سيناريوهات العدوان على غزة

حجم الخط

بعد انهيار وقف إطلاق النار الأخير وتوقف المفاوضات التي كانت جارية في القاهرة للتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد عقب محاولة اغتيال القائد محمد الضيف واغتيال ثلاثة من القادة العسكريين في كتائب عز الدين القسام؛ هناك حاجة للبحث في السيناريوهات المحتملة كما ترد أدناه.

السيناريو الأول: استمرار المقاومة بما يشبه حرب استنزاف ضد إسرائيل

يقوم هذا السيناريو على استمرار المقاومة بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون وتنفيذ ما أمكن من العمليات انطلاقًا من غزة أو الضفة أو أي مكان؛ لإجبار حكومة نتنياهو على قبول المطالب الفلسطينية بوقف العدوان ورفع الحصار والإعمار وإطلاق سراح الأسرى.

ما يطرح هذا السيناريو فشل مفاوضات القاهرة جراء التعنت الإسرائيلي والخلافات التي تستعر داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها حول الخيارات الإسرائيلية إزاء الحرب، وسعي كل طرف لفرض شروطه التي عجز عن فرضها في الحرب على طاولة المفاوضات، في ظل عدم حسم الحرب بشكل واضح لصالح أي من الطرفين. وبالرغم من عملية الإبادة البشرية والجرائم ضد الإنسانية، ومع أن المقاومة استطاعت إفشال أهداف إسرائيل من العدوان المتمثلة بإضعاف المقاومة وكسر إرادتها وعزلها عن الحاضنة الشعبية وإفشال المصالحة الوطنية، إلى جانب الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة التي كبدت إسرائيل خسائر فادحة، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها قبل موافقتها على التهدئة، والدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد.

إن هذا السيناريو مناسب أكثر للمقاومة، لأنه يتيح استنزاف إسرائيل من خلال فرض قدر من الشلل على جبهتها الداخلية، خصوصًا في مستوطنات غلاف غزة؛ لذلك ستحاول إسرائيل منعه والتهديد باعتماد خيار الحرب البرية واحتلال قطاع غزة، والشروع في توجيه ضربات قوية لدفع الفلسطينيين لإيقاف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات وقبول الشروط الإسرائيلية. وإذا لم تنجح إسرائيل في وقف حرب الاستنزاف ستذهب إلى توسيع الحرب.

من الصعب على المقاومة، خصوصًا عقب اغتيال القادة الثلاثة بعد غدر إسرائيلي باستخدام التهدئة للتحضير لهذه العملية ولمحاولة اغتيال الضيف، أن تقبل العودة إلى المفاوضات قبل أن تلقن العدو درسًا يجعله مستعدًا لقبول الشروط الفلسطينية أو جزء مهم منها على الأقل. ومن الصعب أيضًا العودة فورًا من دون انتقام فلسطيني أو وعود بتحقيق كل أو جزء من المطالب الفلسطينية.

كما يتضمن هذا السيناريو إمكانية حصول تهدئة أو تهدئات من دون اتفاق لأسباب إنسانية، ولكنها تبقى معرضة للانهيار في أي لحظة. فهناك وزراء إسرائيليون دعوا إلى تهدئة من جانب واحد من دون مفاوضات، وإلى تسهيلات إنسانية وفيما يخص الإعمار، على أساس أن عدم التزام الجانب الفلسطيني يوفر لإسرائيل شرعية دولية أقوى في الرد.

السيناريو الثاني: الحرب البرية

يتضمن هذا السيناريو العودة إلى الحرب البرية والسعي لاحتلال قطاع غزة أو مساحات واسعة منه، من أجل توجيه ضربة قاصمة للمقاومة وردعها ودفعها لإيقاف إطلاق الصواريخ والتسليم بالشروط الإسرائيلية.

هذا السيناريو مستبعد إسرائيليًا بعد العملية البرية التي جربها جيش الاحتلال وتكبد خسائر فادحة، مع أنه لم يتقدم إلا مسافة قليلة، الأمر الذي دفع رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال إلى التوصية للحكومة (كما ظهر في المحضر المسرب لاجتماع الكابينت الإسرائيلي الذي اتهمت بتسريبه عناصر مقربة من نتنياهو لإحراج خصومه في الحكومة الذين يطالبون بالحسم العسكري) بعدم الدخول في حرب برية، لأنها ستكون طويلة ومكلفة لإسرائيل، إذ ستكبد إسرائيل آلاف القتلى والجرحى. إضافة إلى ذلك، نعتقد أن هذا السيناريو مستبعد لأن إعادة احتلال غزة ستكون لها تداعيات وخيمة فلسطينية وعربية ودولية، خصوصًا فيما يتعلق بفرض العزلة الدولية على إسرائيل وتزايد المقاطعة لها واحتمال فرض العقوبات عليها.

إن الشروع في حرب برية بهدف إعادة احتلال قطاع غزة قد يجبر القيادة الفلسطينية على اتخاذ قرارات لا تزال تتجنب اتخاذها وإلا تواجه خطر السقوط شعبيًا، منها: الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، واستمرار وتصاعد المقاومة الشعبية التي قد تصل إلى انتفاضة، ووقف التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بإسرائيل، والدعوة إلى مقاطعتها وملاحقتها وفرض العقوبات عليها جراء جرائمها السابقة واللاحقة، إضافة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بموجب قرار من مجلس حقوق الإنسان، لاسيما أن خسائر الفلسطينيين من إعادة احتلال غزة يمكن أن تصل إلى عشرة آلاف شهيد حسب بعض التقديرات.

وما يجعل احتلال قطاع غزة أو توجيه ضربة قاضية لـ"حماس" وسلطتها في غزة مستبعدًا أيضًا أن إسرائيل تريد مواصلة خطتها بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية، وتخشى إذا سقطت سلطة "حماس" أو إذا ضعفت أكثر مما ينبغي أن لا تقبل سلطة أبو مازن أن تعود على ظهر الدبابات الإسرائيلية، لأنها إذا فعلت ذلك ستفقد ما تبقى لها من شرعية ونفوذ شعبي ومصداقية، وهذا يعني عودة الاحتلال المباشر إلى قطاع غزة، وهو آخر ما تريده إسرائيل خشية من تقدم فصائل ومجموعات أكثر تطرفًا من "حماس" لسد الفراغ الذي سينشأ بعد انهيار سلطة "حماس" وعدم تقدم سلطة أبو مازن.

إسرائيل بحاجة إلى استمرار سلطة "حماس" لضمان استمرار الانقسام الفلسطيني، ولكي تكون العنوان المسؤول عن ضمان الاستمرار باتفاق التهدئة مع إسرائيل التي تريد معادلة "هدوء مقابل هدوء" من دون التزامات أو استحقاقات أخرى، وخاصة من دون التزامات سياسية.

السيناريو الثالث: اللجوء إلى مجلس الأمن

يقوم هذا السيناريو على اللجوء إلى مجلس الأمن من أجل إصدار قرار ملزم. وسيتقدم هذا السيناريو أكثر في حال عدم نجاح الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات التى ترعاها مصر للتوصل إلى تسوية، وهو بحاجة إلى قبول الطرفين له حتى ينجح.

إسرائيل لا تفضل هذا السيناريو إذا تضمن بندًا يتحدث عن استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 67، كما جاء في المبادرة (الألمانية الفرنسية الإنجليزية) جارية التحضير، ولأنها يمكن أن تقيد يد إسرائيل في شن عدوان أو تنفيذ اغتيالات أو اجتياحات أو فرض حصار. ومع ذلك، لا يمكن إسقاط هذا السيناريو في ظل الأنباء عن مسعى أميركي لتقديم مقترح إلى مجلس الأمن قد يقترب أكثر من الموقف الإسرائيلي.

كما أن المقاومة تتحفظ على أي قرار من مجلس الأمن يساوي بينها وبين الاحتلال، أو يسمها بـ"الإرهاب" خلافا للقانون الدولي، من خلال الحديث عن الأعمال العدائية أو إدخال إسرائيل في الترتيبات اللاحقة، فيما يتعلق بفتح المعابر وتصدير واستيراد البضائع والإعمار ومرور الأفراد ذهابًا وإيابًا، وفصل القضايا عن بعضها البعض وتجزئة الحل، وربط التقدم بشروط تتعلق بأداء السلطة ونزع سلاح المقاومة، أو منع تطوير قدراتها وتعويض خسائرها وإعادة بناء الأنفاق، كما تخشى المقاومة أيضًا من محاولات بث الفتنة بينها أو بينها وبين السلطة في ظل عدم تحقيق وحدة وطنية حقيقية تجعل كل الفصائل تشعر أن السلطة تمثلها ولا تستخدم ضدها ولصالح فصيل ضد آخر.

السيناريو الرابع: التوصل إلى تسوية

يبقى هذا السناريو قائمًا بدليل استمرار الطرفين بالتمسك بالوساطة المصرية والعودة إلى التفاوض على أساس المبادرة المصرية، وما توصلت إليه المفاوضات التي جرت في القاهرة، والتي أحرزت تقدمًا قبل تراجع نتنياهو في ظل المزايدات والضغوطات التي يتعرض لها من داخل الحكومة وخارجها.

هناك في الحكومة الإسرائيلية لأسباب أيديولوجية وسياسية من لا يريد أي تفاوض مباشر أو غير مباشر مع "حماس"، ولا إعطاء المقاومة أي إنجاز، والحكومة الإسرائيلية لم تعترف بحكومة الوفاق الوفاق الوطني، ويبدو الآن أنها ستضطر للتعامل معها، وهناك وزراء لا يريدون إعطاء دور حتى لسلطة أبو مازن، ولكن سيناريو التسوية يبقى مطروحًا وأكثر احتمالًا من السيناريوهات الأخرى، في ضوء عدم ملاءمة الأوضاع العربية للمقاومة وعدم توفير العمق الإستراتيجي لها في ظل تجاذب المحاور العربية والإقليمية والخصومة الحمساوية المصرية، وعدم إنجاز وحدة وطنية فلسطينية حقيقية بالرغم من الإنجازات الملموسة التي تحققت في هذا الاتجاه.

كما يعزز من هذا السيناريو أن الطرفين تكبدا خسائر كبيرة رغم عدم التناسب في الخسائر، ويريدان مخرجًا مناسبًا لوقف الحرب، ولا يريدان تقديم خسائر أخرى في ظل صعوبة الخيارات الأخرى، مع أن إيمان الفلسطيني بأنه على حق ومظلوم ومستعد للتضحية يجعله أكثر قدرة على الاحتمال مقابل الإسرائيلي غير المستعد لأي تضحية. لذلك من الممكن أن تتحقق التسوية لأن ما حققته المقاومة مهم جداً حتى الآن وسيكون له آثار إستراتيجية فلسطينيًا، وعلى صعيد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية والمواجهات السياسية والعسكرية القادمة، بغض النظر عن مضمون وشروط وقف إطلاق النار القادم.

حتى تحصل التسوية ستسعى المقاومة على الأقل لتحقيق جزء مهم من مطالبها، خصوصًا فيما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر والإعمار، وستسعى إسرائيل على الأقل لتحقيق جزء من مطالبها فيما يتعلق بالميناء والمطار ونزع سلاح المقاومة أو منع تطويره. أما موضوع الأسرى فسيخضع لمفاوضات لاحقة لإتمام صفقة تبادل أسرى جديدة.

يمكن أن يتحقق هذا السيناريو من خلال الاتفاق على تهدئة مفتوحة أو مدتها أطول من فترات وقف إطلاق النار السابقة، مقابل ضمانات مصرية وأميركية ودولية بأخذ المطالب الفلسطينية أو جزء منها بالاعتبار في أي تسوية، في ضوء معرفة الجميع أن الضمان الحقيقي لأي اتفاق ليس نصّه وهل هو جيد أو سيء، واضح أو غامض، لأن ما يجري تطبيقه على الأرض انعكاس لميزان القوى، ما يجعل الأمر الحاسم هو توفير ميزان قوى تستطيع فيه المقاومة أن تدافع عن نفسها ومكتسباتها وقدرتها على العودة إلى الحرب أو الدفاع الفعال إذا فرضت عليها الحرب.

في هذا السياق، يكتسب تعميق الوحدة الفلسطينية لكي تكون وحدة حقيقية لها قيادة واحدة وبرنامج قواسم مشتركة وعلى أساس شراكة سياسية أهمية حاسمة في تحقيق مطالب المقاومة، سواء نص عليها بشكل واضح في الاتفاق أو لم ينص.

التوصيات

أولًا. ضرورة الحفاظ على وحدة الوفد الفلسطيني المشترك على قاعدة التمسك بمطالب المقاومة المتفق عليها والمتضمنة في المذكرة التفسيرية للورقة المصرية في صيغتها الأولى والأخيرة.

ثانيًا. الإسراع في تجسيد وحدة وطنية حقيقية من خلال تشكيل قيادة فلسطينية واحدة (الإطار القيادي المؤقت) على أساس برنامج القواسم المشتركة وشراكة سياسية، بما يضمن أن تكون السلطة التي ستتحمل المسؤولية في قطاع غزة بصورة عامة، وعن إعادة الإعمار بصورة خاصة. قيادة تمثل الكل الفلسطيني وليس محاولة لبث الانقسام والصراع بين سلطة عباس وسلطة "حماس".

ثالثًا. العمل على تصحيح العلاقات (الحمساوية المصرية) على قاعدة إعطاء الأولوية للمشروع الوطني الفلسطيني على أي اعتبار آخر.

رابعًا. العمل من أجل الاتفاق الفلسطيني المصري على فتح معبر رفح والإشراف على الحدود من قبل أفراد الحرس الرئاسي وموظفي السلطة الواحدة التي تمثل الجميع.