هل ثمة ما يزكي "اللقاءات الاستكشافية"؟؟!!

حجم الخط
مع قناعتي بضرورة العمل على الجبهة السياسية، بما في ذلك الخوض في المعارك السياسية التكتيكية، لمصلحة القضية الفلسطينية، في كل محطة نوعية من محطاتها، ذلك، ليس فقط بسبب أن النضال الوطني الفلسطيني الميداني، بأشكاله وعلى امتداد مسيرته المديدة، يهدف، ويجب أن يهدف، في التحليل الأخير، إلى تحقيق إنجازات سياسية ملموسة متراكمة، تقرِّب الفلسطينيين كشعب، أكثر فأكثر، من تجسيد برنامجهم الوطني، المتمثل في استرداد حقوقهم السياسية الوطنية والتاريخية المغتصبة في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة السيِّدة، بل، أيضاً بسبب ما للقضية الفلسطينية من تعقيدات خاصة، لعل أهمها، أنها، نشأة ومساراً ومصيراً، قضية دولية بامتياز. هذا ناهيك عن أن إغفال ما تقدم، هو عملياً، وبمعزل عن النوايا، شكل من أشكال العدمية، التي تفضي، بوعي أو من دونه، إلى الاستقالة من السياسة في إدارة الصراع في هذه المحطة المفصلية أو تلك من تحولاته، وطنياً وقومياً وإقليمياً ودولياً، علماً أن محطته الراهنة، هي، بإقرار الجميع، من أكثر، وربما أكثر، محطاته مفصلية وخطورة ودقة. لكن، ورغم قناعتي المبدئية الراسخة بالمشار إليه أعلاه، إلا أنني لم أستطع تفهُّم، بل، وفاجأني، كما فاجأ أكثرية التنظيمات السياسية والمؤسسات المجتمعية والشخصيات الوطنية الفلسطينية، قرار الموافقة الرسمية الفلسطينية على المشاركة في ما يسمى بـ"اللقاءات الاستكشافية" مع المندوب الإسرائيلي برعاية وزير الخارجية الأردني، بعد حضور اللقاء الأول تحت إشراف أطراف "اللجنة الرباعية"، التي أمهلها الفلسطينيون مدة ثلاثة أشهر (تنتهي في 26-1-2012)، لإدارة "مفاوضات غير مباشرة" بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أملاً في تطوير أسس هذه المفاوضات، التي لم يرفض الطرف الفلسطيني مبدأها، بل، اشترط العودة إليها، بوقف عمليات الاستيطان والتهويد، وتحديد جداول زمنية واضحة لها، وتحديد مرجعيتها بما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعطي الشعب الفلسطيني سوى الحد الأدنى من حقوقه الوطنية الشرعية والمشروعة المغتصبة. أجل، لم أستطع تفهم هذا القرار المفاجئ، وعجزت عن إيجاد مبرر له، على الرغم من إدراكي لأهمية العمل الدبلوماسي، (الذي يجب عدم اختزاله في المفاوضات)، لتحاشي تحميل الفلسطينيين، (زوراً وبهتاناً)، للمسؤولية السياسية عن توقُّفِ هذه المفاوضات وانسداد أفقها، كمفاوضات أثبتت التجربة العملية، عقمها وعبثيتها ومخاطرها، أو تحميلهم مسؤولية عجزِ راعي هذه المفاوضات، "اللجنة الرباعية"، المُسَيْطَر عليها أمريكياً، عن تحميل إسرائيل، مسؤولية وصول هذه المفاوضات إلى ما وصلت إليه من طريق مسدودة، بعد عشرين عاماً على إطلاقها والخوض فيها. وعلى الرغم من معرفتي، أيضاً، بثقل ما تواجهه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من ضغوطات، وصلت حدَّ التهديدات، المتعددة الوجوه والمجالات والجهات، التي تقودها الولايات المتحدة، في السر والعلن، لثنيها عن مواصلة التوجه للأمم المتحدة وتطويره، بما يمس الاحتكار الأمريكي لملف القضية الفلسطينية، بما في ذلك تهديدات الولايات المتحدة،( بكل ما لها من تأثير على توابعها، عربياً وإقليمياً ودوليا)، بخنق الفلسطينيين، عبر وقف الدعم المالي لهم، واشتراط استمرار تدفقه، ( من صندوقها وصناديق توابعها، بمن فيهم العرب)، بوقفِ خطوات التوجه بملف قضيتهم لهيئة الأمم المتحدة، أي بعودتهم غير المشروطة للمفاوضات الثنائية المباشرة تحت رعايتها، فيما وصلت التهديدات الإسرائيلية حدَّ التلويح بالإقدام على اتخاذ إجراءات سياسية ومالية وأمنية قاسية، وبضمنها منع سفر، وتقييد حركة، الصف الأول من قيادات المنظمة والسلطة، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني. أما لماذا عدم التفهم لهذا القرار المفاجئ؟؟ لأنه، وبعيداً عن عقلية المناكفة الذاتية و"الشعارات" الشعبوية العدمية، وعن العقلية الانتهازية الفئوية، في إدارة الخلاف حول الكيفية الأنجع والأسلم، والأقل ضرراً، بالمعنيين الإستراتيجي والتكتيكي، لإدارة الصراع السياسي مع الاحتلال في هذه المحطة الدقيقة والمفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، عربياً وإقليمياً ودولياً، فإن هنالك مجموعة من الاعتبارات الموضوعية التي لا تزكي قرار العودة للمفاوضات الثنائية، حتى، وإن جاءت تحت مسمى "اللقاءات الاستكشافية". ولعل أهم هذه الاعتبارات: 1: يعي الجميع، بمن فيهم مَن قرَّرَ المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أن لا طائل منها، وأنها لن تسفر عن أية نتيجة، اللهم إلا عن جلبِ المزيد من المخاطر والمضار، لا على القضية الوطنية وحسب، بل، وعلى الجهة التي تم اتخاذ هذا القرار المفاجئ باسمها، أيضاً، أي منظمة التحرير الفلسطينية، التي استعادت، أو كادت تستعيد، جزءاً من مكانتها وهيبتها ومصداقيتها الشعبية، بعد قرارها التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة، وبعد عقدهاِ للاجتماع الأول لإطارها القيادي الجامع المؤقت في القاهرة مؤخراً. 2: يعي الجميع، بمن فيهم مَن قرر المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أنه لا يوجد لدى إسرائيل كحكومة يمينية متطرفة، حتى لا نقول كنظام سياسي توسعي عدواني، ما يمكن استكشافه، وهي الموغلة واقعياً في عمليات الاستيطان والتهويد والحصار والتمزيق والقتل والاعتقال، وسنِّ القوانين العنصرية، بل، ومباشرة إحاطة نفسها بجدران التوسع والفصل والعزل السياسي العنصري، لا في الضفة الغربية وحسب، إنما على طول تخوم فلسطين مع "دول الطوق"، أيضاً. 3: يعي الجميع، بمن فيهم مَن قرر المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أنها كتكتيك سياسي لن تحقق غرض تحاشي تحمل المسؤولية عن وقف المفاوضات، بل، على العكس، فإن وقْفَ هذه اللقاءات، في حال حصوله بعد 26-1-2012، سيكون بمثابة ذريعة إضافية، بيد إسرائيل والولايات المتحدة وتوابعهما، لتحميل الفلسطينيين، (زوراً وبهتاناً)، لهذه المسؤولية. 4: يعي الجميع، بمن فيهم مَن قرر المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أن التهديدات الإسرائيلية الأمريكية بوقف الدعم المالي، وتصعيد الإجراءات الاحتلالية، بما فيها تقييد حركة القيادات الفلسطينية ومنعها من السفر، هي سيف مسلط بشكل دائم، لا ينفع معه تكتيكات تقطيع الوقت إلى ما لا نهاية. 5: يعي الجميع، بمن فيهم من قرر المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أن غالبية الأنظمة الرسمية العربية، تدفع، في السر والعلن، نحو مثل هذه اللقاءات، كآلية للعودة غير المشروطة إلى المفاوضات الثنائية المباشرة برعاية أمريكية، ولقطع الطريق أمام تطوير الخطوة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة، كخطوة حاولت هذه الأنظمة تعطيلها في اللحظات الأخيرة، بسبب فقدانها للإرادة الوطنية المستقلة والسيِّدة، وبسبب عجزها عن تحمل ما يفرضه عليها هذا التطوير من مسؤوليات واستحقاقات والتزامات قومية، سياسية ومادية. 6: يعي الجميع، بمن فيهم مَن قرر المشاركة في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، أن الخوض فيها، هو بمثابة هدية لكل التيارات والشخصيات الفلسطينية المعيقة، (بسبب تضرر مصالحها الضيقة)، لتنفيذ اتفاق المصالحة، وتطويره إلى اتفاق وحدة وطنية سياسية، أعتقد أنه لن يُكتب للانقسام نهاية، من دون إحرازها.