قرار الثغرات... بؤس القيادة وعقم الخيار

حجم الخط

 

أظهر مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967، ليس فقط الاهتراء المؤسساتي والتنظيمي على مستوى القيادة الفلسطينية الرسمية، وإنما حجم الكارثة التي أنزلتها هذه القيادة بالشعب الفلسطيني في العقدين الأخيرين وتحديداً منذ اتفاق أوسلو حتى الآن.

مشروع القرار الذي تم تقديمه باسم الشعب الفلسطيني لم يناقش بجدية لا على المستوى الوطني العام، ولا حتى على المستوى القيادي الحالي أي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير – على علاتها - وفي ظل تحفظات سياسىة ومؤسساتية شكلية وموضوعية من قبل حركة حماس وتحفظات سياسية أخرى من قبل تنظيمات فلسطينية يسارية ممثلة في منظمة التحرير مثل الجبهتين الشعبية والديموقراطية، ما يعني من حيث المبدأ عدم امتلاك القيادة الحالية الشرعية الوطنية والديموقراطية اللازمة والمطلوبة للحسم في أي من القضايا المصيرية والوطنية، بما في ذلك طبعاً الذهاب إلى مجلس الأمن.

أما فيما يتعلق بالقرار الأحادي بتقديم مشروع القرار إلى المجلس، فنحن أمام كارثة  ديبلوماسية سياسية ووطنية بكل المقاييس. فعادة يتم التفاوض على صيغة او محتوى القرار ثم يتم تقديمه رسمياً إلى رئاسة  المجلس بعد ضمان نيله الأغلبية أو الحد الأدنى من الأصوات اللازمة - تسعة أصوات - لإجبار أصحاب الفيتو على تظهير موقفهم وممكن في بعض الأحيان أن يتم تقديم صيغة قرار بسقف مرتفع، ومن ثم التفاوض من موقع أفضل بغرض الوصول إلى صيغة توافقية بالإمكان تمريرها وضمان حصولها على الأغلبية اللازمة.

أما ما فعلته القيادة المتنفذة الهاوية والساذجة، فيتعارض مع كل المعطيات السابقة. كما مع المعايير الديبلوماسية المعروفة، فقد تم تقديم قرار باهت ورمادي يتناقض مع المصلحة والحقوق الفلسطينية، بغرض نيل موافقة أمريكا ودول غربية أخرى عليه، وبعدما اتضح أن هذا غير متوفر أو مضمون، عادت إلى الصيغة الأصلية للقرار الفلسطيني قبل تعديله، علماً أن الصيغة المعدلة تتطابق أكثر مع المشروع الفرنسي بحيث بتنا في الحقيقة أمام مشروع فرنسي معدل وليس مشروع فلسطيني معدّل .

أما فيما يتعلق بالتعديلات التي تم إدخالها، والتي خرج الطرف الفلسطيني عن طوره من أجل إرضاء الأوروبيين والأمريكيين بها، فتضمنت لغة ضبابية عامة فيما يخص الثوابت الفلسطينية أي القدس الحدود وحق عودة اللاجئين مع تساهل في الجدول الزمني لإنهاء الاحتلال، ليصبح ثلاثة أعوام بدلاً من عامين أيضا، ناهيك عن الموافقة على فكرة أو مبدأ تمديد التفاوض لعام آخر، رغم الاقتناع التام  بأن العملية برمتها ميتة سريرياً، ولا أمل منها، والكارثة كانت تحديداً. فىملف القدس مع النص على  عاصمة مشركة للدولتين فيها ما يعني تبنى كامل لجوهر الموقف الإسرائيلي، الزاعم أنها ستبقى موحدة وعاصمة أبدية للدولة العبرية، ويكرّس أو يسهّل فكرة العاصمة الفلسطينية في الضواحي أبو ديس أو العيزرية مع بقاء الوضع فى الحرم القدسي على حاله، أي بقاء السيطرة السياسية والأمنية بيد إسرائيل واعتراف عربي وإسلامي بالقدس الكبرى عاصمة لإسرائيل، هو الأمر غير المسبوق تاريخياً كما كان يردد دائماً المفاوض الإسرائيلي السابق يوسي بيلين.

أمام الانتقادات الفلسطينية الحزبية والشعبية الواسعة، حتى داخل فتح نفسها- قال القيادي جمال محيسن أن فتح علمت بالقرار من وسائل الإعلام - واتضاح حجم العبثية والخفة التي تعاطت بهما القيادة مع الأمر الحساس، وحتى المصيري أراد المفاوض  صائب عريقات أن يكحّلها فعماها، عبر تصريحه أنه تم اكتشاف ثغرات في المشروع الفلسطيني المقدم إلى المجلس، وأنه جاري العمل على تعديلها، خصوصاً فيما يتعلق بالثوابت الثلاث السابقة الذكر القدس حق العودة الحدود، بما في ذلك الاستيطان طبعاً علماً أن هذا التصريح يمثل إدانة سياسية ومؤسساتية كاملة للقيادة الفلسطينة برمتها، التي قبلت أو غضت الطرف عن تقديم مشروع قرار مصيري يمس ثوابت القضية الفلسطينية وركائزها بهذا الحجم الكبير من الثغرات والنواقص.

إلى ذلك فإن فكرة التوجه إلى مجلس الأمن لم تنل ما تستحقه من نقاش وطني مؤسساتي منظم ومسؤول، ويقال أنه يمثل هروب إلى الأمام من فشل الخيار التفاوض الأصيل للرئيس أبو مازن ومعاونيه. كما من فكرة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة وعقاب إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، علماً أن الاعتراف  بفلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة في سبتمبر 2012 يوفر القاعدة اللازمة  والمطلوبة من أجل السعي لإنهاء الاحتلال بكل الوسائل  السياسية الديبلوماسية القانونية المشروعة بما في ذلك المقاومة طبعاً .

في كل الأحوال لا أمل بتمرير القرار المعدل أو غير المعدل في مجلس الأمن، خاصة مع الضغوط الأمريكية  لتأجيل التصويت إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في آذار مارس القادم، على أمل أن تتمخض عنها حكومة إسرائيلية أقل تطرفاً، رغم أن ذلك يتعارض مع الشواهد والوقائع على الأرض في ظل انزياح الجمهور الإسرائيلي المستمر إلى التطرف والعنصرية.

وعموماً يبقى البديل الوطني هو الأنسب والأمثل دائماً عبر شراكة وطنية حقيقية في منظمة التحرير لبلورة استراتيجية صلبة ومتماسكة وتوافقية لإدارة الصراع مع إسرائيل على كل الجبهات وبكل الوسائل المشروعة وبعيدا عن ذهنية التسويات الصفقات والتنازلات، والأهم من ذلك أن قيادة أحادية استبدادية  هرمة مترددة ورمادية ساهمت وتساهم في حصار غزة ومنع إعمارها، لا يمكن أن تنجح في تحقيق أي إنجاز آخر ذات بال، خاصة إذا كان ذا طابع مصيري واستراتيجي للشعب الفلسطيني.

  • كاتب فلسطيني