إسرائيل الصهيونية "داعش" يهودي....لماذا؟

حجم الخط

في المبدأ، رغم اختلاف التفاصل، مثلما تتكأ فروع تنظيم "القاعدة"، (وأخطرها اليوم "داعش")، على "التكفير" لتبرير ذبح كل المقاومين لإرهابها ومنظومة فكرها "القرو وسطي"، تستمرئ إسرائيل الصهيونية معزوفة معاداة اليهود ("اللاسامية")، لتبرير قتل كل المقاومين لتوحش استعمارها الاستيطاني الاحلالي ومنظومة فكرها الصهيوني العنصري. ومثلما تتخذ فروع القاعدة العنف وسيلة لتحقيق هدف إقامة "دولة الإسلام"، اتخذت إسرائيل الصهيونية، ولا تزال، العنف وسيلة لتحقيق هدف إقامة "دولة اليهود" على أرض فلسطين. ومثلما أن لفروع تنظيم القاعدة مصلحة في تدمير الدولة القُطْرية العربية لإقامة "دولة الإسلام" على أنقاضها، فإن لإسرائيل الصهيونية مصلحة في تفكيك هذه الدولة وتقسيمها لدويلات بعدد الطوائف والمذاهب والإثنيات والمناطق، ما يعني أن التنظيمات الإسلاموية الإرهابية تؤدي الوظيفة الاستعمارية ذاتها التي أدتها، ولا تزال، الحركة الصهيونية، منذ مشاركتها في تنفيذ خطة سايكس-بيكو الاستعمارية لإفشال كل محاولات العرب إقامة الدولة الأمة. إذاً أين التعسف في استخلاص أن ثمة ثماثلاً جوهرياً بين التنظيمات الإسلاموية الإرهابية وإسرائيل الصهيونية من حيث المنطلق الفكري والهدف والوسيلة والمصلحة والوظيفة؟
عليه تثور أسئلة: وماذا عن إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه إسرائيل منذ 66 عاماً، وامتداداً لإرهاب عصابات الحركة الصهيونية قبل وقوع "النكبة"؟
وما الذي يرتكبه تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإسلاموية التكفيرية من إرهاب، ولم ترتكب مثله، بل ما هو أفظع منه، لنحو قرنٍ من الزمان، إسرائيل وأصلها عصابات الحركة الصهيونية؟
وما الفرق بين عنصرية وصمة "التكفير" وعنصرية وصمة "اللاسامية" لاستباحة دم وإقصاء أغلبية البشرية التي ترفض عودة الحضارة الإنسانية إلى مربع دويلات الطوائف والمذاهب والأعراق والإثنيات والمناطق على أنقاض الدولة المدنية الحديثة؟
وما الفرق بين توسل السيف لإقامة "دولة الإسلام" وبين توسل جرائم الحرب الموصوفة والتطهير العرقي المخطط والإبادة الجماعية الممنهجة لزرع "دولة يهودية" على أرض فلسطين، وعلى حساب شعبها، بعد "اختراع" "الشعب اليهودي" و"أرض إسرائيل التاريخية"، تنفيذاً لأكبر وأبشع عملية سطو سياسي عرفها التاريخ الحديث والمعاصر؟
خلف الأسئلة أعلاه يكمن سر إصرار إدارة أوباما على التفرد واستبعاد دور هيئة الأمم المتحدة في محاربة إرهاب تنظيم "داعش"، وتملصها من ضوابط المواثيق والقوانين الدولية المتعلقة بعدم جواز انتهاك سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها. وهي المواثيق والقوانين التي تتربع فوقها إسرائيل الصهيونية العنصرية الإرهابية، بفضل الحماية التي وفرتها لها دول الاستعمار والسيطرة الغربية بقيادة بريطانيا العظمى في مرحلة الاستعمار المباشر، ولا تزال توفرها لها بقيادة الولايات المتحدة في مرحلة الاستعمار غير المباشر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ما يعني أن هجوم إدارة أوباما على تنظيم "داعش"، التالي لهجومها المفاجئ والمفتعل على روسيا من بوابة أوكرانيا بذريعة الديمقراطية، إن هو إلا غطاء لاسترداد ما خسرته الولايات المتحدة من نفوذ في العراق لمصلحة إيران، ولتحقيق أهداف مضمرة ضد سورية الدولة والجيش والنسيج الوطني والمجتمعي، عبر إطالة أمد استنزافها وتأخير حل الصراع العسكري فيها وعليها حلاً سياسياً. وهو ما لا يخدم، ولا يلبي، مطالب حراك الشعب السوري في الحرية والديمقراطية المشروعة. إذ كيف لعاقل ألا يرى، (حتى من دون الاتعاظ من سيناريو تدمير الدولة والجيش والنسيج الوطني والمجتمعي في العراق وليبيا)، في إطالة أمد أزمة سوريا الدولة صباً للحب في طاحونة أطماع إسرائيل ورؤيتها وشروطها الصهيونية التعجيزية لإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية.
بذلك كله يتضح الطابع الاستقطابي العنيف لنظام التحكم والسيطرة الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتتكشف حدود الثابت والمتحول في سياسة إدارة أوباما الخارجية في المنطقة والعالم، سواء لناحية رفض التسليم بانتهاء حقبة "نظام القطب الواحد" لمصلحة بناء نظام دولي أكثر توازناً، أو لناحية رفض إحداث أي تغيير على السياسة والمواقف الأميركية الراعية لإسرائيل والداعمة بلا حدود لحروبها العدوانية وإرهابها الموصوف وصلف شروطها الصهيونية التعجيزية لإنهاء الصراع، وجوهره القضية الفلسطينية. ما يعني أن ما سميَّ جديداً في سياسة إدارة أوباما الخارجية لم يكن سوى تغيير اضطراري مفروض تهيئة لتجديد الهجوم وإدخال المنطقة والعالم من جديد في أتون "الحروب الباردة" التي لا يضمن أحد منع انزلاق بعضها إلى مهاوي حرب إقليمية واسعة ومتعددة الأطراف، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وقلبها الوطن العربي الذي يلفه حريق إرهابي تكفيري غير مسبوق، تذكي نيرانه وتستخدمها الولايات المتحدة، وربيبتها وحليفها الإستراتيجي الثابت، إسرائيل، عدو العرب الأول.
هنا تتجلى عودة إدارة أوباما، ( في شروط دولية وإقليمية وشعبية غير شروط ما بعد انتصار الولايات المتحدة في "الحرب الباردة")، إلى غرور "المحافظين الجدد" في الترويج لخرافة "نهاية التاريخ"، والغطرسة السياسية في احتلال أفغانستان، 2001، ثم العراق، 2003، لتحقيق أحلامهم الإمبراطورية في عولمة سياسة الاقتصاد الليبرالي الجديد، وإحكام السيطرة الأميركية على خيرات العالم وموارده، والتحكم بالنظام الدولي ومؤسساته السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن عودة إدارة أوباما هذه- وإن بتردد وحذر واضحيْن- ستصطدم أيضاً بحدود القوة العسكرية، ومنها الأميركية التي، على عظمتها، لا تقوى، ولن تقوى، على هزيمة الشعوب صانعة التاريخ الذي لا نهاية له. بل ولن تحصد إدارة أوباما في نهاية المطاف إلا خيبة "المحافظين الجدد" جراء استخدام القوة العسكرية لتكريس نظام "القطب الواحد"، وتعزيز نظام "بلطجي" الكون المُطاع، وتمتين نظام نهب خيرات العالم وموارده بلا حدود. وهو ما لم يحصد في الواقع سوى كراهية شعوب المنطقة والعالم وتأجيج مقاومتها بأشكال متنوعة، ونهوض أقطاب دولية وإقليمية جديدة، وتعجيل انفجار أزمة رأس المال المالي الأميركي، وإدخال العالم برمته في أزمة اقتصادية تشبه إلى درجة كبيرة أشد الأزمات البنيوية للاقتصاد الرأسمالي العالمي في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي. وهي الأزمة التي شكلت العامل الأساس والسبب الجوهري في اندلاع الحرب العالمية الثانية التي قادت بنتائجها إلى هزيمة النازية وانتهاء قيادة "بريطانيا العظمى" للعالم والمعسكر الرأسمالي الغربي لمصلحة نشوء نظام دولي "ثنائي القطبية" بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وانفتاح الأفق واسعاً لانتصارات حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتشكيل مجموعة "دول عدم الانحياز" كلاعب له وزنه في صياغة السياسة الدولية وقرارات مؤسساتها.
على أية حال من الطبيعي ألا تتعظ إدارة أوباما، كأي إدارة أميركية أخرى، من دروس التاريخ، ما دامت تحركها الدوافع البنيوية للرأسمالية الغربية وأهدافها الثابتة في السيطرة على ثروات العالم والتحكم بالنظام الدولي بعيداً عن دور هيئة الأمم وهيبة قوانينها ومواثيقها. وهو ما يفضي إلى انتهاك سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها، وفي مقدمتها الدول العربية، تارة باسم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتارة باسم محاربة أنظمة الاستبداد وتنظيمات الإرهاب، فيما يعلم الجميع دعم الولايات المتحدة اللامتناهي لأنظمة الاستبداد الدائرة في فلكها، والدعم والاستخدام غير المحدودين لتنظيمات مسلحة لا يختلف اثنان على إرهابيتها، بل ورعاية وحماية ودعم والدفاع عن الإرهاب منقطع النظير الذي تمارسه دولة إسرائيل الصهيونية منذ 66 عاماً.