عموماً وفي الهيئات القيادية الأولى خصوصاً عبر هيمنة المكاتب السياسية والأمناء العامون على الحياة الحزبية، وتفردهم أحياناً، بما أدى –تاريخياً- إلى إضعاف دور وتأثير اللجان المركزية باعتبارها الهيئة التشريعية وصاحبة السلطة أو المرجعية الأولى في الحزب ، وكان من الطبيعي في مثل هذه الأوضاع البيروقراطية ، وفي ظل غياب الوعي لدى قواعد الحزب، أن تؤدي هذه الهيمنة إلى إضعاف دور الهيئات القاعدية والوسيطة إضعافاً يجعلها تتحوّل إلى هامش في الحياة التنظيمية الداخلية، وحصر مهماتها في تنفيذ الأوامر والقرارات التي تصدرها الهيئات الأعلى في المناسبات والاحتفالات الحزبية ، وفي مثل هذه الاوضاع البيروقراطية الجامدة ، اصبح النص على الديمقراطية دون التقيد بأسسها والوعي بمضامينها ، لا يعني سوى تحوّل وثائق وانظمة ولوائح احزاب وفصائل اليسار إلى شعارات مفرغة من جوهرها، وإلى نوع مبتذل من الممارسة البيروقراطية أو الاستبدادية أو الانتهازية الذاتية والشللية في ظل غياب التطبيق الخلاق للديمقراطية (2) كيف نفهم الديمقراطية في التفاعل مع مبدأ المركزية؟........ الديمقراطية في جوهرها تحوي مسألتين: الأولى : أنها تفترض وجود وتوفر عنصر الوعي أولاً، ومن ثم وجود اختلاف الآراء وتناقضها وتصارعها، وبالتالي فأي نفي لهذا الجانب يسقطها. الثانية : إن الديمقراطية تنظم اختلاف الآراء للوصول إلى آراء أكثر وضوحاً ودقة، وأكثر سداداً، دون نفي الاختلاف من جديد، وهو اختلاف ارتقائي للحزب إذا ما انطلق منه الوعي بقضايا الوطن ومبادىء الحزب وهويته وأهدافه أولاً ، وإذا ما اتخذ مساراً موضوعياً ثانياً، لكن مع استمرار غياب الوعي ، تصبح عملية الاختلاف الارتقائي الديمقراطي للحزب مستحيلة. إن الممارسة الواعية للديمقراطية والاختيار الحر الواعي داخل احزاب اليسار، هي أحد الضمانات الكفيلة بتطبيق مبدأ المركزية تطبيقاً خلاقاً لا يشكل قيدا على الديمقراطية، ويوفر التناسق والانسجام الرفاقي بين الهيئات القاعدية والوسطى والعليا في هذه الاحزاب، بمثل ما يضمن صيرورة التجدد النوعي في صفوفها بعيداً عن كافة المظاهر البيروقراطية والشللية والجمود، بما يحقق الحفاظ على مركزية وديمقراطية الحزب وتماسك هيئاته عبر التفاعل الرفاقي بينهما بعد طرد وإزاحة مظاهر وأدوات الخلل فيه. (3) كيف نفهم ونمارس مبدأ المركزية الديمقراطية ؟ إذا كان لينين قد رّكز على المركزية ، وعلى خضوع الأقلية للأغلبية، والأدنى للأعلى، فان فصائل واحزاب اليسار العربي بحاجة إلى وضعها في إطارها الحقيقي ضمن مفهوم أكثر شمولاً للمركزية الديمقراطية، اعتمادا بدرجة اساسية على الديمقراطية الواسعة ضمن تراتبية الأطر التنظيمية ووفق الالتزام الخلاق والمتجدد بهوية الحزب الفكرية وبرنامجه السياسي، لأن التركيز على المركزية وحدها مرادفاً للانضباط والالتزام التنظيميين، وبتجاهل كامل للديمقراطية، سوف يقود إلى إختلال أساسي في مجمل العملية التنظيمية، خاصة في ظل ضعف الوعي وتراجع الدافعية الذاتية لدى الاعضاء ، ومن ثم ضعف تطبيق مفهومي الالتزام والانتماء الحزبي، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء الظواهر السلبية البيروقراطية والانتهازية والشللية وبالتالي مزيد من فقدان الحزب لهيبته ومصداقيته . فالمركزية ، يجب أن تترافق مع الديمقراطية الواسعة. كما أن الالتزام والانضباط لابد أن يلازمهما الانتقاد والحوار الرفاقي الصريح والمباشر والمحترم داخل الهيئات ، وإذا لم يتم تطبيق هذه الآلية أو لم يتم فهمها، فلابد من أن يحدث الشطط، فإذا اخذ جانب المركزية الصارمة فقط، فإن ذلك يعني تبني مفهوم جديد لا علاقة له بمفهوم المركزية الديمقراطية، خاصة وأن مبدأ المركزية الديمقراطية هو مفهوم غير قابل للفصل التعسفي، ولا يجوز ان نتبناه كشعار لممارسة فوقية أو بيروقراطية أو أحادية عند اتخاذ القرارات من الهيئة القيادية الأولى أو من رأسها القيادي أو مركز القرار فيها، لأن ذلك التبني يؤدي إلى المزيد من خراب العلاقات التنظيمية والمزيد من تراجع الحزب او الفصيل اليساري على المستوى التنظيمي والسياسي والجماهيري، ولا نظن أن أي مخلص لهذه الاحزاب والفصائل وتاريخها يريد لها مثل هذا المصير. إن مختلف التجارب قد أثبتت أن علينا إعادة النظر في كيفية تطبيق مفهوم المركزية الديمقراطية ، بما يجعل منه أداة لتطور وتجدد الحزب بعيداً عن كل أشكال البيروقراطية والتفرد والجمود من ناحية، وبعيداً عن كل الممارسات التوفيقية أو المجاملة أو الحلول الوسط من ناحية ثانية. اخيرا ، لابد من أن أشير إلى أن هذا التوجه المطلوب يقتضي من كل رفيق ، التركيز على الوعي بهوية الحزب الفكرية، النظرية الماركسية ومنهجها، والوعي بمكونات واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأن الثورة أساسها الوعي، وحين يُفتقد الوعي تختلّ العملية كلها، وتفشل الثورات، وتتحوّل قيادة الأحزاب الثورية إلى سلطة بيروقراطية أو رخوة أو هابطة أو قمعية أو توفيقية انتهازية. (4) لكي لا تتحول المركزية الى قيد على الديمقراطية ....... الوعي بالاهداف الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية المنحازة كليا للجماهير الشعبية، الى جانب الوعي النظري بالماركسية ومنهجها ، وقوة الدافعية الذاتية والشغف والأخلاق الثورية - لدى العضو - بمبادىء الحزب وأهدافه ، هي مجموعة اسس وضوابط تشكل في مجملها ووحدتها صمام الأمان الذي يحول دون الوصول إلى عزلة الحزب والنهايات المحزنة، وهي تسهم أيضا – إلى جانب قوة ووحدة التنظيم- في تحديد التصوّرات الإستراتيجية، والخطوات التكتيكية، وتحديد الظرف المناسب والزمان المناسب لتحقيق أو ممارسة أي شكل من أشكال النضال. بغير ذلك تفشل الأحزاب الثورية، وتتحوّل إلى هوامش، وينتهي دورها التاريخي، ليبقى دورها اللحظي، في المناسبات والاحتفالات الشعبوية، الذي لا يعدو أن يكون دوراً شكلياً أو كمياً، دون أي تأثير حقيقي في السياسة أو في المجتمع ، وقد يتحول –بفعل تهمشه- إلى تنظيم تابع وانتهازي يماليء قوى السلطة أو القوى البرجوازية بدل أن يحاربها، ويقبل قيادة البرجوازية التابعة والرثة، بدل أن يقودها، ويهرب أو يعجز عن طرح قضايا الجماهير الأساسية، إلى الحديث عن قضايا هامشية. فالديمقراطية بقدر ما تتناقض كلياً مع روح الشللية أو المحاور، فهي ترتقي وتتكرس بالوعي وقوة الدافعية والانتماء والالتزام ، لأنها تعني تأكيد الاختيار الحر، والتعبير الحر، وفق أسس ونظم تؤطر التعبير عن الآراء كما تؤطر الاختيار الحر، وهي أسس لا تستقيم الديمقراطية الحزبية بدونها لضمان سلامة المسيرة الحزبية ------ * مسئول الدائرة الثقافية المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين