هل كان اختيارهم لغسان لأنه الصيد السهل أم لأنه الرقم الصعب .....

حجم الخط

 


الأديب الفذ غسان كنفاني الذي أجبرته النكبة على الرحيل من حيفا وهو لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعاً.. وهو الذي لم يكن يوماً من عائلة ارستقراطية بل من عائلة متوسطة الحال.. وهو الإنسان الذي عمل بالتعليم في باكورة حياته بمخيمات اللجوء بلبنان..  كان متماهياً تماماً مع حالة طلابه ممن تعثر بهم الزمان... فقد كان الطفل منهم يغفو على مقعد الدراسة ولم يرد أن ينبهه أو أن يجعله يستيقظ لأنه يعرف أن هؤلاء الأطفال الذين قاسوا عذابات اللجوء لم يعيشوا طفولتهم ويمضون أوقاتهم كبائعة متجولين.

 

غسان الفنان ذو الإحساس والذوق الفني... كان أيضاً مدرساً للرسم كان يتجاوز رسم الموز او التفاح آنذاك للطلاب لمعرفته أن طلاب المخيمات أصبحوا لا يعرفون الموز ولا التفاح في قاموس حياتهم.


غسان الأديب والكاتب للرواية .. غسان الصحفي المبدع.. وهو الذي فاز بجائزة الأدب في احدى الدول الاسكندنافية... غسان لم يذهب لموته مختاراً بل اقتنصه الموت من بين شغاف قلوبنا اقتناصاً ....حسبوا بأن القتل يا غسان يقبر ثورتي ...وإذا بهذا الشعب ثائر متمرد ...
كنت يا غسان الأكثر عمقاً بسبر غور ظلامية حقدهم الأزلي ..بنبوءاتك العظيمة ...فكان أبي الخيرزان... وكانت أم سعد .... وكنت المتقدم في طرق جدران أدب المقاومة ...فكان محمود درويش ...وكان سميح القاسم وجبران ..أوليس انت من كتب بالدم لفلسطين يا غسان ؟!.
الكاتب المصري يوسف ادريس هو من أطلق العبارة الشهيرة: " اقرأوا أدب غسان كنفاني مرتين.. مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور.. ومرة اخرى لتعرفوا أن قبوركم تجهزونها".

كما دعا الشاعر محمود درويش في صرخة مدوية له على مسرح السراج لقراءة أدب غسان كنفاني قراءة متمعنة لاستخلاص الدروس والعبر وتجربة غسان النضالية والابداعية للاستفادة منها في ثبات بوصلتنا الوطنية ومنع انحرافها....
كما نشير إلى ما قاله فيصل دراج "بأن انتاجات كنفاني الأدبية حافلة بالمواقف والأبعاد وتتطلب إعادة قراءتها.. فغسان هو الذي دعا أن نسلك طريق التلال كي لا نسقط في موتنا الروتيني .."
لقد كان نتاجك الأدبي والفكري في سباق مع الزمن يا رفيقنا غسان وكأنما كان الموت يتربص لك ويرقبك من كل جانب ..
لقد تغنى فيك الأدباء والشعراء ما تستحق يا غسان ..حين قال الكاتب يوسف ادريس مرة أخرى " ان الغزاة واجهوا غسان كما لو أنهم يواجهون جيشاً "...نعم يا غسان لقد كانوا واهمين بأن يسحقوا أدب غسان من خلال كمية من المتفجرات.. وتناسوا بأن الشهداء وفكرهم وأدبهم لا يموت أبداً..   لقد قضى أديبنا  غسان على مذبح الحرية والاستقلال مقتفياً أثر المناضل الاممي " ارنستو تشي جيفارا حين قال لا يهمني أين وكيف ومتى أموت ولكن يهمني ألا ينام الناس على رفاة البائسين "فكان له ولابنة اخته لميس ذلك عندما أصبحا باستشهادهما وشاحاً من دم ولحم غطتا مساحات الوطن.. فالكلمة منك يا غسان تتجاوز الرصاصة وأعتى الأسلحة.. لقد اغتالوك لقدرتك على  مواجهة أكاذيب الامبريالية والصهيونية والرجعية .
غسان كنفاني الذي امتلك وعي الخصوصيات لتاريخ المجتمع البشري لاسيما وانه كان يدرك أن الحاضر قد يصبر على قوم في هزائمهم, ولكن المستقبل لا يتسامح أبداً إذا أدار القوم ظهورهم له ومضوا عكسه كما أن القامات الطويلة لا تدخل دائرة النسيان خاصة وأن غسان هو الذي فرض نفسه في وجداننا الفكري والشعبي .
ومن الضروري  في حضرة غسان أن نعلو صوتنا لكافة المنقسمين كفى.. فلتنفضوا غبار العار الذي دفن ذاكرتكم... اتركوا عباءة الانفلات والانقسام .. وعودوا لحضن الوطن وانحازوا لشعبكم وقضاياه... وانحازوا لخندق غسان في النضال والمقاومة .. لبوا دعوة صرخة غسان وعودوا إلى رشدكم..

إن احتفاظ الذاكرة الفلسطينية بأدب غسان يثبت بأن الفكر والثورة والنضال متأصلة في شعبنا وعصية على النسيان.. ويثبت بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليست عاقر.. وعندما يرحل قائد يحمل الراية آخر...

واليك يا غسان اهدي .....
غسان يا إنسان يا مقدام يا فكر 
منك استقينا جذور الحب
فكنت فينا قائداً بطلاً 
وكنت نبراساً لكل من وجدوا