سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة العربية

حجم الخط
أصدر مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت كتاباً جديداً بعنوان "سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة العربية؛ دراسة حالة حركة المقاومة الإسلامية حماس 2001 - 2007" للدكتور سليم محمد الزعنون، يسلّط فيه الكاتب الضوء على تطور رؤية الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الاسلامية بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص والعوامل الدافعة لهذا التطور؛ وما الأهداف التي يتوخاها الاتحاد من وراء هذه السياسة؛ وما الأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ وهل حققت هذه السياسة أهدافها المرجوة؛ وما الفرص والتحديات التي تواجه تنفيذ هذه السياسة؛ ذلك في الفترة 2001 - 2007. خلاصـــة الكتـــاب -1- شهد العقد الأخير تغييراً في رؤية الاتحاد الأوروبي للحركات الإسلامية من الرؤية النمطية التي تضع جميع هذه الحركات في سلة واحدة كحركات دينية متطرفة مناهضة للحداثه وقيم الديمقراطية إلى رؤية جديدة تميز بين الحركات المتطرفة التي تستهدف تغيير مجمل النظم والأوضاع القائمة بالأساليب العنيفة وتمارس الإرهاب ضد المواطنين والنظم الحاكمة؛ وبين الحركات الإسلامية التي تسعى لتحديث مجتمعاتها وتتبنى أساليب التغيير السلمي والمتدرج وتؤمن بالمشاركة السياسية، وبذلك تمثل قوى محتملة داعمة للإصلاح. أثراً لذلك حدث تطور جذري في الخطاب الرسمي للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية؛ وقد جاءت وثائق الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة معبرة عن رؤية جديدة قائمة على إمكانية إشراك الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية، حيث تضمنت دعوات ضمنية تدرجت إلى حد الوصول إلى الدعوات الصريحة التى تطالب بالتواصل مع الحركات الإسلامية المعتدلة والعمل على دعمها وتمكينها. فقد ورد في وثيقة تعزيز شراكة الاتحاد الأوروبي مع العالم العربي عام 2003 دعوة لإشراك كافة القوى والمنظمات السياسية التي ترفض العنف وتحبذ العمل وفقاً لقواعد الديمقراطية دون استثناء، مع عدم تعرض الوثيقة مباشرة لذكر الحركات الإسلامية. وعاود الاتحاد التركيز على نفس هذه الرؤية في توصيات التقرير النهائي المتعلق بالشراكة الإستراتيجية مع منطقتي البحر المتوسط والشرق الأوسط عام 2004، وقد مثلت وثيقة استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف وتجنيد الإرهابين عام 2005 نقلة نوعية في الخطاب الرسمي للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية، فقد انتقل الخطاب من العمومية إلى التخصيص ومن الدعوة إلى إشراك كافة المنظمات السياسية في العملية الديمقراطية إلى تمكين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تنبذ العنف والصورة المشوهة للإسلام التي يتبناها تنظيم القاعدة، وكان قرار البرلمان الأوروبي عام 2007 أكثر وضوحا بشأن إشراك الحركات الإسلامية في العملية الديمقراطية؛ فقد نص على تقديم دعم سياسي واضح للحركات السياسية التي تروج للديمقراطية عن طريق وسائل غير عنيفة، بما في ذلك الإسلاميون المعتدلون الذين يشجعهم الاتحاد الأوروبي على الإشتراك في العملية الديمقراطية. في هذا السياق لا يمكن الفصل بين رؤية الاتحاد الأوروبي لإدماج الحركات الإسلامية في النظم السياسية العربية وبين رؤيته لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"؛ نظراً لذلك شهدت رؤية الاتحاد الأوروبي لحركة حماس حالة من التطور التدريجي عبر الزمن فانتقلت من الرؤية السلبية التى تصنف الحركة كمنظمة إرهابية إلى رؤية قائمة على إمكانية إشراكها في العملية الديمقراطية وعملية السلام، وكان هذا التغير في رؤية الاتحاد تجاه حركة حماس في جزء منه أثراً للتغيرات التي شهدتها الحركة، والتي تؤشر لبعض علامات التحول والتغير في فكرها وممارساتها، بما جعلها تقبل المشاركة في العملية الديمقراطية تحت سقف إتفاق اوسلو، وتقبل بقواعد عملية السلام وفقا لرؤية الاتحاد الأوروبي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائمة على حل الدولتين. يؤشر هذا التطور إلى أنّ هناك مراجعة جذرية حقيقية جرت للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه العالم العربي من ناحية، والحركات الإسلامية من ناحية أخرى، بما يمثل معكوس الخبرة التاريخية للاتحاد الأوروبي التي سادت حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتسمت بتركيز الاتحاد كل اتصالاته ومبادراته على مستوى التعامل الرسمي مع النظم الحاكمة ومع عناصر محدودة من المجتمع المدني على اعتبار أنّ استقرار النظم السياسية العربية هو ضمانة الاستقرار في جنوب المتوسط، غير أنّ السنوات الأخيرة أظهرت التأثير السلبي للتركيز على الاتصال مع الأنظمة الحاكمة في ظل افتقارها للشرعية نتيجة سوء أدائها على صعيد التحول الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي؛ إلى جانب استمرارها في إعاقة أي تغيير بنيوي فعال يؤدي لتحقيق الاستقرار؛ وما ترتب عليه من عدم استقرار وتدهور اقتصادي واجتماعي كان له أثره البين على دول الاتحاد من حيث ارتفاع معدلات الهجرة والعنف والأصولية، وصعود حركات الإسلام السياسي التي تزعمت الاحتجاجات ضد النظم العربية، ومدت جذورها ليس فقط مجتمعاتها بل امتد تأثيرها بحكم الحضور الإسلامي في دول الاتحاد إلى الجاليات الإسلامية هناك. -2- لقد أدرك الاتحاد الأوروبي ضرورة تجاوز الرؤية التي حكمت طويلاً علاقته مع دول جنوب المتوسط، والتي استهدفت السعي لتحقيق الاستقرار وبناء شراكة مع هذه البلدان بالتعاون مع مؤسسات الدولة فيها وإهمال الفاعلين الاجتماعيين، ودون الاهتمام بمدى احترام هذه الدول لقواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أدى هذا النهج إلى عرقلة جهود الإصلاح السياسي ومن ثم تصاعد الأصولية الإسلامية في حين تقلصت فرص دفع التوجه الإسلامي المعتدل، وعليه رأى أنّ الإصلاح السياسي هو الضمانة لتحقيق الاستقرار في جنوب المتوسط، وأنّ هذا الإصلاح يقتضي أنْ يتسع ليشمل كافة القوى الفاعلة في المجتمع التى تعمل على دعم وتعزيز الديمقراطية من خلال وسائل غير عنيفة بما في ذلك الإسلاميون المعتدلون، مع ضرورة صياغة مبادرات وبرامج لتقديم دعم ملموس للجهات الفاعلة في المجتمع المدني وفي الحياة الدينية وكافة المنظمات السياسية التي تشجع الديمقراطية عن طريق وسائل غير عنيفة؛ وفقاً لهذا المنظور بلور الاتحاد الأوروبي رؤيتة الجديدة القائمة على إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية العربية من خلال العملية الديمقراطية؛ على أنْ تكون جزءاً من النظم السياسية القائمة ودون الافتئات على صلاحياتها، بمعنى عدم السماح بأن يكون هذا الإدماج بداية عملية ممتدة تنتهى بسيطرة الاسلاميين على الحكم. لقد ساهم في بلورة هذه الرؤية العديد من عوامل الدفع على المستويات الدولية والاقليمية والمحلية؛ فعلى مستوى النظام الدولي انعكست طبيعة هيكل النظام الذي أصبح يتسم بالأحادية القطبية على تحديد الاتحاد الأوروبي لأدوار سياسته الخارجية التي يسعى للقيام بها في سياق هيمنة الولايات المتحدة الإستراتيجية والسياسية؛ وتعاظم إدراك الاتحاد لدوره في السياسة العالمية كقوة مدنية لا يسعى لمنازعة الولايات المتحدة في دورها الاستراتيجي، فاتسم دوره على هذا المستوى بطابع الدور المكمل لدور الولايات المتحدة في القضايا الإستراتيجية؛ والنشاط النسبي على المستوى الاقتصادي وهو ما ظهر في استخدام الأداة الاقتصادية بكثرة كأداة فاعلة في سياسته الخارجية؛ ومن ناحية أخرى فإن سعي الاتحاد الأوروبي للمنافسة على المستوى الاقتصادي ووجود مصالح اقتصادية مهمة له في المنطقة العربية أثر على فعالية الأداة الاقتصادية كأهم أدوات سياسته الخارجية؛ لكن المحدد الحاسم الذي استدمجه الاتحاد الأوروبي في عملية صنع القرار تجاه الحركات الإسلامية كان البيئة الأمنية الجديدة بعد أحداث 11 سبتمبر، بما تضمنته من بروز الإرهاب باعتباره التهديد الأكبر للأمن الدولي وما طُرح من إستراتيجيات لإجتثاثه من خلال تغيير ظروف البيئة التي توفر له شروط نموه وانتشاره فاعتمدت هذه الإسترتيجيات على وسائل القوة الناعمة ودعم الإصلاح السياسي والمشاركة المجتمعية الواسعة، بما تعنيه من مشاركة كافة منظمات المجتمع المدني بما فيها من منظمات ذات خلفية إسلامية والدعوة لفتح حوار مع كافة التنظيمات السياسية التي تنبذ العنف وتتبنى العمل السلمي وسيلة للتغيير. وتتمثل العوامل الإقليمية في التغيرات التي شهدتها الحركات الإسلامية في رؤيتها للمجتمع والسياسة، حيث تراجعت عن أفكارها القديمة التي كانت تقوم على المفاصلة مع الواقع والتعالي عليه لتحل محلها أفكار جديدة تسعى لاستيعاب الواقع المعيش ومحاولة التكيف معه، ووجدت هذه الأفكار انعكاسها في ممارسات قطاع كبير من هذه الحركات، فقد غير العديد من حركات الإسلام السياسي رؤيتها لمنهج التغيير الاجتماعي والتعددية، وانعكس هذا التغيير في التحول إلى نبذ العنف والاتجاه لتبني الديمقراطية والمشاركة السلمية في النظام، ومن ثم شاركت الحركات الإسلامية في العملية السياسية وشهدت صعوداً تدريجياً كانت أهم مؤشراته زيادة عدد مقاعدها في البرلمانات العربية لتصبح المعارضة الأقوى في مواجهة النظم، وبقبول هذه الحركات المشاركة السلمية في النظام والاحتكام لصناديق الإقتراع ونبذ العنف كوسيلة للتغيير أصبحت هذه الحركات تفي بمعايير الاتحاد الأوروبي للاعتدال، على النحو الذي أظهرته وثائق الاتحاد؛ ومن ثم مؤهلة للإنخراط في النظام السياسي. ويأتي هذا التغير على جانب الاتحاد الأوروبي والحركات الإسلامية في سياق تراث طويل من التفاعل والاعتماد المتبادل بين ضفتي المتوسط بشكل خاص وبين الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية بشكل عام؛ فقد شهدت منطقة البحر المتوسط ولفترة طويلة من الزمن تفاعلاً مكثفاً بين الشمال والجنوب، ويؤشر تاريخ العلاقة بين الطرفين لحالة من التشابك والترابط على مستويات مختلفة سواء سياسية أو اقتصادية، وقد تأرجحت هذه العلاقة في مراحلها المختلفة بين طبيعة تعاونية وأخرى صراعية، بما أنتج تراثاً تاريخياً مركباً ومعقداً لا زال يثير لدى الطرفين حالة من التوجس المتبادل برغم جهود الحوار بينهما، وفي الوقت نفسه ثمة إدراك متنام للاعتماد المتبادل بين جنوب المتوسط وشماله، ولأهمية إيجاد صيغة للقبول والتعايش المشترك بين الاتحاد الأوروبي والحركات الإسلامية خاصة مع تنامي ظاهرة الهجرة من الجنوب إلى الشمال، والتزايد المضطرد لوجود الجاليات الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي بحيث أصبحت في كثير من الدول في صلب العملية السياسية، بما أثار الكثير من المخاوف لدى دول الاتحاد، والتي ترتبط بتغير التركيبة السكانية لدول الاتحاد وتدعيات هذا على هويته، بحيث جرى اعتبار الجاليات الإسلامية بما لها ارتباطات دينية واجتماعية وعادات وتقاليد يحتفظون بها تهديداً للقيم والثقافة الغربية، يضاف لهذا المخاوف الأمنية المرتبطة بنمو ظاهرة التطرف بين صفوف أبناء الجالية الإسلامية. -3- بانتهاء الحرب الباردة صاغ الاتحاد الأوروبي أهداف سياسته الخارجية للعمل على الساحة الدولية والتي ظهرت في العديد من وثائقه متمثلة في: ضمان السلام والاستقرار، ومنع الصراعات، وتعزيز ودعم الديمقراطية وحكم القانون، وإحترام حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي، ويتضح من تحديد الاتحاد لأهداف سياسته الخارجية مدى إرتباطها بحقيقة إدراكه بأن مصادر تهديد الأمن الأوروبي لم تعد مصادر تقليدية بالمفهوم الضيق "العسكري" ولكنها تتسع لتشمل كل ما يتصل بتهديد الأمن بالمعنى الواسع، والتهديدات الأمنية من هذه المنظور ترتبط بنواتج عدم الاستقرار والاستبداد السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي، وما لذلك من انعكاسات على الداخل الأوروبي . لقد مثلت هذه الرؤية إلى جانب إدراك الاتحاد لطبيعة التغييرات التي مرت بها الحركات الإسلامية الخلفية العامة لتفصيل الاتحاد الأوروبي أهداف سياسته الخارجية تجاه الحركات الإسلامية بما فيها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"؛ وتمثلت هذه الأهداف في: إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية العربية إدراكا منه بأنها لاعب سياسي لا يمكن تجاهله، واحتواء الحركات الإسلامية المرتبطة برؤى الجهاد العالمي، وتحقيق الاستقرار في جنوب المتوسط؛ ضمن هذه الرؤية رأى الاتحاد الأوروبي أن أهداف سياسته الخارجية تحقيق الاستقرار، واحتواء الحركات الإسلامية المرتبطة برؤى الجهاد العالمي؛ يمكن أن تتحقق من خلال إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية، وتنسحب هذه الرؤية على إدماج حركة حماس في النظام السياسي برغم ممارستها أعمال العنف؛ على اعتبار أن العنف الذي تمارسه يرتبط بالظروف المعيشية في ظل الاحتلال وممارساته التى تمهد الطريق لخلق دائرة من العنف المتبادل، وعليه فإن العنف الذي تمارسه حماس يأتي في إطار مختلف تماما عن العنف الذي تمارسه تنظيمات الجهاد العالمي. في هذا السياق جاءت وثائق الاتحاد الأوروبي وتصريحات مسئوليه تؤشر لموافقته على إشراك حركة حماس في العملية الديمقراطية، وتأييد ودعم حكومة فلسطينية تشترك فيها ويتفاوض عنها النظام السياسي القائم الذي يدعم عملية السلام، بما يدعم استقرار النظام ويمنح عملية السلام دعماً شعبياً يقود لاستقرار المنطقة؛ كما أنّ هذه الموافقة تعكس تطور رؤية الاتحاد باتجاه القبول بتمكين الحركات الإسلامية المعتدلة. يؤشر ما سبق إلى أنّ الحركات الإسلامية أصبحت ضمن محاور اهتمام صانع القرار في الاتحاد الأوروبي، ويأتي هذا الإهتمام أثراً لإدراك الاتحاد للتغيرات التي أصابت الحركات الإسلامية وأيضاً للدور الذي يمكن أنْ تقوم به بوصفها أبرز حركات المعارضة في مجتمعاتها، وتتعاظم هذه الأهمية في حالة حركة حماس مع بوادر التغيير في ممارستها السياسية، بالنظر لإمكانية إدماجها في عملية التسوية السلمية وما له من تداعيات على استقرار المنطقة العربية، وبالتالي يمثل إدماج هذه الحركات في الحياة السياسية أحد مقومات الاستقرار في المنطقة، ويؤدي إلى كبح تيارات التطرف والإرهاب. -4- ومن أهم الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة محدودية الممارسة الفعلية للاتحاد الأوروبي مقارنة بما تضمنه خطابه الرسمي بشأن إدماج الحركات الإسلامية في الحياة السياسية، فمن خلال استقراء مجمل ممارسات الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي لم يسعَ لوضع مضامين خطابه موضع التنفيذ الكامل، وتؤشر الممارسة العملية إلى إحجام الاتحاد عن تطبيق المشروطية السياسية لدعم التحول الديمقراطي، بل استمر في علاقته مع النظم الحاكمة من حيث تمويل برامج الديمقراطية واستبعاد الحركات الإسلامية من هذه البرامج؛ واقتصرت الممارسة على توظيف مجموعة محدودة من الآليات كالآليات السياسية (الاتصالات) والثقافية (ندوات ومؤتمرات)، مع غياب الآليات الأخرى وأهمها الآلية الاقتصادية التى تمثل الآلية الأكثر فاعلية بين آليات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، حتى عملية توظيف هذه الآليات كان في أضيق الحدود بحيث تم استخدامها كأدوات استكشافية بالأساس، من خلال التركيز على الاتصال بالإسلامين بصفتهم برلمانيون مع تجنب الاتصال بالحركات الإسلامية كتنظيمات، في المقابل فإن الآليات كانت أكثر كثافة وأكثر فاعلية في حالتي حركة حماس والمحاكم الإسلامية نظراً لخصوصية الحالتين بما انعكس على تعدد الآليات المستخدمة (اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية)، والأهم توظيف الآلية الاقتصادية كآلية داعمة للآليات الأخرى، بما أدى لوجود درجة عالية من التكامل في توظيف الآليات لتحقيق أهداف السياسة. إنّ ما يفسر محدودية الممارسة العملية للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية يعود في جزء منه لطبيعة رؤية الاتحاد للدور الذي يمكن أنْ تضطلع به سياسته الخارجية وأثرها على مسار سياسته تجاه الحركات الإسلامية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص، بحيث كان التغير في هذه السياسة متأثراً بشكل جزئي بسياسة الولايات المتحدة والعلاقات عبر الأطلسية هذا من جانب؛ وعلى جانب آخر يمكن تفسير محدودية الممارسة السياسية بغلبة الطابع الأمني والمصالح الاقتصادية على سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه جنوب المتوسط، فسياسة الاتحاد سواء في إطار الشراكة الأورومتوسطية أو سياسة الجوار أو المقاربة الجديدة لإدماج الحركات الإسلامية، تأتي في سياق سعي الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهداف أمنية ومصالح اقتصادية بالأساس، تدور حول دعم الاستقرار في الجنوب ومواجهة التطرف، وعليه كانت المخاوف الأمنية والمصالح الاقتصادية هي الإطار الحاكم لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية، ما أدى لوجود تراتبية في الأهداف يأتي على قمتها تحقيق الأمن والاستقرار في الجنوب، فإدماج الحركات الإسلامية المعتدلة يمثل أحد الآليات لتحقيق الاستقرار، فإذا كان الإدماج لا يفضي لتحقيق الاستقرار( كما في الحالات اللبنانية، العراقية، الفلسطينية)، ويؤدي لزيادة معدلات الهجرة وتقويض عملية السلام، فإن ذلك يشكل دافعا لتعزيز التعاون مع النظم الحاكمة. -5- وتستنتج الدراسة أن ثمة عددا من الاعتبارات التي يمكن أن تشرح النمط الخاص الذي اتخذته سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه كل حالة من الحركات الإسلامية، سواء من حيث حجم وكثافة هذه الممارسات أو الآليات المستخدمة في تنفيذها، ومن بين هذه الاعتبارات: مدى شعبية هذه الحركات ومقدار احتمالات نجاحها في الوصول للحكم؛ ومدى استقرار نظام الحكم في السلطة؛ وأهمية الدولة المعنية في توفير الأمن والاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية؛ هذه الاعتبارات تفسر كثافة الممارسة في حالتي حركة حماس والمحاكم الإسلامية، فكل من الحركتين كانت تتمتع بقاعدة شعبية عريضة وكانت قاب قوسين أو أدني من السلطة؛ إلى جانب هشاشة النظام الحاكم في كلا البلدين، بما انعكس على عدم قدرته في توفير حالة من الاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية، بما يستثير اهتمام الاتحاد الأوروبي بالدولة المعنية، ويبرز أهمية إشراك الإسلاميين، ومن ثم زيادة مقدار الممارسات وتعدد الآليات المستخدمة (اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية)، والأهم توظيف الآلية الاقتصادية كآلية داعمة للآليات الأخرى، بما أدى لوجود درجة عالية من التكامل في توظيف الآليات لتحقيق أهداف السياسة، كما أنّ كثافة الممارسة والآليات المستخدمة في الحالتين المذكورتين يؤكد على غلبة الاهتمامات الأمنية والاقتصادية على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه دول جنوب المتوسط عامة والحركات الإسلامية خاصة؛ ويُوجد تراتبية في الأهداف يأتي على رأسها توفير الأمن والاستقرار، بما يخدم المصالح الاقتصادية والعكس صحيح. وعليه دفعت محورية الاعتبارات الأمنية والاقتصادية إلى عدم تماثل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية المختلفة على امتداد الوطن العربي، بحيث أصبحت العلاقة بين طغيان هذه الاعتبارات وممارسات الاتحاد الأوروبي تجاه هذه الحركات عكسية، بمعنى كلما كان النظام الحاكم أكثر قدرة على توفير الأمن والاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية، كانت ممارسة الاتحاد الأوروبي لدعم وتمكين الحركات الإسلامية محدودة والعكس صحيح، وهو ما يفسر فاعلية ممارسة الاتحاد الأوروبي تجاه المحاكم الاسلامية وحركة حماس، ففي كلا الحالتين لم يكن النظام قادرا على تحقيق الاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، لذلك إهتم الاتحاد بدفع مشاركة الحركتين في النظام السياسي في إطار سعيه لتحقيق الاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية مستخدما آلياته الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية بشكل أكثر فاعلية، وإنْ إختلفت نوعية الآليات وطريقة توظيفها في كلا الحالتين من الإستخدام الإيجابي للآليات في حالة المحاكم الإسلامية بمعنى الدعم الفعال اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والإستخدام السلبي للآليات في حالة حركة حماس بمعنى المنع والحصار السياسي والاقتصادي، وفي كلا الحالتين تمحورت الأهداف حول تحقيق الأمن والاستقرار، واحتواء المد المتعاظم للحركات الإسلامية المرتبطة برؤى تنظيم القاعدة بالدرحة الأولى. -6- كما استنتجت الدراسة أنّ الاتحاد الأوروبي في حالة حركة حماس والمحاكم الإسلامية استخدام مقترب شامل يزاوج بين الآليات التى تنتمي للأعمدة الثلاث التي تشكل بنية الاتحاد الأوروبي، بما يؤشر إلى حالة من الاتساق بين الآليات وبين الأعمدة لتحقيق أهداف السياسة، ويعطي مثالاً ناجحا على سياسة خارجية متماسكة ومتسقة تزاوج بين كافة عناصر الأعمدة الثلاثة لنظام العلاقات الخارجية، مع ملاحظة اعتماد الاتحاد الأوروبي على استخدام الأداة الاقتصادية بحكم تأثير النظام الدولي الذي فرض محدودية الدور السياسي للاتحاد الأوروبي وما ترتب على ذلك من ابتعاد الاتحاد عن الجوانب الاستراتيجية؛ في حين تظهر الممارسة تجاه الحركات الإسلامية عامة اقتصار الاتحاد الأوروبي على إستخدام أداة واحدة (الأداة الدبلوماسية) من بين أربع عشرة أداة تطورت في سياق العلاقات الأورومتوسطية تعبيراً عن محدودية الممارسة تجاه هذه الحركات. وقد انعكس هذا الاتساق بين الآليات والأعمدة إيجابيا على فاعلية السياسة، فهي وإنْ لم تؤد إلى نتائج حاسمة في تحقيق أهداف السياسة، فإنها حققت نجاحاً نسبياً فيما يتعلق بدفع الحركات الإسلامية نحو البراجماتية، ففي حالة حركة حماس أدت مشاركتها في النظام السياسي إلى دفعها نحو البراجماتية السياسية وانخفاض حدة العنف وتحقيق الاستقرار النسبي، والاستجابة النسبية لشروط الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الدولية السابقة، وكذلك احتواء المد المتعاظم للتنظيمات المرتبطة برؤى تنظيم القاعدة في فلسطين، ولكنها لم تنجح حتى الآن في دفع الحركة نحو الإعتراف الصريح بإسرائيل وإدماجها في عملية السلام. -7- واستنتجت الدراسة أيضا أنّ تنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي القائمة على إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية تواجه العديد من التحديات مقارنة بمحدودية الفرص المتاحة، إذ تنبع التحديات من بنية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط، ومن طبيعة الفاعلين أنفسهم، كما أنّ التحديات متعددة المستويات فهي نابعة من البيئة الدولية والاقليمية والداخلية؛ بخلاف الفرص النابعة من متغيرات جديدة ترتبط بالفاعلين أنفسهم، تمثل أهمها في تبني الاتحاد مقاربة الإدماج، والتغير في ممارسات وفكر الحركات الإسلامية؛ وسماح النظم السياسية في المنطقة العربية بقدر من الانفتاح مهد الطريق لمشاركة الحركات الإسلامية في العملية السياسية. في هذا الإطار أظهرت الدراسة أنّ سياسة فتح الباب أمام مشاركة الحركات الإسلامية لا زالت تواجه العديد من التحديات التي تنبع من مستويات متعددة من الفاعلين، وعلى رأسهم الفاعلون الرئيسيون: الاتحاد الأوروبي، والحركات الإسلامية، والنظم السياسية القائمة في دول جنوب المتوسط، والقوى الإقليمية: إيران وممارساتها الساعية للهيمنة، وإسرائيل برؤيتها المتشددة تجاه إدماج الحركات الإسلامية، لكن تظل التحديات الأهم تنبع من طبيعة العلاقات الأوروأطلسية التي أظهرت تبعية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية تقدماً وتراجعاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكذلك من المنطلقات المصلحية لسياسة الاتحاد الأوروبي فالمصالح الإستراتيجية للاتحاد تدفع باتجاه الحفاظ على علاقات وطيدة مع النظم السياسة، وبالتالي عدم الضغط الشديد لإحداث إصلاحات تفضي لإدماج الحركات الإسلامية بشكل كامل، وهذا ما يفسر افتقار المشروطية السياسية للاتحاد للمصداقية، كما أنّ غلبة الطابع الأمني على اهتمامات السياسة الخارجية للاتحاد على اهتمامات الإصلاح السياسي جعل من الأخير لا يعدو كونه وسيلة لخدمة الهدف الأمني المتمثل في تحقيق الاستقرار، إضافة إلى التحديات النابعة من الطبيعة الخاصة للاتحاد والتى تنعكس على عدم اتساق الممارسة إلى جانب ضعف خبرة مؤسسات الاتحاد في التعامل مع الحركات الإسلامية. الأمر نفسه يصح بالنسبة للحركات الإسلامية فبرغم التغيرات التي شهدتها على مستويي الفكر والممارسة فإنّ هذا التغيير لم يكن كاملاً، فلا تزال هناك مناطق رمادية في فكر هذه الحركات فيما يتصل بموقفها من الديمقراطية وطبيعة النظام الذي تستهدف إقامته، وبرزت هذه المناطق الرمادية إلى الواجهة مع عدم التزام الحركات الإسلامية التى وصلت سدة الحكم في السودان وفلسطين بقواعد العمل السياسي، بما أثار شكوك الاتحاد الأوروبي حول مدى التزامها الحقيقي بقواعد الديمقراطية، وعلى الجانب الآخر تشكك الحركات الإسلامية بمصداقية الاتحاد الأوروبي في سياسته تجاهها، فهي ترى أنّ سياسة الاتحاد تتسم بالازدواجية بما يضعف قناعتها بجدية سياسة الاتحاد القائمة على الإدماج، إضافة إلى حذر هذه الحركات من التواصل مع الاتحاد الأوروبي خوفا من أنْ يضر ذلك بصورتها أمام قواعدها وجمهورها وتلافياً لاتهامها بالعمالة لجهات أجنبية، كما أنّ تعاظم حجم تكاليف مشاركتها السياسية مقارنة بالمنافع السياسية والتنظيمية المحدودة التي ترتبت على المشاركة دفع هذه الحركات إلى التراجع النسبي عن المشاركة. يضاف إلى ذلك التحديات النابعة من البيئة الإقليمية تعتبر ذات أهمية خاصة، فتسعى إيران لتوسيع نفوذها الاقليمي من خلال تطويرها علاقات مع الحركات الإسلامية، وتبني بعض هذه الحركات للنموذج الإيراني في الحكم على الصعيد الداخلي وهي عوامل تضع قيداً على حركة النظم السياسية العربية باتجاه إدماج الحركات الإسلامية وتعيد الاتحاد الأوروبي إلى التواصل مع الأنظمة على اعتبارها الأكثر توافقاً مع مصالحه ورؤاه، إلى جانب الرؤية الإسرائيلية الرافضة لإدماج الحركات الإسلامية في الحياة السياسية وسعي إسرائيل للتشكيك في جدوى سياسة إدماج الحركات الإسلامية في الحياة السياسية. وفي مقابل هذه التحديات التي تتسم بالتنوع والطبيعية الهيكلية تأتي أغلب الفرص من المتغيرات الجديدة التي شهدها فكر وممارسات الفاعلين الرئيسيين، فعلى مستوى الاتحاد الأوروبي فثمة تغير ملحوظ في رؤية الاتحاد الأوروبي للتغيرات داخل الحركات الإسلامية وفي كيفية تحقيق الاستقرار في ظل البيئة الأمنية الجديدة، إضافة إلى اتجاه سياساته الخارجية بشكل عام إلى مزيد من الاتساق والتماسك أثراً لتطور بنيته التنظيمية والمؤسسية وتطور العملية التكاملية التي يشهدها منذ عقود،أما على جانب الفاعلين المستهدفين بالسياسة فإن الظرف الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من اعتماد الانفتاح السياسي إسترتيجية مهمة في مكافحة الإرهاب جعل النظم السياسية العربية تقبل بمزيد من الانفتاح السياسي ما استمر محكوماً باعتبارات ضمان استقرارها السياسي، وهو ما هيأ الفرصة أمام قبول مشاركة بعض حركات الإسلام المعتدل، خاصة مع تبدد العديد من المخاوف من هذه الحركات بعد مشاركتها السلمية في العمل السياسي، بل ووصول أحدها إلى السلطة في تركيا دون أن يترتب على ذلك تقويض أسس النظام العلمانية، يضاف إلى ذلك التغيرات التى شهدتها الحركات الإسلامية في رؤيتها الفكرية للمجتمع والسياسة، وما تبع ذلك من ممارسة عملية باتجاه العمل السياسي السلمي ونبذ العنف والقبول بالتعدية السياسية، والمشاركة في العملية الديمقراطية. وفي ضوء تنوع وكثافة التحديات مقارنة بمحدودية الفرص، من المتوقع أنْ تنحصر سياسة الاتحاد الأوروبي وممارساته تجاه الحركات الإسلامية في حدود الخطاب الرسمي، باستثناء حالة حركة حماس لما لها من خصوصية في إطار توفير الأمن والاستقرار، وتوجد مؤشرات جديد تؤكد على إستمرار تواصل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع حركة حماس وإنْ كانت لاستكشاف رؤية الحركة حول العديد من القضايا مثل: موقف حماس من الغرب والعلاقة بينهما، والاعتراف بإسرائيل، والتهدئة، وقدرة حماس على وقف تهريب السلاح إلى غزة، وما مدى استعداد حماس للتعاون مع المجتمع الدولي في حل المشاكل الإنسانية، ومطالبة حماس تحويل المبادئ التي قدمتها إلى برامج سياسية، وكذلك حالة المحاكم الإسلامية لما لها من خصوصية لتوفير الأمن والاستقرار لحماية مصالحها الاقتصادية، وتوجد مؤشرات على إستمرار الاتحاد بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري لحكومة شيخ شريف شيخ أحمد. -8- وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن جوانب الاستمرارية في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية تغلب على جوانب التغير، بمعنى أنّ الاتحاد الأوروبي وإنْ استمر على مستوى الخطاب في دعم إشراك الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية باعتبار أن أحد توجهات سياسته الخارجية هو دعم التحول الديمقراطي في دول جنوب المتوسط، فإن التحليل العملي للسياسة أظهر تراجع قوة الدفع باتجاه إدماج الحركات الإسلامية في الحياة السياسية، للعديد من الإعتبارات الهيكلية التى تحكم العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط، إضافة للعديد من الإعتبارات التى تتعلق بطبيعة الحركات الإسلامية من حيث استمرار المناطق الرمادية ومدى التزامها بقواعد الديمقراطية بعد وصولها للسلطة، وكذلك النتائج المترتبة على إدماجها من حيث غياب الاستقرار المنشود، وتمثل العلاقات الأوروأطلسية الاعتبار الأهم لتراجع قوة الدفع باتجاه إدماج الحركة الإسلامية، حيث أشارت الدراسة إلى تبعية سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فسياسة الاتحاد الأوروبي باتجاه دعم فتح آفاق المشاركة السياسة لكافة القوى بما فيها الحركات الإسلامية قد تأثرت تقدماً وتراجعاً بسياسة الولايات المتحدة تجاهها، وظهر ذلك جليا في قرارات الاتحاد بإدراج حركة حماس بجناحيها العسكري ثم السياسي على قائمة المنظمات الإرهابية التي أتت استجابة لظروف البيئة الدولية بعد 11 سبتمبر وبتأثير مباشر من الولايات المتحدة، بما يؤشر إلى اصطفاف سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، على النحو الذي أظهرته دراسة التحديات النابعة من العلاقات الأوروأطلسية. -9- وفي إطار تحليل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية استنتجت الدراسة أهمية تحليل السياسة الخارجية باعتبارها نظاماً متكاملاً يجمع بين مدخلات البيئة بأنواعها المختلفة وعملية صنع السياسة، فقد أظهرت الدراسة أنه لا يمكن فهم مخرجات سياسة الاتحاد (مضمونها) إلا بالأخذ في الاعتبار المحددات البنائية لهذه السياسة، سواء تعلقت بالتركيبة الداخلية لدول الاتحاد والمحددات الهيكلية لعلاقاته بالأطراف المستهدفة بالسياسة (الحركات الإسلامية والنظم السياسية العربية)، والإطار الدولي الذي يعمل فيه الاتحاد بشكل عام، ففهم هذه المحددات هو الذي يسهم إلى حد بعيد في فهم تطور ومسار سياسة الاتحاد تجاه الحركات الإسلامية من ناحية وتباين مضامين هذه السياسة في الحالات المختلفة، ومن ناحية أخرى فإن هذه المحددات أثرت على عملية صنع السياسة، التي كانت بدورها انعكاساً لدرجة التطور المؤسسي والمرحلة التى وصل اليها التكامل الأوروبي، وهوما كانت له تداعياته على مخرجات السياسة بما اتسمت به من تفاوت بين الخطاب والممارسة وتباين في الحالات المختلفة التى نفذت فيها. ويقتضي فهم عملية صنع قرار السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بشكل أفضل توظيف مقترب تحليلي لا يركز على الواحدية“Unitary” التي تخفق في فهم الواقع التعددي الذي يشكل الاتحاد الأوروبي ومن ثم سياسته الخارجية، وعليه يجب تبني مقترب يأخذ في الاعتبار الواقع التعددي الذي يشكل الاتحاد الأوروبي؛ في هذا السياق تظهر القوة التفسيرية لمقترب الفاعل الأصيل - الفاعلين بالتفويض“Principle-Agent” عند تحليل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وذلك لتفسير كيف انعكست الطبيعة الخاصة للاتحاد الأوروبي من حيث بنيته التنظيمية وأسلوب عمله على عملية صنع القرار فيه من ناحية، وعلى الثقل النسبي لمؤسسات الاتحاد في هذه العملية من ناحية أخرى، وفهم تعقيدات مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأنماط العلاقات والتفاعلات المعقدة بين الفاعلين والتي تعد أحد السمات المميزة للاتحاد الأوروبي. في هذا الإطار استنتجت الدراسة أن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية تعكس الطبيعة الخاصة للاتحاد الأوروبي كفاعل دولي تجاه الحركات الإسلامية كأحد الفاعلين الجدد في العلاقات الدولية، فالاتحاد الأوروبي لا يمكن اعتباره منظمة دولية بالمعنى التقليدي، كما أنه لم يرق بعد إلى شكل متطور من النظام الاتحادي، فهو يجمع في تكوينه بين السمة فوق القومية وسمة ما بين الحكومات، حيث تطورت عملية صنع السياسة لتصبح عملية تجري عبر المؤسسات وعبر الحكومات “Transgovernmental” – “Transinistitutional”، كمستوى وسيط يجمع بين السمة فوق القومية “Suprnationality” لعملية صنع السياسة التى تعبر عن رغبة دول الاتحاد لبلورة هوية موحدة، وسمة ما بين الحكومات “Intergovernmentalism”، التي تعبر عن رغبة الدول الأعضاء في أن تظل الفاعل الرئيسي في صنع السياسة الخارجية، وقد بدا التفاعل عبر المؤسسات في المشاورات التي تجري بين المفوضية والمجلس، واقتراحات المفوضية لقرارات أطر العمل التي انبنت عليها الإجراءات المتخذة ضد حركة حماس كمنظمة مدرجة على قائمة الإرهاب حسب قرار المجلس وإعلام البرلمان بهذه المقترحات والإجراءات. بما يسوغ للبعض أنْ يصف هذا التطور بالعملية عبر القومية؛ حيث أظهرت الدراسة أن المصالح الوطنية لم تعد تتشكل بمعزل عن السياق الأوروبي في عواصم الدول الأعضاء ثم يتم التفاوض بشأنها كما يفترض مقترب مابين الحكومات، بل تتشكل مصالحها في سياق مؤسسات الاتحاد الأوروبي والتفاعل مع الدول الأعضاء فيما يشار إليه ببروز الطابع الأوروبي “Brusselization”، الذي لا يعني اعتماد أسلوب عمل الجماعة في العمود الأول بل هيمنة الفاعلين والمؤسسات الاتحادية على صنع السياسة الخارجية وتنفيذها، في هذا الإطار تطورت علاقة الترابط بين المؤسسات في عملية صنع السياسة وتنفيذها، بحيث أصبحت السياسة الخارجية تتشارك في صنعها كافة مؤسسات الاتحاد دون أن تقتصر على التفاعلات ما بين الحكومات التي كانت تعد سمة العمود الثاني، وتتآزر في تنفيدها الأعمدة الثلاثة دون أن تقتصر على التفاعلات فوق القومية التى كانت تعد سمة العمود الأول. وفيما يتعلق بعملية صنع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي استنتجت الدراسة أنّ عملية صنع السياسة الخارجية للاتحاد تضم مجموعة من الفاعلين: مثل المفوضية، والبرلمان الأوروبي، بحيث يمثلون فاعلين بالتفويض يتمحور دورهم حول فاعل رئيسي هو مجلس الاتحاد (مجلس الوزراء سابقاً)، فهو يمثل جهازا جماعيا من الدول الأعضاء لصنع القرار على المستوى الأوروبي، وله القدرة على انشاء قواعد قانونية ملزمة، وتفويض الوظائف إلى المؤسسات الأخرى، فهو مؤسسة ليست حاصل جمع الدول الأعضاء، بل هو مؤسسة تجري فيها الاتصالات والتفاوض بين الدول الأعضاء حول القرارات والمواقف وزيادة القدرات، وقد أظهرت عملية صنع قرار الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية عامة وحركة حماس بشكل خاص هذه الدينامية الخاصة.