لعل من أبرز الضربات الموفقة للمقاومة الفلسطينية في قصفها لأهداف إسرائيلية : تعطيلها للحركة في مطار اللد ( بن غوريون – كما يسميه الإسرائيليون ) مدة يومين . هذه الضربة تركت تأثيراتها العميقة على إسرائيل بتعطيل حركة الطائرات فيه , الامر الذي انعكس إيجابا على مقولة " "توازن الردع " للمقاومة مع دولة الكيان من جهة , وبهّت من " الحقيقة " الإسرائيلية, التي تروجها الصهيونية وأصدقاؤها على الساحة الدولية , ومفادها " أن إسرائيل تمتلك جيشا لا يقهر ". كما أن ضرب مطار اللد ساهم بشكل كبيرفي تبهيت بنود العقيدة الأمنية لدى الكيان: في نقل المعركة لأرض العدو للكيان , ومنع تأثيرات الحروب التي تشنها ,على الداخل الإسرائيلي .هذا عدا عن التأثيرات الإقتصادية والأخرى بعيدة المدى , من نمط : أن الكيان دولة الأمن والأمان , وانعكاس ذلك على الدخل السياحي وعلى : التقليل من الهجرة إليها , وازياد الهجرة المعاكسة منها .
هذه التأثيرات تضرب أيضا مبدأ صهيونيا حرصت الحركة الصهيونية على تحقيقه منذ نشأتها , مرورا بمختلف مراحلها , وانتهاء بما يقوله البعض " بأنها الحزب الأكبر والأكثر تنظيما في التاريخ "ألا وهو : الوجود الدائم للكيان في المنطقة ".
في اليوم الثامن والأربعين من بداية العدوان على غزة ( السبت , 23 أغسطس الماضي 2014) قامت فصائل المقاومة بقصف محطة غاز للعدو في البحر بالقرب من شواطىء غزة , ومحطة للكهرباء في اشكول وهو ما أدى إلى قطع الكهرباء عن تسع كيبوتزات ( تعاونيات زراعية ) .ضربات كهذه أفضل من قصف مئات الصواريخ على أهداف اخرى , فهذه الاماكن الحساسة للعدو تمتلك نمطا من البعد الاستراتيجي للصراع .من ناحية ثانية : إسرائيل في التخطيط لعقيدتها الامنية : متحركة ولا تقف عند محطة واحدة , ولذلك فإن تخطيطها الاستراتيجي متحرك , ففي المرحلة القريبة الماضية اعتبرت ما أسمته " بالتهديد النووي الإيراني " هو التحدي الابرز بالنسبة لها . هذا ما جاء على لسان نتنياهو في بداية ولايته الثالثة في جامعة " بار إيلان " وكرره في أكثر من تصريح له فيما بعد . جاء مؤتمر هرتزيليا الاخير( 14 ) لهذا العام ليبدل من الأولويات فمع استمرار ما يسمونه " بالتهديد النووي الإيراني " لكن قرار المؤتمر الأبرز والذي جاء انعكاسا لمناقشات واسعة لأبرز التحديات التي تواجه إسرائيل , هو : نزع أسلحة المقاومة في غزة. كما جرت العادة,فإن ما تقرره هذه المؤتمرات يعتبر دستورا للحكومة الإسرائيلية في ذات المرحلة , وهاديا لسياساتها المتبعة .
هذه المؤتمرات شديدة الاهمية من زاوية استراتيجية لإسرائيل, يحضرها : القادة العسكريون والامنيون والسياسيون, وخبراء السياسة والأمن والمخططون العسكريون والاستراتيجيون من الكفاءات الدولية , تجمعهم : الصداقة والحرص على الكيان ورسم خطوط استراتيجيته في مختلف المجالات . هذه المؤتمرات للأسف لا تحظى بانتباه عربي وإعلامي واسع,سوى من المتابعين للشأن الإسرائيلي من المختصين .لكل ذلك مخطىء من يظن بأن دولة الكيان تخلت عن هذا المطلب ولن تطرحه في المفاوضات المنتظرة وستجعله شرطا لفك الحصار عن غزة.من هنا فالهدنة الطويلة لاتخدم استجابة الكيان للمطالب الفلسطينية وغنما استنزاف العدو هو الكفيل بذلك .
التأكيد على عنوان المقالة لا يعتي : أن المقاومة أهملت مثل هذه الأهداف , والدليل على ذلك : انها قامت بقصف اهداف حساسة مذكورة , ولكن ولأنه "لا هدنة مع الاحتلال " و شرعية, استمرارية استنزاف المحتل للأرض, فإن من الخطأ الاتفاق مع هذا العدو على هدنة طويلة الأمد.
إسرائيل قامت بقصف كافة البنى التحتية في قطاع غزة حتى محطتي المياه والكهرباء , وإمعانا في جرائمها وحرب إبادتها الجماعية للفلسطينين , قصفت المستشفيات وسيارات الإسعاف ودور العجزة والمعاقين , إضافة إلى قصفها للمدنيين وتدميرها الممنهج لأحياء سكنية بكاملها , والشهداء تجاوزوا الألفين من بينهم ما يقارب 500 طفلا والجرحى بلغوا 11ألفا.كل ذلك يعتبر عاملا إضافيا لاستمراراستنزاف العدو وإيلامه وتصعيد خسائره وقصف اهداف حساسة ومؤثرة في داخله .
إن ما سبق هو ما نطالب به إضافة إلى عدم إعطاء الهدنة صفة ( الدائمة ) , فالموافقة الإسرائيلية على إدخال البضائع إلى غزة ,ارتهن بنوعيتها والإشراف عليها وتحديد كمياتها, وليس هناك من تعهد صهيوني بفك الحصار عن القطاع ولا للاستجابة للمطالب الأخرى, فهذه ستخضع للمفاوضات المنتظرة. صحيح أن مقاومتنا الفلسطينية حققت إنجازا كبيرا بصمودها , غيرأنه من الصحيح ايضا :فإن : تحقيق أية مطالب فلسطينية ( ولو كانت صغيرة ) مرهون بدوام حالة الاشتباك مع العدو واستنزافه.