جماعة "الإخوان" في مصر: التحالفات واستحقاقات الخارج !

حجم الخط
... وأخيراً، ظهرت النتائج الانتخابية لمجلس الشعب المصري، وكما كان متوقعاً على نطاق واسع، فقد فازت التيارات الإسلامية بما يقارب 70% بالمائة من مقاعده (46 بالمائة لجماعة "الإخوان" و23 بالمائة لـ "السلفيين") ومع أن هذه النتائج لم تعلن بعد بصفة رسمية، لأن هناك بضعة مقاعد يجب البت فيها بالنظر إلى طعون قانونية، إلاّ أن المشاورات لصياغة التحالفات الجديدة قد بدأت فعلاً. طبيعة التحالفات المرتقبة، قد تشكل مفاجأة للجميع، إذ إن شعارات المرحلة الانتخابية توضع جانباً لصالح شعارات التوجهات الميدانية والسياسية على الأرض، ومن الصعوبة بمكان تقدير دقيق لطبيعة هذه التحالفات، وفي إشارة إلى ذلك، قرأت مقالاً للكاتب الشهير توماس فريدمان في "نيويورك تايمز"، يشبه الوضع المصري بالفيل الطائر، ويقول: "سأتعلم الصحافة من جديد، انطلاقاً مما يحدث في مصر، حيث كل شيء ممكن، سأتعلم إذا ما رأيت فيلاً يطير، أن هذا ممكن جداً، وما علي وأنا أشاهد ذلك، سوى أن أسجل ذلك على دفتر ملاحظاتي من دون إبداء أي شعور بالغرابة" وقرأت لكاتب آخر في صحيفة أجنبية، لم أعد أتذكره أو أتذكرها، تشبيه الكاتب لما يجري في مصر، بالشتاء الروسي، فكلما ظن الروس أن الشتاء قد انتهى، حتى يبدأ زمهرير جديد، تسقط الثلوج والمطر، من دون سابق إنذار، ليس هناك من نهاية لهذا الشتاء، رغم طلوع الشمس وانتشار الدفء، هذا هو الحال في مصر ما بعد ثورة 25 يناير. معركة التحالفات المرتقبة، قد تبدأ باختيار رئيس مجلس الشعب، ومن الواضح أن هذا الاختيار هو ملك حصري لجماعة "الإخوان المسلمين" وحزبها "الحرية والعدالة" غير أن اختيار الشخص المناسب، ربما يخضع لمشاورات مع حلفاء محتملين، لاختيار رئيس لمجلس الشعب، بالتوافق، إذ إن هذا المنصب بالغ الحساسية، يتجاوز رئاسة الجلسات، إلى تقرير السياسات البرلمانية، ومن الطبيعي أن تتوافق الأطراف المتحالفة، أو التي في طريقها إلى التحالف، على اختيار شخصية مقبولة ومرنة يمكن التفاهم معها بعيداً عن الصدام أو العجرفة أو التصلب، وفي مسعى جماعة "الإخوان" لتأمين أغلبية في مجلس الشعب، فإن اختيار رئيس لمجلس الشعب، يحظى بالتوافق مع باقي الكتل الأساسية، هو أمر بالغ الأهمية لتحقيق مثل هذا الهدف، إلاّ أن "الجماعة" ستأخذ بالاعتبار أحد أهم الخيارات لصالحها، والمتعلق بأن كافة التحالفات والكتل، قد نأت بنفسها مسبقاً عن عدم إدخال ومشاركة السلفيين في هذه التكتلات والتحالفات البرلمانية، وهو ما يتيح المجال واسعاً أمام الجماعة لتهميش السلفيين أولاً، وتوسيع قائمة الاختيار من دون أن يشكل تحالف بعض التكتلات مع السلفيين، خطراً قائماً، لانتفاء مثل هذا الخيار، من حيث المبدأ، بالنسبة لهذه التكتلات. نائب رئيس "الحرية والعدالة" عصام العريان، وفي مقابلة صحافية، أشار إلى أن "الجماعة الإسلامية" غير مهتمة بما يتردد حالياً حول عقد تحالفات برلمانية، إلاّ أن الاجتماع المفاجئ الذي عقده، رئيسا حزب "العدالة والتنمية" و"الوفد"، محمد مرسي والسيد البدوي، إشارة واضحة على أن معركة التحالفات قد بدأت، خاصة أن ما تسرب عن هذا الاجتماع، يشير بوضوح إلى تحالف أولي بينهما، من خلال تأكيدهما على التمسك بوثيقة "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" والتي تم التوقيع عليها قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية، والتي سبق وأن انسحب منها حزب "الوفد"، قبل الانتخابات، ما يشير، أيضاً، إلى أن حزب "الوفد" سيعيد تمسكه بهذا التحالف، ولو متأخراً، خصوصاً أن بعض قيادات الحزب، كانت قد أعربت عن اعتراضها على الانسحاب من هذا التحالف، بل حملت رئيسه مسؤولية الوقوع في هذا الخطأ الفادح. ومن شأن التوافق على شخصية رئيس مجلس الشعب، أن يسهل التوافق على جملة من الاستحقاقات المعقدة، كالتوافق على لجنة صياغة الدستور الجديد، ومن ثم إعداد الصياغة النهائية لمشروع الدستور الجديد، وحتى انتخاب الرئيس، لتحقيق التوازن المطلوب بين مختلف السلطات، التشريعية والتنفيذية (الرئيس ورئيس الحكومة تحديداً). وبالفعل، بدأت تجاذبات لاختيار رئيس مجلس الشعب، فبينما تطرح "الجماعة الإسلامية"، محمد سعد الكتاني، أمين عام حزب "الحرية والعدالة"، رئيساً للبرلمان، طرحت القوى الليبرالية والنواب المستقلون اسم الدكتور وحيد عبد المجيد، منسق "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" لتولي المنصب، باعتباره شخصية توافقية، علماً أن حزب "الحرية والعدالة" هو الذي يقود هذا التحالف، الذي يترأسه عبد المجيد، بما لا يجعل هناك تناقضاً في حال الموافقة على هذا الاختيار، إلاّ أن التيارات المختلفة، والمتعارضة في كثير من الأحيان، في إطار جماعة "الإخوان المسلمين"، قد تجعل من الصعب القبول بوحيد عبد المجيد من قبلها، لتقلد هذا المنصب، الذي يجب أن يكون من الجماعة حصرياً، وليس من "التحالف" رغم قيادة الجماعة له. بعض فقهاء القانون الدستوري في مصر، مثل المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة السابق، يشير إلى أن اختيار رئيس المجلس من الأغلبية، هو بمثابة "تعيين وليس انتخاب، وذلك بالضبط مثلما كان يحدث في عهد السادات ومبارك، إذ كان يتم تعيين رئيس المجلس من حزب الأغلبية آنذاك، بشكل روتيني، من "الحزب الوطني"، وقيام الأغلبية التي تتشكل منها "الجماعة" بتكرار تجربة "الحزب الوطني"، يشير إلى أن من هم في موقع الأغلبية، غالباً ما يستأثرون بالتعيين، وبالتالي بالقرار، وأن شعار "المشاركة" يصبح مجرد شعار لا قيمة له من الناحية العملية، كما أن ذلك ينقل الوضع من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الحزب. وعلى الرغم من أن مسألة التحالفات في إطار مجلس الشعب، هي مسألة داخلية بحتة، فإنها باتت تستأثر باهتمامات قوى الخارج الرئيسة، ذلك أن السلوك الذي ستتبعه الجماعة بهذا الشأن، سيعكس بالضرورة مدى المتغيرات التي يمكن أن تكون قد طرأت على سياستها، والانتقال من الشعارات إلى ميدان العمل الفعلي، وبنظر هذه القوى، فإن الجماعة أبدت بوضوح وصراحة، وبشكل معلن، صورة معتدلة مرنة، وقامت في أكثر من مناسبة، لتهدئة الداخل والخارج من مخاوف تربعها على عرش الأغلبية البرلمانية، وربما التحكم في السلطة التنفيذية، ولتأكيد هذا الدور الجديد للجماعة، استقبل قادة حزب "الحرية والعدالة" قبل أيام قليلة، وليام بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، وهو الأعلى مستوى في اللقاءات التي تمت من قبل بين الجماعة والولايات المتحدة، في إشارة واضحة إلى أن واشنطن تراقب عن كثب "جديد" الجماعة، بينما هذه الأخيرة، لا تتردد في إرسال تطمينات، تتناول بالدرجة الأولى، السياسة الخارجية. إن متابعة معركة التحالفات، تخرج عن كونها معركة محلية داخلية تتعلق "بإدارة" البرلمان إلى تطبيقات المرونة وإزالة المخاوف الخارجية، قبل إزالة المخاوف الداخلية، ومع أن الجماعة تحرص على أن تسمي البرلمان الحالي، بـ"برلمان الثورة" إلاّ أن هذا البرلمان هو التعبير الأوضح عن تناقض رافق معظم الثورات، بين أدوات الثورة وضحاياها ومنظميها، وهؤلاء الذين استثمروها، فهذا البرلمان، سيبقى برلمان الأغلبية التي حصلت عليها "الجماعة" أما "برلمان الثورة"، فهو بحاجة إلى سنوات وانتخابات قادمة، حتى يتمكن من أن يحوز الاسم اللائق به.