?جورج حبش في الذكرى الخامسة لغيابه .

حجم الخط
لا يجوز لي , وليس مقبولاً مني , ومهما تكون الأسباب والمسوغات , أن تمضي الذكرى الخامسة لغياب الحكيم " جورج حبش " دون قول شيئاً ما , أو كتابة شيئاً عن هذا الرجل الاستثنائي , خاصة ونحن نعايش زمناً يعز به الرجال من قامة جورج حبش . وأن تكتب , تتذكر الحكيم ( والذي كان لي شرف معايشته عن قرب لعدة أعوام ) يعني , أن تتذكر تاريخاً حيوياً نابضاً بالحياة من تاريخ وطن , ورواية شعب فلسطين وقضيته العادلة . الحكيم أيقونة فلسطين المسكونة بالتاريخ , والمسكونة دائماً بالأمل , إنه الرجل والذي تماهت صورته مع صورة فلسطين , فأصبح نبض قلبه , نبض وطن , وحكايته حكاية وطن . فلا غرابة , أن يقول عنه الرئيس المناضل / أحمد بن بلا " الحكيم علماً فلسطينياً , ترى فلسطين حين تراه , وتسمعها حين تسمعه وتدرك كم هي عادلة قضيتها حين تدرك عمق مشاعره " . كان الحكيم رمزاً قومياً , وحدودي وعروبي حتى نخاع العظم , قيل عنه رمز العروبة في فلسطين , وقائداً فلسطينياً , وحالماً كبيراً بفلسطين ولفلسطين , ولكن ليس إلى درجة الرومانسية التي تُفقد البوصلة , أو تضيع الحقائق الدامغة , أو الوقائع العنيدة لأنه يملك روح البحث والتي تسعى دائماً للوصول إلى استخلاص الدروس من الوقائع والأحداث , ولذا كان دائم السؤال , لماذا هزمنا ؟ سؤال مضى الحكيم دون حصوله على إجابة شافية عنه , وبقي السؤال معلقاً في ذمة من خلفه للإجابة عليه , لعلنا نجد في الجواب بارقة أمل النجاح في الانتصار والتحرير . الحكيم المؤسس لحركة القوميين العرب والتي بحثت عن إضاءات في ظلام أمة بعد نكبة فلسطين في عام 1948 م حركة جسدت خيار وآمال أمة بأكملها , لذا شهدت قبولاً في أوساط المثقفين العرب من المحيط إلى الخليج , بما أوصل حجم عضويتها لما يزيد عن مليون منتسب عشية هزيمة حزيران لعام 1967 م . والحكيم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم الثاني رسمياً في منظمة التحرير الفلسطينية , والذي أقدم على عمل استثنائي ومتميز في المؤتمر السادس للجبهة , حينما قدم استقالته من الأمانة العامة بعد مسيرة نضال فيها تزيد عن الثلاثة عقود ونصف , وهو بذلك قدم درساً , وأمثولة نموذجية للقادة الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً , وللقادة فيما يسمى العالم الثالث ثالثاً للتنازل وعدم التشبث بالقيادة أو الموقع رافضاً كل أوهام العظمة والجبروت وتوجسات البرستيج الشخصي والذي يضيفه المنصب على صاحبه , مؤكداً أن الأساس في القيادة ودور القائد , أن يعطي موقعه , لا أن يأخذ منه . إن جورج حبش , القائل , النصر يأتي من تراكم الانتصارات الصغيرة , والهزائم الكبرى , مما جعله بعيد نكبة العام 1948 , يسعى لاستعادة الوطن السليب فلسطين بحركة قومية , وجعلته ما بعد هزيمة العام 1967 م يؤسس من الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب , الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي مثلت ومازالت تمثل القطب الوطني والديمقراطي الأبرز في الساحة الوطنية الفلسطينية لجهة ما تحتكم إليه من أسس ومبادئ في الديمقراطية , والوحدة الوطنية , والتعددية السياسية ,والتمسك بخطاب ولغة الحوار لحل المشكلات والمعضلات في الحلبة السياسية الفلسطينية , مع رفض كل أشكال , وأنماط الاحتراب , أو الاقتتال متمسكة بالشرعة الأخلاقية والوطنية والثورية للفلسطينيين , بأن الدم الفلسطيني خط أحمر لا يجوز لأي كان , ومهما كان تجاوزه , مهما كانت مسوغاته , لذا لا غرابة , أن يقول الشهيد أبو عمار عن الحكيم " إنه ضمير فلسطين " , وبالتالي تكون الجبهة ضمير القضية الفلسطينية . جورج حبش هذا الزعيم الاستثنائي , جعل من جراحات نكبة الشعب الفلسطيني وعذاباته والتي هي بحكم ما فيها وما رافقها من ظروف وملابسات تراجيديا إنسانية وتاريخية كبرى بامتياز , جعل منها حلماً فلسطينياً يطرق جدران الخزان , وبوابات العودة صباح مساء مؤكداً , أن إيقاع الزمن المتغير والذي يراقص بندلاون الحياة , لايدع مجالاً لأي شك , إن العودة قادمة لا محالة طال الزمن أم قصر , وإن منطق التاريخ , ومنطق الأشياء في نهاية المطاف لا تعاكس منطق رغبات , أحلام , وطموحات الشعوب والتي تعشق حريتها , وتعمل لأجلها رغم أية عراقيل , أو صعوبات تقف في طريقها أثر الحكيم الثوري , الوطني , والقومي العربي كان وسيبقى فينا , ما بقيت راية ترفع باسم فلسطين , وما بقي قلبٌ ينبض معها ولأجلها , وبقي صوت فينا يهتف للحرية . إن الصعوبات الراهنة والتي تحيق بالقضية الفلسطينية , تجعلنا نقول , إننا بحاجة ماسة لمن يقول لنا مازلنا بحاجة لمعركة طويلة مستمرة سوف تخوضها أجيال من الفلسطينيين الحالمين بوطنهم والغاضبين من أجله . إنه الحكيم " جورج حبش " ( إن تلك الريح ليست سداً, بل إنها راية , وسنابلنا مازالت حبلى بالأمل , وإن طالت علينا مواسم الحصاد , فلسنا مصلوبين على بوابات الحصار ) .