تفجيرات غزة وتداعياتها على المشروع الوطني

حجم الخط

واضح بأن المؤامرة على المشروع الوطني الفلسطيني تكبر يوماً بعد يوم، وان هناك أيدي خبيثة ومأجورة متعددة تشارك في هذه المؤامرة محلية وعربية وإقليمية ودولية، وهذا ليس تهيؤات أو إستنتاجات غير منطقية وواقعية، أو شطحات فكرية لكاتب يهذي، بل الشواهد في ارض الواقع كثيرة وخطيرة، ولذلك كل المنتمين للوطن والقضية والمشروع الوطني من عقلاء وحكماء وقادة فكر ورأي وصناع قرار وساسة وإعلاميين، عليهم ان يتنبهوا ويكونوا على اعلى درجات اليقظة والحيطة والحذر، فثمة متغيرات وتحولات كبيرة وخطيرة تجري في المنطقة، متغيرات من شأنها أن تعيد رسم خرائط المنطقة بشكل جذري، ولعل القضية الفلسطينية في صلب الإستهداف لهذا المشروع، مشروع يعيد انتاج سايكس – بيكو بحيث يضمن بقاء اسرائيل قوية ومسيطرة على المنطقة، بعد تحولها إلى دولة دينية في ظل محيط لدويلات مذهبية وطائفية إسلامية وعربية ..الخ تدور في فلكها وتتحكم فيها، على ان يجري تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ولذلك المعارك على أشدها من أجل طحن وذبح المشروع القومي العربي، وتدمير دوله وجيوشه بالكامل( العراق، سوريا ومصر)، وهذا المشروع على الجبهة الفلسطينية يفترض مشاركة ادوات تنفيذية محلية وعربية وإقليمية، على ان تتولى اسرائيل قيادة تلك الأدوات وتحريكها، والساحة الفلسطينية المنقسمة على نفسها والضعيفة والتي تعاني من غياب القيادة وحالة واسعة من الفلتان والفوضى، توفر الغطاء والذريعة لإسرائيل وادواتها وإرتباطتها العربية والإقليمية والدولية لكي تلعب بسهولة في الملعب الفلسطيني،  ولكن ليس فقط لعبة تكريس الإنقسام وشرعنته والإستمرار في إدارة الأزمة، بل جر الساحة الفلسطينية إلى الصراعات والخلافات الداخلية والتي قد تصل إلى حروب وتصفيات، وتعيد مسلسل سقوط مقولة حرمة الدم الفلسطيني- الفلسطيني، والتي اهتزت في عام 1983 بالإحتراب الداخلي في حركة فتح، وما سمي أنذاك بالحركة التصحيحية، ولتبلغ ذروتها بسيطرة حماس عبر الحسم العسكري والإنقلاب على السلطة في تموز/2007.

واضح بأن الجريمة المتزامنة بإستهداف منازل قادة فتح ومنصة إحياء الذكرى العاشرة لمؤسس حركة فتح الشهيد القائد أبو عمار، هي ليس نتاج عمل فردي أو حادث عرضي أو معزول أو عمل لمجموعة من الهواة، بل مثل هذا الحدث يدلل وبما لا يقبل الشك بأن هناك جماعة محترفة عملت بوعي وقرار، وتحمل رؤيا واهداف واجندة سياسية خبيثة ومشبوهة، والأدوات والقدرات المستخدمة في التفجيرات تتجأوز حدود القطاع، ولتشارك فيها المحأور المتصارعة عربياً وإقليمياً بالأخص.

ثمة مجموعة من السيناريوهات تحتمل تحميل المسؤولية والإستفادة من تلك التفجيرات الإجرامية المتزامنة، وإن كان عدد تلك السيناريوهات يضيق ويقل مع إعلان داخلية حكومة حماس اليوم عن عدم قدرتها على تامين الحماية لإقامة الإحتفال بالذكرى العاشرة لإستشهاد القائد أبو عمار، مما حدى بالهيئة المسؤولية في فتح عن قطاع غزة الإعلان عن إلغاء الإحتفال، وكل السيناريوهات التي أسوقها تحمل في جوهرها رفض المصالحة وإنهاء الإنقسام، وإبقاء الحصار وتعطيل الإعمار، وإستمرار السيطرة المنفردة على القطاع وتعطيل حكومة الوفاق الوطني وكذلك توتير وتسميم العلاقة المصرية – الفلسطينية لحد القطيعة والحصار.

لا نختلف بان اسرائيل هي المتهم والمستفيد الأول مما حصل، واسرائيل في إطار تهربها من دفع أي استحقاق في العملية التفأوضية قد يقودها إلى تقديم تنازلات ذات مغزى جوهري، تقول بأن ابو مازن بإختياره للمصالحة وحكومة التوافق مع حماس يفضل "الإرهاب" المقأومة والوحدة على السلام، وكذلك هي تستفيد من زأوية تعطيل وإعاقة الإعمار وتكبيله بإشتراطاتها.

وفي السيناريو الاخر واضح بان الحركات السلفية "الجهادية" و"داعش" انتعشت في قطاع غزة، حيث اعلنت مجموعة سلفية مبايعتها لخليفة "داعش" ومن بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، وفي ظل ما يحدث في المحيط العربي، وفي مناخات واجواء الفوضى والفلتان وغياب السلطة أو إنهيار مؤسساتها، تنشط مثل تلك الجماعات، وربما هي أقدمت على تلك الفعلة من أجل إشاعة مناخات الفوضى والفلتان في الشارع الفلسطيني.

وقد نشطح أبعد من ذلك في سيناريو آخر،  في ظل إشتداد الأزمة بين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المفصول محمد دحلان والرئيس عباس من جهة، وتصاعد الخلاف بين حماس والرئيس عباس من جهة ثانية، وبين حماس ومصر من جهة ثالثة، فقد يكون القول بأن حماس سعت لكي توظف ورقة دحلان في خلافها في تعطيل المصالحة، وربما يكون هناك سيناريو آخر ، في ظل خلاف حماس مع مصر، قد تقدم مصر على محأولة إعادة دحلان إلى القطاع، وهو يمتلك قوة لا يستهان بها هناك، وخاصة بان العودة ستكون بدعم لوجستي مصري ومالي إماراتي.

ولكن على ضوء ما حصل من اعتذار داخلية حماس اليوم عن عدم قدرتها على تامين الحماية للإحتفال، وقرار الهيئة الفتحأوية المسؤولة عن فتح بإلغاء الإحتفال، نجد انفسنا أمام سيناريو قد يكون محتملاً،  لا يحمل اتهاماً لحماس كحركة وحكومة، فالجميع يعرف بأن واقع التنظيمات الفلسطينية اليوم ليس بالصحي والمعافى، وتتصارع فيها أجنحة وتيارات، فلربما هناك تيار في حماس عبر عن ذاته في أكثر من مرة برفض المصالحة وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وسيطرتها على الأمن والمعابر، ويري بان ذلك من شأنه ان يقلل من دور حماس ومكانتها وشعبيتها في القطاع، ولذلك هو عمد بذلك إلى بعث رسائل تخويف وليس قتل، فهو يريد أن يوقف عجلة المصالحة ويمنع لإقامة الإحتفال وعودة فتح وسيطرة السلطة وحكومة الوفاق الوطني على قطاع غزة، وأشك بأن هناك قرار سياسي، قدر صدر من المستوى السياسي في حماس لتنفيذ تلك الجريمة النكراء، فحماس معنية برفع الحصار والبدء بالإعمار المتعثر، والذي أصبح يشكل عامل ضاغط عليها من قبل المواطنين المشردين والمهجرين عن بيوتهم، بفعل العدوان الإسرائيلي، وكذلك هي ترى بان المصالحة قد تخرجها من دائرة وشرنقة الحصار، وخصوصاً بعد تأزم علاقاتها مع مصر، ولكي تجد لها فضاء جغرافي عربي يمكنها من فكفكة حلقات الحصار الظالم.

هذه جريمة خطيرة جداً، والجريمة والمؤامرة على المشروع الوطني ستكبر، ما لم يجري تشكيل لجنة تحقيق حيادية من مختلف ألوان الطيف السياسي والمجتمع المدني الفلسطيني، لجنة تحقيق تقود إلى محاسبة رادعة، وليس مجرد تقارير توضع على الرفوف والأرشيف، وبدون معرفة الجناة ومرتكبي هذه الجريمة النكراء، فإن الجناة قد يقدمون على فعلة أكبر، وواضح بأن التداعيات هذه الجريمة كبيرة، وقد أشعلت فتيل الأزمة على نحو ينذر بأن الوضع الداخلي الفلسطيني قاب قوسين أو ادنى من الإنفجار، إنفجار قد يطيح بكل شيء مصالحة، إنهاء انقسام، رفع الحصار والإعمار، والخطر من ذلك الدخول في حروب وصراعات، تنهي القضية الفلسطينية وتدمر المشروع الوطني، كما يخطط له طباخي وصناع المشاريع السياسية المشبوهة من امريكان وأوروبان غربيين ودول إقليمية وعربية.