الهروب إلى الحرب

حجم الخط
هل نستيقظ ذات يوم على خبر مفاده بأن صواريخ انهمرت على إسرائيل وأن طائراتها تشن غارات انتقامية؟ أم نستيقظ على خبر تفجير سفارة إسرائيلية أو مركز ثقافي وتختار إسرائيل الرد في جنوب لبنان؟ وماذا لو اختارت إسرائيل توسيع دائرة الحرب لتصفية الحساب مع المنشآت النووية الإيرانية؟ وفي مثل هذه الحال أين ترد إيران وهل تستطيع الولايات المتحدة البقاء خارج هذه الحرب؟ وماذا لو أفقنا على ألغام في مضيق هرمز؟ أو عملية انتحارية ضد سفينة أميركية في مياه الخليج؟. أعرف ما يتردد في اكثر من عاصمة. يقول كثيرون إن الغرب لا يريد أن يحارب وليس قادراً إن أراد. وإن باراك أوباما الحالم بتمديد ولايته يريد توظيف صورته كرئيس يعيد القوات من الحروب التي أطلقها سلفه لا كرئيس يرسل الآلة العسكرية الأميركية إلى حروب جديدة. وإن نيكولا ساركوزي الذي غامر في ليبيا ليس في وارد الاندفاع في مغامرة أخرى. وإن ديفيد كامرون وأنغيلا مركل منشغلان بوطأة الأزمة المالية الغربية وانعكاساتها على منطقة اليورو وجيرانها. هذا صحيح لكن الحروب تفرض نفسها أحياناً بفعل تدهور مفاجئ في مسارح التوتر. أعرف أيضاً ما يرد به كثيرون. أن إيران تتقن اللعب على حافة الحرب لكنها تتقن تفاديها في اللحظة الأخيرة. وأن الانتشار الحالي للجيش السوري لا يسمح له بمواجهة إسرائيل. وأن دمشق تدرك أن الخسائر التي ستلحقها ترسانتها الصاروخية بإسرائيل ستكون أقل من الخسائر التي يمكن أن تلحقها الطائرات الإسرائيلية بالوحدات التي تشكل العمود الفقري للنظام. وأن «حزب الله» لن يغامر بالذهاب مختاراً إلى الحرب في ظل الوضع السوري الحالي والتغييرات التي عصفت بالبيئة اللبنانية نفسها. أعرف ذلك ولكن تراودني رغبة في طرح السؤال عن الحرب واحتمالات الانجرار إليها أو الهروب إليها اعتقاداً بأنها تخلط الأوراق وأن أثمانها مهما كانت باهظة تبقى أقل من تفكيك هلال الممانعة. أكتب في ضوء متابعتي لأخبار الأيام الأخيرة. واضح أن إيران تعيش في توتر متصاعد. وأن اقتصادها يعاني من العقوبات ومهدد بالأسوأ. وأنها عاجزة عن وقف التدهور في عملتها الوطنية. وأن توسيع التخصيب يضاعف الطوق المضروب حولها. وأن محاولتها التلويح بورقة إغلاق مضيق هرمز استدرجت رداً بالغ الوضوح. وأن الإعلان عن اغتيال عالم نووي إيراني هو الرابع خلال سنتين واتهام إسرائيل بالوقوف وراء العملية ليس حدثاً بسيطاً. أكتب أيضاً في ضوء خطاب الرئيس بشار الأسد. واضح أن مهمة المراقبين العرب ماتت ودفنت. ومعها أيضاً الرهان على حل عبر الجامعة العربية. وأن السلطة ليست راغبة في أي حل يعطي الانطباع أن سورية دخلت مرحلة انتقالية. وأن السلطة ما زالت تراهن على الحسم والانتصار وبغض النظر عن الأثمان الرهيبة. وأن المعارضة غير راغبة في أي حل يعني إبقاء النظام والاكتفاء بجراحة تجميلية له. وأن سقوط الآف القتلى في صفوفها عزز حجة الراغبين في التدويل وحجة بعض الداعين إلى مواجهة السلاح بالسلاح. وأن فوات أوان الحلول ينذر باندلاع حرب أهلية لا يمكن إخفاء طابعها الإقليمي في ضوء الانقسامات العراقية واللبنانية حول المحنة السورية. إننا أمام معركة كبرى. ما يجري على أرض سورية يتجاوز موضوع مستقبل النظام فيها. أنه يتناول محور الممانعة بكامله. سقوط النظام السوري سيعني في حال حصوله بتر جزء أساسي من الدور الذي أنفقت طهران سنوات وثروات لانتزاعه. يعني أيضاً إعادة «حزب الله» مجرد لاعب محلي. وليس سراً أن معظم الصواريخ التي أطلقها الحزب في حرب 2006 صنعت في سورية وبتمويل إيراني. قراءتي لملامح اللوحة القاتمة ذكرتني بما سمعته قبل شهور. قال المتحدث:»إن إنقاذ النظام في سورية يستحق إطلاق حرب ضد إسرائيل يمكن أن تغير المشهد في المنطقة. إذا كنت مهدداً بخسارة بهذا الحجم عليك المجازفة باستخدام كل الأوراق».