خالد بركات : مواجهة الخطأ ليس تشبيح والفصائل لا تملك الجواب

حجم الخط

قال الكاتب المصري يوسف ادريس في الأديب المقاوم المثقف الثوري الشهيد غسان كنفاني اقرأوا أدب غسان كنفاني مرتين.. مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور.. ومرة أخرى لتعرفوا أن قبوركم تجهزونها وأنتم لا تدرون ونضيف وتمعنوا كثيرا في خطوط الشهيد ناجي العلي في جدارياته التي لا تموت لتعرفوا جيدا قيمة الخطوط الحمراء وكيف نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب

هنا فقط يكون التجديد والهوية الشديدة الوضوح ، للدرب الذي لا ينحاز إلا لفئة من هم تحت من الفقراء المطحونين و المسحوقين في مخيمات الوطن والشتات ، والذي يتماهى مع الطريق الذي إختاره شهيد الريشة المحاربة ناجي العلي التي تجرح رسوماته كما السكين والتي ما زالت تزين كل جدران الأزقة في مخيمات الوطن والشتات وتأتي كما الصفعة دوما التي لا تعترف بميعاد الغدر ما دمنا محكومين بزمن فيه مناضل مقاوم حتى آخر نفس ، وخائن متفرج كل مهنته أن يسابق الأمكنة المبهرجة ليجلس على مقاعد الحوار الأبدي الممتلئ بالعبث متسلقا على عذابات الشعب مستمرا في لعبة أحجار الشطرنج التي لا مكان فيها إلا لحريفة المتابرين على حصة الملك .

هذه اللعبة التي لا علاقة لها بمانفسيتو الثورة التي خطه الشهيد ناجي العلي بلاءاته الرافضة لكل ما يمس الثوابت والحقوق الفلسطينية تماما كما عبر عنه توأمه الشهيد غسان كنفاني في صرخة الرفض لكل الأفكار السائدة أو المألوفة التي صورّت الفلسطينيين في الخمسينات وبداية الستينات كشعبٍ مسكين مغلوب على أمره والتي جسدها في عبارة بدء تشكل الوجود لديه (حياتي جميعها كانت سلسلة من الرفض ولذلك استطعت أن أعيش. لقد رفضت المدرسة ورفضت الثروة ورفضت الخضوع ورفضت القبول بالأشياء .

الشهيد غسان كنفاني ليس مجرد شهيد الكلمة الحرة والقارئ المثقف النهم الذي يقرأ يوميا ما يعادل الستمائة صفحة بل هو منظومة ثورية أدبية سياسية ونضالية مختلفة تعي عميقا أن البندقية تفقد كل قيمة طلقتها بل تتحول إلى خنجر قاتل لا علاقة لها بصناعة الحدث في غياب الوعي والرؤية والهدف,,

هذه السماء التي يحلق في فضاءها الشهيدان بأجنحة من حرية في حلم جميل لا تغيب فيها يوما أسماء الشرف لكل قوافل الشهداء من ذخيرة الوطن الثقافية الواعية ، الغير مأجورة والمرتجفة من سياسة الترهيب والتخوين والحكم بالتطرف والخروج عن تفاهة المألوف ، والتي دفعت ثمن موقفها الصلب بالحكم عليها بالتصفية والإغتيال والأسر والتعذيب من قبل العدو الصهيوني وأجهزته الإستخبارية المتعددة الوجوه .

هذا العدو الذي أكثر ما يرهبه خصوبة الأفكار التي لا تموت بغياب الجسد ، أو إعتقاله وراء جدار ، لأن الشهيد يبقى وحده جوهر الوجود الذي يؤمن أولا معنى أن يكون المناضل والمثقف وطنا في جسد من كتلة أعصاب وجروح كما عبر الشهيد غسان كنفاني ضمنا وليس مباهاة عن ذاته المهمومة أولا بالإنسان حين لا يموت إلا ندا، وإنه بعد الموت تتبدّل الأشياء، يسافر دم القربى عبر المسافات، ليمهّد سبل الخلاص للقادمين من كل العابثين بقدسية الوطن والإنسان ،وفي المقابل كما أعلن الشهيد ناجي العلي بيانه الثوري وصرخته المدوية التي ما زالت تضج في روح كل الأحرار ..( اللي بدو يكتب لفلسطين, واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالو: ميت)

هذا مختصر لمحور الأفكار التي تناولتها ندوة ( الشباب والتجديد … غسان كنفاني مرة أخرى ) إضافة إلى إطلالات هامة لم تهدف إلى تقديم الشهيد غسان وفكره النضالي الأزلي كنموذج ثوري منعزل عن تداعيات واقعنا الفلسطيني المأزوم ، فالشهيد غسان كنفاني لا يمكن أن يراه الشعب ، بعيون نرجسية العاشقة التي تخفي حبها بثريات ، تفوق عليها الشهيد الخارج عن منطق المرثيات والذي لا يمكن إختزال توصيفه بوجه طفل ، وجسد عجوز ، وعينان من عسل ، وغمازة طفل .

فالشهيد غسان كنفاني الذي إغتالته أجهزة الموساد بأكبر كمية متفجرات تجاوزت زنة عبوتها الناسفة التسعة كيلو غرام من الت/ أن / ت شديد الإنفجار هلعا من سطوة فكره وجماهيرته ، هو فارس الزمان وبطل مناضل إنسان أولا رسم بحبره وقلمه الثائر هوية وطن وحدود الفرق بين خيمة اللجوء وخيمة القرار وبوصلة الدرب الوحيد الذي لا حضور فيه إلا للرجال والبنادق ولسؤال الوجود
لماذا لم يطرقوا جدران الخزان ؟ الذي إنطلق منه الرفيق خالد بركات في محور الإجابة عن السؤال لماذا يظل فكر غسان كنفاني ضرورة سياسية وفكرية متجددة في الحاضر والمستقبل، وهو الذي استشهد قبل اكثر من أربعة عقود من الزمن ؟ فالحديث عن الشهيد غسان كنفاني، ومن قاعة بإسم الشهيد ناجي العلي في مخيم عين الحلوة ، المكان الذي كان بدء خطى اللقاء بين المثقف الثوري والفنان الثوري حيث أعادنا الرفيق خالد مساء أمس إلى حكاية لا تمحى تعود لعام 1961، بعد سنة واحدة من مجئ غسان إلى بيروت، حيث كان يقوم بإحدى زياراته الدورية لمخيم عين الحلوة ، والتقى بشاب يحمل بين ضلوع قلبه الموجوع من النزوح روحا من تمرد مبكرعرض عليه لوحاتٍ من رسمه. فأخذ غسان أربعاً من تلك اللوحات. وبعد أيام تفاجأ، ذلك الشاب بلوحاته منشورة في مجلة «الحرية» ضمن مقالٍ لغسان بعنوان « ينتظر أن نأتي». في هذا المقال وصف رسوم ذلك الشاب بأنها تتشكل من «خطوط حادة»، ولها «ألوان راعبة قاسية»، وتعبر «عن الذي يجيش في صدره بشكلٍ أكثر من كافٍ». وكما هو معروف فلقد افتتح هذا المقال بداية رحلة ناجي العلي.مع عالم يملك غريزة البقاء, من هذه الحكاية الأولى التي تبعتها مسيرة علاة نضالية وصداقة أبدية روحا وليس عمرا رقميا عابرا فما جمع غسان وناجي تفاصيل كثيرة لا تقتصر على وحدة المنفى وقسوة الحنين واللهفة إلى ذاكرة طفولة ووطن بترت قبل الآوان على مفترق طرق بين قرية الشجرة وعكا .

يقول الرفيق خالد كان الشهيدان إستثناء بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فنحن لا نستطيع أن نفكك غسان عن ناجي ، فهما كتبا ورسما لفلسطين بالدم ، وإرتقيا بالفن والأدب المقاوم إلى مرتبة الدم ، كما للشهيدين خصوصية الإستدعاء الشعبي المستمر رغم مرور كل هذه السنوات على الغياب الحاضر .

وربما يسأل كثيرون عن سر لجوئنا عندما تختنق الحناجر ، ولا يبقى إلا الصمت إلى رسومات ناجي ، وعبارات غسان الخالدة وكلاهما يقومان بأكثر المهمات الثورية التي تحض على رفض الواقع المأزوم خاصة مع إستفحال تفاصيل المشهد الفلسطيني من تفشي حالة الإنقسام والشرذمة والمراوحة والغرق في اللغة العمياء التي تغطي مستحيلات التحقق في ظل نهج التفريط المقنع بستار من كذب وخيانة لكل الحقوق ، ومحاولة جر الرافضين للهوان إلى مستنقع تكرار الكلام عن الوحدة الوطنية والقرار المستقل والحالة السائدة عكس ما يقال ، والتي تدفعك إلى طرح كل الأسئلة التي تبدأ بعن أي وحدة تتحدثون ، وعن أي نضال تتكلمون على منابر الخطابة في ظل نهج عنوانه نحو مزيد من البيع والمقايضة ، من قراءة هذا الواقع المتآكل يقول الرفيق خالد ، تنطلق فكرة التجديد التي تتجسد في الهدم والبناء من جديد على أرضية صلبة تربتها من دم المقاوم الذي يصان من الأحرار في سوق التنزيلات اليومية ، تماما كدم الشهيدين وكل قوافل الشهداء الذين دفعوا حياتهم مقابل قناعاتهم ، وولائهم لشعبهم ، وقضيته الوطنية ، وإنحيازهم لأوجاع وهموم الطبقات الشعبية المقهورة من يقفون تحت سقف البؤس الواطئ في الصف العالي من المعركة، ويدفعون، و يظلوا يدفعون أكثر من الجميع” كما قال الشهيد غسان في رواية وجع المخيمات ودالية المقاومة ( أم سعد ) ويتابع الرفيق خالد حديثه عن خصوصية أثر المناضل الثوري الذي كما غسان وناجي لم ينتمي للوطن والقضية عن طريق الأنظمة ، وأجهزة المخابرات ، أو من خلال التنظيم أو الواسطة , بل ولد إنتماؤهم للوطن بشكل طبيعي كما كل النازحين الذين تربوا على رفض فكرة ( النزوح ) وطالما تخوفوا من تحويل اللجوء إلى حالة فكانت كل رسالتهم تؤكد على حق العودة ، ونبذ الخلاص الفردي عبر صحراء المنافي والتي تجلت فكرتها العميقة في رواية الخلود ( رجال في الشمس ) التي قالت كل ما يمكن أن يقال عن ألم وعذاب الهروب ومصير الموت الرخيص في خزان ضيق على يد إنتهازي ماكر تجسده شخصية أبو الخزران سائق الشاحنة العاجز المتسلق على هموم المقهورين بحثا عن مال فاسد ومهرب ، النموذج المسخ الذي ما زال يتناسل في وقتنا الحالي بصورة أشد مرارة وقهرا …

و عن سؤال التجديد قال الرفيق خالد : إنه سؤال يحيل إلى المستقبل ، حيث ضرورة تغيير الواقع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي والثقافي والفكري ، والذي لا يمكن أن يتحقق إذا لم نفهم جيدا التحديات الراهنة والمسؤولية التاريخية الواجبة .

.فالماضي ليس مجرد أحداث مر عليها الوقت وإنتهت ، الماضي مسألة مستمرة ( شئ لا يذهب ) كما يقول غسان ، وعندما حاول غسان أن يفهم الجواب على سؤال كيف صرنا لاجئين ، أضطر أن يعود الى بداية التهجير والإنتزاع القسري من الأرض فصاغ عبارته المكثفة لحالة الوجع ( و عندما وصلنا صيدا في العصر صرنا لاجئين) في أرض البرتقال الحزين ، وظل هذا السؤال يلازمه منذ أن كان طفلا إلى أن كبر ودخل معترك الإشتباك من أجل الحياة اللائقة ، كذلك عاد غسان إلى الماضي عشرين سنة حتى يقرأ التاريخ جيدا لينطلق إلى المستقبل فكان أول من كتب دراسة عن ثورة 1936 – 1939 والتي تعتبر مرجعية لكل الباحثين ، والتي قدم غسان في توثيقها توصيفا دقيقا لحال شعبنا ، وكيف قاتل وكافح بشراسة دفاعا عن الأرض .وكيف في المقابل تآمرت الطبقات الرجعية المتواجدة دوما في كل مرحلة تاريخية وفي هذا الصدد يذكر الكاتب فضل النقيب في تحليله للدراسة (الوثيقة التاريخية ) أن من أهم النتائج التي يخرج بها القارئ من دراسة غسان عن ثورة 1936 التي تلقي ضوءاً ساطعاً على طبيعة الحركة الفلسطينية في الماضي والحاضر والمستقبل المنظور نتيجتان بالغتا الأهمية. الأولى تتعلق بطبيعة النخب والقيادات الفلسطينية؛ فغسان يحدد بشكلٍ واضح وجلي أن هناك ثلاثة أنواع من النخب والقيادات التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين. النوع الأول يتمثل في القيادة المقاومة التي أدركت بشكلٍ كامل طبيعة المشروع الصهيوني وارتباطها المباشر بقوى الإمبريالية والاستعمار وتحالفه غير المباشر بقوى الرجعية العربية.، وهي قيادات تنطلق من موقفٍ أخلاقي ومن التزامٍ طبقي ومن رؤية قومية ، وتمارس النضال في مناخٍ ديموقراطي وعصري وتقدمي. والنوع الثاني هو القيادات التي تجيد المقاومة والمساومة في الوقت ذاته ، وتعبر عن مصالح يمتزج فيها الوطني مع الشخصي، وتنطلق من عاطفة دينية ووطنية وعائلية، وتمارس النضال في أجواء فردية وعشائرية، تقدمية ومتخلفة، جميلة وبشعة. أما النوع الثالث فهو القيادات التي ترى أن ضمان مصالحها لا يتحقق إلا في عدم مقاومة الاستعمار وإبداء الاستعداد للتعاون (أو التواطؤ) معه.

وتتجلى مشكلة هذه القيادات أن الاستعمار لا يقبل باعتمادها عميلة له بشكلٍ كامل، لأن في ذلك تعارضاً مع المصالح الصهيونية، على الرغم من أن ذلك التعارض ضئيل وجزئي وثانوي. وهي تقبل بأي دور يمنحها إياه الاستعمار، مهما كان خسيساً ومذلاً لأن مرجعيتها الوحيدة هي مصالحها الشخصية. ومما لا شك فيه أن فهم طبيعة هذه الانواع الثلاثة من النخب التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ بدء نضال الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني في مطلع القرن العشرين حتى حدوث النكبة في منتصف القرن، يلقي ضوءاً كاشفاً على الامتداد التاريخي لهذه النخب التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة وبعد اندلاع حركة المقاومة بعد.

بعد حرب 1967 حتى يومنا الحاضر. كما أن فهم تصرفات القيادات الرجعية – الدينية التي كانت متنفذه قبل العام 1948 وأقدمت على اغتيال القائد العمالي قي منطقة يافا ميشيل متري (1938) والقائد العمالي في منطقة حيفا سامي طه في 1947، يساعد على فهم امتدادها التاريخي وتورطها في إغتيال عدد من القادة والمؤثرين في الجماهير ….

أما النتيجة الثانية الهامة فهي ما شرحه غسان من أن خسارة العرب معركة فلسطين لم تحدث في العام 1948 ولكن في العام 1939، حين انتهت ثورة 1936 بدون أن تحقق أي هدف من الأهداف التي اندلعت من أجلها، مع خسائر بشرية ومادية هائلة ومع إنهاك وتشرذم للحركة الوطنية، مما جعل ما حصل في العام 1948 مجرد تحصيل حاصل…..

كما تكمن أهمية الدراسة في أنها تؤسس لفهم كل التداعيات التي تحدث الآن ولعل أبرزها النكبة الكبرى المتمثلة في نهج أوسلو لا مجرد إتفاقه كما يروج عرابوه بهدف التخفيف من إفرازاته الخطيرة على الوطن والشعب والقضية خاصة على المرحلة الثورية الفاصلة في مسيرة شعبنا النضالية المتمثلة بالإنتفاضة الشعبية عام 1987 وعام 2000 ، وتابع الرفيق خالد حديثه عن أهم الدراسات التي قدمها الشهيد غسان عن الأدب المقاوم في فلسطين المحتلة ، الدراسة التي قدمت للشعب أبرز الأسماء الأدبية مثل محمود درويش ، وسميح القاسم وتوفيق زياد وراشد حسين والعديد من القامات في مجال الشعر والأدب والرواية والصحافة والذين ناضلوا بالسلاح الوحيد الذي تبقى بعد هزيمة عام 1967 .

و يجدر الذكر أن الشهيد غسان لم يبحث في هذا الموضوع ترف ذائقة شعرية أو طقس إعتباطي بل لأنه كان يعي أن أي تجديد في الفكر والأدب والسياسة لا يمكن أن يتم دون معرفة وثقافة ، فمن يهدف جديا لتغيير الواقع عليه أولا إمتلاك كل أدوات المعرفة بأنماطها المتعددة .

وقال الرفيق خالد أن مواجهة وتعرية الأخطاء وطرح البدائل ليست عملية تشبيح ، بل عملية تتأسس على الوعي والقراءة النقدية من خلال مسيرة طويلة من البذل والتعب والجهد ، وهذه المعرفة لا تقتصر على التقوقع في معرفة الذات ومتطلبات الشعب وقراءة طريقة تفكيره ومعرفة أولوياته وتشريح الواقع ، بل يجب أن تؤسس أيضا لمعرفة العدو ، ومن هنا قدم الشهيد غسان دراساته عن الأدب الصهيوني ، وكان يكتب عمودا صحفيا في مجلة الهدف تحت عنوان ( إعرف عدوك ) كيف تقاتله ، ما هي مكامن ضعفه، أحزابه وواقعه الإقتصادي والإجتماعي ، وهذه مسؤولية المثقف الثوري وليست مهمة الشعب خاصة حين يكون المثقف في موقع مسؤول ، لأن الكارثة كما يقول الرفيق خالد في الإعتماد على أنصاف وأشباه المثقفين فهؤلاء حين يصبحوا في موقع القرار السياسي يحل البلاء الأعظم … وهنا يقارن الرفيق خالد بين المثقف العضوي الفاعل وهم كانوا كثر في بداية تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وقد أدرك الكيان الصهيوني خطورة هؤلاء العباقرة وتم تصفيتهم جسديا جميعا ، أما الآن فدور المثقف الثوري غائب عامة والحضور لمن يملك معلومة هنا وهناك يسخرها للتطبيل للسلطة والحديث عن منجزاتها التي يغيب فيها الإنجاز ، فأين المثقف المزعج للسلطة الذي يحاسب المسؤول بسؤال المحاكمة ( من أين لك هذا ) والذي طرحه الشهيد أبو علي مصطفى ضمن مشروع متكامل لا يستثني أحدا بل يبدأ بالجبهة الشعبية أولا ويحاسب المسؤول فيها عن تفاصيل عيشه المرفه وهو الثوري بينما الطبقات الشعبية تنام في العراء وتلتحف الفقر مسكنا .

وفي سؤال حول غياب آليات العمل التنفيذية لدى كل الفصائل ، تحدث الرفيق خالد عن مأزق القيادات المترهلة والأحزاب التي لم تعد قادرة على الإجابة على التساؤلات الهامة والكبيرة المطروحة حاليا فهناك ما يكبلها داخليا ، نابع من عدم التجديد في آليات عملها ، مثلا هل من المعقول أن أمين عام لحزب يستمر لمدة أكثر من سبعة وأربعين عاما وأكثر وقيادات تعمر في اللجان المركزية والمكتب السياسي بينما يبقى الرئيس الأمريكي في السلطة ثماني سنوات ، وتساءل لم لا تتيح قيادات العجزة المجال لدماء الشباب الجديدة مشيرا إلى أن الشهيد غسان يقول في هذا المجال ما سماه التفكير العمائي أن بعض المسؤولين الأرشيف في مكاتبهم هو أقدم من الأرشيف في مكاتبنا ، كما يقول غسان بقينا نتحاور على آليات عمل دون تنفيذ ، مثلا فكرة تنفيذ حق شعبنا أن يكافح عبر الحدود من لبنان والأردن وسوريا ، اليوم إذا تم طرح هذه الفكرة تطرح أسئلة عديدة بينما الجواب واضح وهو أن الفصائل الفلسطينية ترفض طرح الفكرة نهائيا ويصبح في ظل التفرد بالقرار محال التنفيذ رغم ضرورته .

وتحدث عن أهمية تشجيع وحث المنظمات الشبابية مثلا في مخيم عين الحلوة وغيرها من المخيمات على المبادرة الذاتية من خلال حوار واعي جماعي لوضع خطط عمل تنفيذية لتحسين سبل العيش في المخيمات التي يتحمل أهلها ما فوق إحتمالات البشر ، وهكذا نخرج من هذه الندوة بآليات عمل يجب عدم الإستهانة بها ، ومن جانب آخر تحدث عن مأزق خطير يتمثل في تحويل وجهة تحليل واقعنا الفلسطيني وأزماته العميقة إلى ماذا فعل القائد المترهل اليوم ؟ وماذا صرح الرخوي الآخر ؟ وماذا قال فلان المتكرش ؟ أو ماذا حدث من مستجدات على صعيد حكاية إبريق الزيت التي أدمنتها القيادات بدءا من المصالحة والوحدة ، وليس إنتهاءا بالإتفاق على إسقاط نهج أوسلو وهكذا ينأى الحوار البناء الهادف ليحل مكانه عراك مستمر ضاق به الشعب، فالقيادات وأصحاب النفوذ وأسياد الفساد ومالكي الأجهزة المالية والإمتيازات والتي تقوم بدور الشريك و تنسق مع العدو في إعتقال المقاومين وشطب الإنجازات لا يخسرون شيئا شن العدو حربا أم لم يفعل غضب نتنياهو أم لم يغضب إستمر الإنقسام أم لم يستمر ، داهم الإرهاب مخيم عين الحلوة أم لا عطش مخيم اليرموك أم لا ، فأولادهم يتعلمون في أحسن الجامعات ولا يموتون غرقا في قوارب البحر ، ولا يستشهدون ، هؤلاء دائما يربحون و لديهم طاقم من المثقفين الذين يبررون ويجملون القيادات الوسخة ، هذه القيادات هي التي تتحكم بالقرار الفلسطيني وأي شخص يتمرد تبدأ بكيل قائمة طويلة من

التهديدات والإتهامات من التطرف إلى العدمية إكما كل ما حدث مع ناجي العلي الذي لم يبيع مبادئه وبقي أمينا على قضيته حتى الشهادة ، حيث لم يعرف الخوف لناجي طريقا وحين قلنا له تعال إلى أمريكا يقول خالد أجابهم الشهيد الشاهد على أوجع اللحظات قال لا لندن أقرب إلى فلسطين وعين الحلوة . من هذا الثبات والرسوخ على المبادئ رغم التهديد المتسلط من قيادات جبانة تهاب كلمة في رواية وخط في لوحة يقول الرفيق خالد نريد إستعادة ناجي العلي ليس من أجل إثبات أنه الحاضر وهو كذلك لكن من أجلنا كذلك الأمر مع الشهيد غسان ومن أجل الأجيال التي لم تولد بعد ، لأن مشروع غسان وناجي ليس مشروع شخصي لم يكن مشروعهم دولة مسخة مع تبادل أراضي أيضا .

فهل ممكن أن نستعيد زمن يبدو أنه إنقضى وإنتهى يؤكد الرفيق خالد بلغة حاسمة مستشرفا ضوء الفجر بعد عتمة الليل ومؤكدا أن الفلسطيني قادر على أن يعيد لهذا المشروع الثوري حضوره الفاعل ومكانته ما دام الإصرار سلاح الأحرار فشعبنا في الشتات ما زال يقاوم ويدافع عن حقه بالعودة ويستشهد على أسلاك الحدود من أجله ، ولكن من أجل تغيير الواقع نحن بحاجة إلى حزب ثوري قوي بعد أن أصبحت الفصائل عبئا على الشعب الفلسطيني تعيش في عالم بعيد عن هموم الشعب الفلسطيني وعن الشباب والتجديد قال الرفيق خالد أن الشباب الفلسطيني ما زال منتميا إلى المدرسة الثورية التي أسسس لفكرها الندي قوافل الشهداء .

صحيح هناك فئات شبابية متعددة الإهتمامات فمنهم من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ومنهم من لديه كل الإستعداد ليقاتل ويناضل حتى آخر نفس ، وهذه الفئة قادرة أن تقلب كل المعادلة على رؤوس القيادات المهترئة وأن تكون صاحبة مشروع التغير الثوري ..

ويقول الرفيق خالد بالعودة إلى دروس وتجارب وعبر الماضي نجد أن الشباب هم دوما طليعة التغيير الثوري في ثورة عام 1936 وهم من قادوا العمليات البطولية عبر مسيرة النضال الوطني بعد إنطلاقة الثورة وهم من فجروا إنتفاضة التاريخ وكان كل منظريها وقيادتها من الشباب وأربكوا كل القيادات الصعيونية وما زالوا ، والآن الشباب هم من يستشهدون وهم من يعتقلون ومن يدافعون بإستبسال ملحمي وراء الصواريخ في غزة ، والمطلوب أن يكون هؤلاء الشباب من الكوادر القيادية لكن يتم إقصاؤهم من القيادات التي ترهلت على الكراسي معتمدة على شرعية زائفة ، أو على وهم أنه وحده ( أبو العريف ) الملم بكل شئ ، وأضاف الرفيق خالد : صحيح أن العمر ليس مقياسا للتجديد وأن هناك من عمرهم ثمانين عاما بعقل شاب حيوي فاعل ومن عمره عشرين عاما ( تيس ) ، لكن الدماء الجديدة تبقى لها الأولوية شرط أن يبدأ التغيير والتجديد من العقل ومن هنا تأتي أهمية المعرفة وإمتلاك الرؤية وآليات إستخدام التقنيات الجديدة بشكل صحيح ونحو مزيد من الوعي أما أن نتكئ على فكرة تجنيد الشباب من خلال السلاح وإرتداء البزة العسكرية فأن ذلك يؤدي إلى كارثة حتمية فمتى ضاع الهدف والرؤية تحول الشاب المقدام شكلا وظاهرا إلى قاتل ومجرم فهو غير متحرر، البندقية تقوده إلى جهنم فكما قال غسان البارودة قطعة حديد لا قيمة لها ولا ثورة بدون رؤية تقودها …

وختم الرفيق خالد حديثه مع الشبيبة بضرورة توحيد الصرخة بين فئات الشعب الواعي من مخيم عين الحلوة إلى اليرموك إلى الأمعري إلى الدهيشة والجلزون وجنين والبقعة وجباليا ،وإلا سنستمر في هذا العبث القاتل للأحلام والحقوق الشرعية .وسيستفحل الخراب وسط الطبقات الشعبية ، الرهان الأول والأخير في عملية التغيير وسيزيد إغترابها بتعدد أنماطه من إدمان المخدرات أو الهروب المنظم في نتاج الشعور بالبؤس والرغبة في الخلاص الفردي لنعود إلى المربع الأول في رواية رجال في الشمس في وقت طفح فيه الكيل والذي هو أحوج إلى صرخة الرجال والبنادق وفرط التنبيه في عبارته ( إحذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص أن وقم لديك شئ في هذا العالم .. هنا فقط نستعيد الوطن كما غسان وناجي وكل إرث الشهداء وتشرع كل نوافذ الحرية متى وضع النصل الجارح على رقابهم وتم التمسك بالفكرة التي لا عذر بعد إدراكها في زمن الخيانة التي تروى …………