المصالحة.. أسئلة الحاضر والمستقبل

حجم الخط
تبدو الظروف مواتية أمام قادة فتح وحماس لإحداث الانطلاقة الصحيحة نحو تطبيق اتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة أيار الماضي عبر التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات أو كفاءات مستقلة، ومن ثم الانتقال إلى البنود الأكثر تعقيدا والمتعلقة بمعالجة ذيول وآثار الاقتتال الاجتماعية والنفسية وإعادة بناء منظمة التحرير، كمرجعية قيادية وطنية عليا، تأخذ على عاتقها إدارة الصراع مع إسرائيل، ووضع الاستراتيجيات والسياسات الكفيلة بالاستفادة من طاقات وإمكانات الفلسطينيين في الداخل والخارج وصولا إلى تحقيق الآمال الوطنية في العودة وتقرير المصير. لا يمكن برأيي الوصول إلى الأهداف والنتائج السابقة دون الإجابة على عدة أسئلة صعبة وحاسمة، أولها وأهمها ربما سؤال السلطة، وهل ما زالت ضرورة وطنية سياسية اقتصادية اجتماعية وأمنية أم أنها تحولت إلى ذريعة لتهرب الاحتلال من مسؤولياته وحاجز يحول دون خوض معركة الاستنزاف معه بكافة أشكالها وأبعادها ومستوياتها الميدانية والسياسية والاستراتيجية؟! السؤال الثانى يتمحور حول المفاوضات وعملية التسوية الميتة سريريا والتي تحتاج إلى إعلان سياسي حاسم عن موتها كونها لم ولن تحقق أي نتائج بل على العكس مثلت طوال الوقت عائقا أمام المصالحة، وإمكانية بل ضرورة رسم استراتيجية وطنية بديلة تجمع ولا تفرق، ناهيك عن استغلالها طوال العقدين الماضيين من قبل الاحتلال لتجميل وجهه البشع وتحسين صورته الدولية، وحتى لشن الحروب من جهة وفرض مزيد من الوقائع على الأرض من جهة أخرى، عبر مواصلة الاستيطان والتهويد، خاصة في القدس ومحيطها. السؤال الثالث يتعلق بالمقاومة، ليس فقط بناء على إجابة السؤالين السابقين وإنما استنادا إلى معطيات أخرى منها التنسيق الأمنى في الضفة الغربية والتهدئة التي باتت علنية في قطاع غزة؛ لا بد من التوافق أولا على خيار المقاومة بكافة أشكاله وأساليبه- بما في ذلك العمل السياسى والديبلوماسي- كخيار ناجع من أجل استرجاع الحقوق وتحقيق الآمال الوطنية، كما نصت وثيقة الوفاق الوطني، ومن ثم ترك التفاصيل والآليات للقيادة والمرجعية العليا، أي لمنظمة التحرير، ولكن بعد بنائها بشكل وطني ديمقراطي نزيه وشفاف كي تعبر عن المزاج الشعبي وموزاين القوى السياسية والحزبية في الشارع الفلسطيني، إن في الداخل أو في الشتات. ثمة أمر أخير لا يجب نسيانه، حيث لا ينبغى التأثر كثيرا أو الخوف من التهديدات الإسرائيلية الأمريكية تجاه المصالحة؛ لا ينبغى تجاهل ذلك نهائيا، ولكن على قاعدة أن الأمر بأيدينا، فقدرة الردع أو حتى الهيبة الأمريكية- الإسرائيلية تتراجع بشكل بطيء وتدريجي ولكن متواصل، هذا ما اتضح جليا من خلال صفقة تبادل الأسرى الأخيرة واستحقاق أيلول وعضوية فلسطين الدائمة في منظمة اليونسكو. وعلى ذلك ينبغي إدارة الصراع كما ينبغي واستغلال التطورات والتحولات الإقليمية والدولية الهائلة لصالحنا- هي كذلك فعلا- والإيمان التام بضعف وعجز أمريكا وإسرائيل عن فرض إرادتهما، سواء في فلسطين أو في المنطقة بشكل عام، شرط أن نتصرف نحن بطريقة صحيحة والتساوق مع أهواء وأجواء الربيع العربي، وعدم الطلب من الآخرين أن يكونوا فلسطينيين أكثر منا! والفهم بل والإيمان التام بأن سيرورة نهاية إسرائيل بدأت فعلا مع سيرورة زوال أنظمة القهر والاستبداد والاستئثار والفساد والهزيمة، والتي لم تحسن القتال ولا حتى التفاوض خلال الستين عاما الماضية