خرافة حل الدولتين

حجم الخط
منذ مؤتمر مدريد وتوقيع إعلان أوسلو عام 1993 في حديقة البيت الأبيض في واشنطن، بات ما يسمى بحل الدولتين أنشودة الدبلوماسية الدولية في الشرق الأوسط ولحن وسائل الإعلام اليومية الذي تصدح به صباح مساء في كل رواق وأثر كل لقاء. ولعل من غرائب الأمور وسخريات تاريخها أن دأب معظم الساسة الفلسطينيين والعرب على تكرار هذه العبارة المعولمة حتى ادمانها وغيرها من المصطلحات السياسية التي استدخلت إلى لغة وثقافة جيل بكامله على النقيض، من حقائق السياسة اليومية والمعارف البسيطة ومعطيات التاريخ، ما جعل من " حل الدولتين" أفيون السياسة الرسمية التي يدور في فلكه الفكر السياسي السائد، بما يوحي للناس بأن مشروع التسوية الأمريكي المسمى بحل الدولتين هو السبيل الذي لا سبيل سواه، كي يحظى الشعب الفلسطيني " المغلوب على أمره" بدولته المستقلة وحقوقه السلبية وفق برنامج الإجماع الوطني. إن ما يسمى حل الدولتين هو في الواقع الصيغة التصفوية للقضية الوطنية، التي جرى تصميمها للوصول إلى حل سياسي فلسطيني إسرائيلي عبر المفاوضات الثنائية الانفرادية بالرعاية الأمريكية المنفردة في ظل " الاعتراف الفلسطيني الرسمي بإسرائيل مجهولة الحدود ونبذ الإرهاب والالتزام بالاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، دون شروط على الاحتلال والاستيطان وبعيداً عن مؤسسات الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية. وبرغم ذلك وحصاد الشعب المر لخيار أوسلو، يجادل البعض بأن ما يجري هو تنفيذ لإعلان الدولة ووثيقة الاستقلال التي أقرت في المجلس الوطني عام 1988 في الجزائر بفضل انتفاضة الحجارة، انتفاضة الحرية والاستقلال، رغم خلو وثيقة الاستقلال من أي ذكر لما بات يعرف بشروط الرباعية وفق ما يسمى بحل الدولتين، وتناقضها مع صيغة التسوية الأمريكية التي جرى تعميمها لتكريس ديمومة التفاوض والانقسام الفلسطيني والعربي ومركزية المفاوض الفلسطيني اللاهث وراء سراب السلام وخرافة حل الدولتين. وعلى النقيض من الحاجة الحياتية الملحة للمراجعة السياسية الجادة لمسيرة أوسلو ونهجها والتزاماتها وإفرازاتها، بالعودة خطوة للوراء والتمسك ببرنامج الإجماع الوطني المسنود بقرارات المؤسسات العربية والاقليمية والشرعية الدولية وآخرها رفع مكانة فلسطين لدولة مراقبة، يعول البعض في مجرى السياسة العملية الجارية على التعلق بوعود حل الدولتين العتيد أو بالهروب لاستبداله بالقفز عن الأهداف الوطنية الراهنة والمباشرة، نحو أهداف بعيدة لن تفضي في الواقع السياسي الراهن لا لدولة واحدة ولا لدولتين بل لإطلاق ستار من الدخان على انفلات الاستيطان وإرهاب المستوطنين. إن ثمار مسيرة مدريد أوسلو الشاملة وما راكمت من المصطلحات والأوهام السياسية المتحققة، لا يجوز أن تقود إلى تعميم حالة الإحباط والكساح السياسي والثقافي بالاستسلام لحلول ومفاوضات ومرجعيات خادعة وخرائط مضللة لا نهاية لها، لأن مشروع التسوية الأمريكية المُسمى حل الدولتين ليس قدراً. فانتزاع الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس دون قيد أو شرط وليس " مشروع الدولتين" كان منذ 25 عاماً بفضل انتفاضة الحجارة إمكانية واقعية، واليوم اثبتت الوحدة الميدانية ومعارك الصمود الوطني التي اجترحت انتصار شعبنا في غزة والأمم المتحدة في ظل التحولات العربية والعالمية الجارية، بأم الإمكانية الواقعية لإنهاء الاحتلال وبسط سيادة الدولة الفلسطينية المستقلة المتحققة في أروقة الأمم المتحدة أكبر من أي وقت مضى، إذا ما استعدنا الوحدة الوطنية وروح الانتفاضة المدعومة بكل أشكال النضال داخل الوطن وخارجه. وهو الأمر الذي يتطلب الإصغاء لنداء غزة التي دقت جدران خزان الانقسام بالأمس ولكل أبناء شعبنا، بالتوقف الفوري عن هدر طاقات وموارد الشعب الفلسطيني المادية والمعنوية في معارك ثانوية وبنبذ تقاسم السلطة المتحول إلى " نظام" محكوم بمنطق وقواعد الفئوية والذاتية والاستحواذ والمحاصصة، وبالكف عن الاختباء وراء أعذار واهية لا تسمن ولا تغني من جوع في تعليل ديمومة إدارة الانقسام، فالشعب يمهل ولا يهمل، الشعب يريد إسقاط هذا النظام. * العدد 1458 / 15 كانون الثاني /يناير / 2013.