بيان صادر عن اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

أنهت اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دورة اجتماعها الثاني ( دورة الشهيدين معتز وشحة وساجي درويش) والتي ناقشت مطولاً التطورات السياسية على الصعد الفلسطينية والعربية والدولية، وأكدت فيها من جديد رؤيتها لطبيعة الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي وما يقتضيه من مواجهة شاملة، تؤكد أهميتها اقتراب الذكرى السابعة والأربعين لحرب الخامس من حزيران عام 1967، التي أراد منها العدو تكريس وتجسيد مشروعه ومشروعيته في احتلاله لما تبقى من الأراضي الفلسطينية ( الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة)، إلى جانب أراضي من ثلاث دول عربية، حيث لا يزال مستمراً في احتلاله للجولان السوري وأراضي الغجر اللبنانية، ويفرض شروطه وقيوده على سيناء المصرية وفق اتفاقيات كامب دفيد. إن هذه الحرب التي تجاوزت في عدوانها واحتلالها وسيطرتها الجغرافيا الفلسطينية إلى أراضٍ عربيةٍ أخرى أكدت على طبيعة المشروع الصهيوني التوسعي / الاحتلالي/ الاستيطاني، وأبرزت عدداً من الدروس والعبر التاريخية والآنية التي كانت حاضرة في نقاشات اللجنة المركزية للتطورات، وفي المهمات التي قررتها، ومن بينها: أولاً: صون البعد القومي للقضية الفلسطينية، كونه استعادة لجوهر الصراع بوصفه اشتباكاً تاريخياً بين الأمة العربية وفي القلب منها الشعب الفلسطيني، وبين المشروع الصهيوني المدعوم من الامبريالية وقوى الرأسمال العالمي، وهذا يتطلب الحذر والمواجهة لدعوات " الانغلاق والقطرية" فلسطينياً وعربياً، والعمل على تعزيز العلاقات مع القوى والأحزاب الديمقراطية والتقدمية والمؤسسات الوطنية والقومية العربية لحماية حقوق ومصالح وتطلعات الشعوب العربية بما فيها شعبنا العربي الفلسطيني. إن التأكيد على البعد القومي للقضية الفلسطينية يأتي من بوابة التأكيد على أهمية امتلاك العامل الذاتي الوطني الفلسطيني من خلال بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس وطنية وديمقراطية مرتكزة إلى أهداف ومصالح شعبنا العليا، وتحشيد طاقاته وقدراته وإمكاناته وكفاءاته، وتعزيز مقومات القوة فلسطينياً في ميدان مواجهة مفتوحة مع العدو. وعليه، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعيد تأكيد موقفها بضرورة إنهاء الانقسام كاملاً على طريق تحقيق وحدة وطنية راسخة، وعدم حصر اتفاق " الشاطئ" بتشكيل حكومة التوافق بين حركتي فتح وحماس، وإنما في اعتبار ذلك خطوة في اتجاه تنفيذ كامل ملفات المصالحة وفي المقدمة منها دعوة لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية للانعقاد وضمان دورية اجتماعاتها باعتبارها إطاراً قيادياً مطلوب منه إجراء مراجعة سياسية شاملة، والاتفاق على برنامج سياسي يحافظ على الحقوق والثوابت الوطنية، ويمنع الهبوط السياسي وتقديم التنازلات، ويقرر بالشأن الوطني العام، ويتابع تنفيذ اتفاق المصالحة وتذليل أي عقبات قد تعترضه، والتحضير لإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وفق نظام التمثيل النسبي الكامل. ثانياً: الحفاظ على دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية التي استطاعت بنضال الشعب الفلسطيني وتضحياته من فرض نفسها كمعبر سياسي وقانوني وتنظيمي عن وحدة الشعب وكيانيته وهويته الوطنية، ومن اكتساب شرعيتها العربية والدولية. وكونها كذلك، فإن المنظمة كانت ولا زالت هدفاً للتصفية من قبل العدو الإسرائيلي، يساعده في ذلك الحال الذي وصلت إليه بعد مرور خمسين عاماً على تأسيسها، حيث تم إفراغها من مضمونها، وجرى توظيفها في سياق سياسي مناقض لأسس وأهداف تكوينها وميثاقها، وتم تغييب دورها وإدغامها في مؤسسات السلطة، والاستئثار والتفرد بقرارها، وبالتالي فإن المنظمة باتت بحاجة لإصلاح شامل من خلال إعادة بناء مؤسساتها على أسس جبهوية ديمقراطية توفر شراكة وقيادة جماعية تحمي الحقوق، وتصون البرنامج الوطني وتكفل الالتزام به، وتعمل على تعزيز مكتسبات المنظمة وتطويرها، وتعزيز دورها ومكانتها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وتحفظ حق الاختلاف بين مكوناتها، وحل التعارضات فيما بينها بالحوار الوطني الديمقراطي بعيداً عن التهديد والوعيد والإقصاء. ثالثاً: رفض ومقاومة مشاريع التصفية للقضية الوطنية، ورفض الاستمرار والعودة للمفاوضات الثنائية التي مر عليها واحد وعشرون عاماً تأكدت فيها أهداف العدو الصهيوني في فلسطين، وفي الهبوط بآمال وتطلعات وأهداف الشعب الفلسطيني إلى حدود الحكم الإداري الذاتي المحدود في أحسن الأحوال. فالعدو على مدار سنوات التفاوض كسب "الأرض والزمن معاً" حيث زاد من قضم ومصادرة الأراضي، وإقامة المستوطنات عليها، وبنى جدار الفصل العنصري الذي يسارع في استكماله، ومارس كل إجراءات تهويد القدس وعزلها، ونهب المياه وغيرها من الثروات، فضلاً عن ممارسته كل الضغوطات للإقرار الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة لإعطاء مصداقية للرواية الصهيونية، ويعطي اعترافاً فلسطينياً بإلغاء حقوق شعبنا التاريخية في فلسطين، والتنازل عن حق العودة للاجئين وتشريعاً لتهجير أهلنا في مناطق الـ48. وبالرغم من النتائج الكارثية للمفاوضات، ومن اتضاح أهداف العدو الصهيوني من ورائها، ورفضه الإقرار بأي من حقوق الشعب الفلسطيني، لا زالت القيادة الرسمية الفلسطينية تراهن على المفاوضات خياراً وحيداً، وتفتح البوابات لاستئنافها بالرعاية الأمريكية المنحازة للمواقف والسياسات الإسرائيلية، والتي تعمل دون كلل من خلال الجولات المكوكية لوزير خارجيتها كيري وفريقه المفاوض على بلورة حل يحقق جوهر الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، وتمارس لأجل فرضه كل أساليب الابتزاز والضغوطات على الجانب الفلسطيني للقبول به.. وبدلاً من التصدي لذلك، وإجراء مراجعة وطنية شاملة لمسار المفاوضات تؤسس لمغادرته وبناء إستراتيجية بديلة تفتح كل الخيارات لمقاومة الاحتلال، وتعيد تصويب الجهود السياسية بما يؤدي إلى عقد مؤتمر دولي بمرجعية الأمم المتحدة لبحث آليات تنفيذ قراراتها ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حقه في تقرير المصير، والعودة، والدولة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، عملت القيادة المتنفذة على استصدار قرار من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة يتيح العودة للمفاوضات بشروط سبق أن اتخذها ذات المجلس وقد تم تجاوزها عندما جرت الاستجابة للضغوطات الأمريكية والعودة إلى المفاوضات لمدة تسعة أشهر لم تتقيد خلالها دولة الاحتلال بأيٍ من هذه الشروط سواء بوقف الاستيطان أو بإقرار حدود عام 1967 كمرجعية للتفاوض، أو في الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى. لقد رأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قرار المجلس المركزي بالاستعداد في العودة للمفاوضات إمعاناً في سلوك طريقٍ مدمرٍ نكتوي بنتائجه في كلِ لحظةٍ، ويهدد فعلياً حقوق شعبنا، وهو ما دعاها إلى إعلاءِ الصوتِ في الاعتراضِ على هذا القرار، وممارسة الاحتجاج عليه بانسحاب ممثليها من الجلسة الختامية لدورة المجلس المركزي، وهو حق، وتعبير ديمقراطي في إدارة الخلافات الوطنية داخل مؤسسة م.ت.ف التي تشكّل الجبهة حتى الآن الفصيل الثاني فيها، ومدافعاً عن وحدتها في كلِ الأوقاتِ التي تعرضّت فيها لمحاولات الشطب والتفكيك، أو التجاوز لدورها وتمثيلها للشعب الفلسطيني. وعلى هذه القاعدة ستدافع الجبهة الشعبية عن المؤسسة الوطنية الجامعة ( م.ت.ف) وستمارس في ذات الوقت كامل حقها في التعبير عن مواقفها وسياساتها دون التفات لأي محاولات ابتزاز أو ترهيب. رابعاً: ضرورة الاستفادة مما يشهده النظام الدولي من حراك وتغير ملحوظ لم تعد فيه الهيمنة الأمريكية قدراً محتوماً، حيث أن بروز أقطاب وقوى جديدة حد ويحد من هذه الهيمنة والنفوذ والسيطرة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، ويفتح المجال لاشتقاق سياسات وطنية وقومية تستثمر هذه التغيرات بما يخدم قضايا ومصالح الأمة العربية، وقضية شعبنا وحقوقه الوطنية العادلة. خامساً: أهمية الربط بين مهمات التحرر الوطني، ومهمات البناء الاجتماعي والديمقراطي الداخلي بما يضمن تخفيف الأعباء عن شعبنا، ومعالجة همومه واحتياجاته التي تفاقمت بفعل الاحتلال وسنوات الانقسام البغيض، وذلك من خلال سياسات تعليمية، وصحية، وتشغيلية، وبيئية وحريات تقود إلى توفير عوامل الصمود التي لابد منها في حشد طاقات وقدرات شعبنا في مقاومته المستمرة مع الاحتلال. إن اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي تنهي دورة اجتماعاتها الثانية تتوجه بعظيم تحياتها النضالية للرفيق الأمين العام أحمد سعدات ولأسيرات وأسرى شعبنا في السجون الصهيونية، الذين يخوضون معركة التحدي والصمود والكرامة بأمعائهم الخاوية لما يزيد عن أربعين يوماً رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري، وكل الممارسات القمعية والوحشية التي تُمارس بحقهم من قبل الاحتلال. كما تتوجه إلى شعبنا الفلسطيني في كل مكان بعظيم الاحترام والاعتزاز والفخر على صموده، واستمرار توحده وإمساكه بحقوقه التاريخية وأهدافه الوطنية التي لم تضعف رغم مرور ستة وستون عاماً على النكبة. كما تتوجه إلى أهلنا في مخيمات اللجوء وخصوصاً في مخيمات سوريا والمشردين منهم بعظيم التقدير على صبرهم، وتحملهم معاناة التشرد والتهجير من جديد، وتدعو منظمة التحرير الفلسطينية إلى تحمّل مسئولياتها السياسية في توفير الحماية لهم، وتوفير احتياجاتهم الإنسانية. المجد للشهداء .. والنصر لشعبنا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اللجنة المركزية العامة 3/6/2014