من الحكيم إلى الضمير محكومون لهما بالعشق المؤبد

حجم الخط
لكم أطيب تحية من طيب المساء وطيب المناسبة وذكرى المكان وذاكرة صيدا...عبق العروبة الممهورة بالدم بيوم محاولة الاغتيال الآثمة لقائد المقاومة مصطفى معروف سعد قبل 27 عام .. هي ذاكرة الإخاء والتلاحم ذاكرة ملح البحر وعرق الصيادين وعطر الليمون، حين يتمازج مع نسائم برتقال يافا. هي ثنائية الوفاء لها من أصحاب الوفاء... نلتقي لنفي الأحرف ألأولى ، لسيد الكلام والفكرة والبداية، قيثارتنا التي اخترقت السكون، وعزفت وعد حياتنا اليومية على وجه الأفق ، نبت من قلب صحراء العدم جسد عربي متعب ومثخن بالهزيمة، بأطراف ممزقة، من نكبة طازجة و من خلف شفاه شقها الصمت. للصوت الذي ملأ الدنيا كي نمتلك تاريخنا، قائلاً: من لا يجيد صناعة التاريخ سيبقى لعبة بيد التاريخ" ..ذلك هو جورج حبش، الاسم الذي اختصر كل الصفات وتنحت أمامه كل العبارات والألقاب النبيلة،،، الحكيم، نبض العشق الفلسطيني منذ البدايات يزرع فينا الحكاية يوزعها على مساحة فضاءات الوجع الفلسطيني، كي تولد منها كل القصائد المذهلة وتخط على جبين الدنيا كل مفردات الثورة الأجمل، القائد المؤسس والمعلم والمشاكس والرافض والمعارض ، رجل "اللا" المفعمة بالكبرياء . الفلسطيني حتى النخاع والعربي الهوية والأممي .. هو جورج حبش اليساري والقومي والحالم والثائر والطبيب والإنسان والأب... هو أب اللغة الطاهرة والأخلاق التي تلتصق بالسياسة التصاق المسيح بالصليب ..ولأنه على أشفار عيوننا يحرس الحلم ظل ذاك السفح الصخري للقضية متسلحا بعلم الثورة و الرؤى البعيدة والفكر المتقد والواضح .. البندقية بلا الفكر بندقية عمياء..حاجتنا للرؤية الواضحة للأمور، ليبين الفارق بين الغث والسمين ، بين اللغو واللغة. بين الدجل السياسي والفكر السياسي..قوة العقل مثل الإرادة الأسطورية فينا ، سرنا الجارح ودمنا الشفاف كالماء الخفي كالريح ..يرحل ولا ينكسر بل يستحيل القبض عليه. من الحكيم إلى الضمير..... رجل القسم الأول ونشيد إنشاد أطفال النكبة تحت الخيام:" فلسطين لن ننساك ولن نرضى وطن سواك" قائد مؤسس ومربي جليل نقابي أول قبل النكبة ونقابي عمالي وطلابي ، مؤسس في الفعل القومي والوطني والشعبي ، مؤسس في منظمة التحرير الفلسطينية...جليلي حتى الأعماق ومن الماء إلى الماء .... هو أبو ماهر اليماني..الوطن كامل فيه ملأ ذراعيه واتساع أجفانه لا يغيب في زحمة الحنين ولا في ضجيج الطرقات. ثورة ارتفعت إلى معانقة السماء بالحكيم والضمير كانا معا وسويا حركة عربية قومية لتحرير العرب من أثار الاستعمار وأنظمته العفنة ومن أجل فلسطين... فكانا معاً في حركة القوميين العرب.. ثم جبهة شعبية لتحرير فلسطين ببعد عربي وأممي... كتب الرفاق اسمها معاً على جسد الشمس، فلسطين تفيض بهم ومعهم على كل الأزمنة والأمكنة .. في المنافي والمخيمات والمدن ..لا حدود للحلم في السيرة والمسيرة من النهر إلى البحر.....فلسطين من الحكيم إلى الضمير محكومون لها بالعشق المؤبد.. هي الشجن الأول والعشق الأخير. عذراً أيها السادة: نحن أبناء المنفى لم نعش فلسطين عن كثب، سمعنا أنينها . آتانا خبرها وأخبارها وحكايتها، لكننا تنفسناها في قلب وروح وعقل الحكيم وعيون وتنهدات وغصات أبو ماهر اليماني... وعرفنا كم هي تستحق حياتنا..عظيمة وكبيرة وباذخة مثلكم مثل الذين نحبهم .. كم تشبهكم فلسطين يا رفاق.... في حضرتكم تحضر بتفاصيلها وتضاريسها وأقانيمها الجميلة.... نراها الآن، جذلى كطفل، طاهرة كالمجدلية ، بهية كجفرا. هادرة كموج بحر عكا، جسورة كالقسام، عنيدة كعبد القادر الحسيني، مباركة كالقدس بهالة ملائكية ككنيسة المهد.. جلية كالجليل..مثل أم فلسطينية رؤوم، قيل فيها " من لم تودع بنيها بابتسامة إلى الزنازين ، كأنها لم تحبل ولم تلد" فأنجب رحمها الخصب بطل تتباهى به فهو بهامة أميننا العام أحمد سعدات، يخط بصموده حريتنا " أما أن نحيا بكرامة أو نموت رافعي الرأس"..كم هي معطاءة فلسطين التي رسمت لنا فيهم مثل سيل الغيم وانهمار المطر، ككبرياء وعزة وجرأة الفارس أبوعلي مصطفى، جميلة كقلم غسان كنفاني وديعة كوديع ، متمردة كغزة وجيفارا غزة، صلبة كالكرمل ، باسقة كشجرة خروب في بيت أبو احمد اليماني بقرية سحماتا، وكجميزة عتيقة باللد. ساحرة كحيفا، شامخة كالخليل، عميقة كمحمود درويش، ساخرة كناجي العلي ، لماحة كأنيس صايغ، ذكية كأبو جهاد الوزير، تسير على درب الجلجلة كأبو عمار، تصلي الفجر كأحمد ياسين، وفتحي الشقاقي ويغرد دمها كجنائز الشهداء في كل الأمكنة، فلسطين المشتعلة كزهر البرقوق على الأرصفة وفي أروقة المنافي وأزقة المخيمات وميادين التحرير وساحات الحرية والخنادق المقاومة... سأتناول بكلمتي ثلاث عناوين / العنوان العربي والعنوان الفلسطيني وعنوان المخيمات . في العنوان الأول : قال لنا المؤسسون لم نؤسس لكم حزباً بذاته أي ليست غاية بذاتها وليس الحزب هو الهدف، بل الوسيلة من أجل الهدف. وسيلة منظمة وحلقة ضرورية وثورية من أجل التحرر والتحرير والتغير في فلسطين والأمة العربية، تحرر من الاستبداد والاستغلال والتبعية والتخلف... من أجل التقدم والاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما علمنا الحكيم: إن معركة التحرير لا تنفصل عن معركة التحرر..... أي الحرص على ربط السياسي بالاجتماعي والوطني بالقومي في عملية الصراع. لذلك من الطبيعي أن تقف الجبهة مع الشعوب في تحرير إرادتها واستعادة الشرعية من أنظمتها المستبدة والذيلية للامبريالية والرأسمالية والصهيونية ، بل الأنظمة التي أفقدت ثورتنا وشعبنا والأمة مساحة الصراع مات أطلقنا عيله بالحاضنة العربية، والتي كشفت التواطؤ لهذه الأنظمة والعجز للأخرى إضافة إلى عجز البدائل...تماماً عندما سقط نظام مبارك ما قاله أحد الإسرائيليين" إن إسرائيل تسير لأول مرة بدون حارس شخصي" ، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. تؤيد وتتمنى كنس كل الحراس الشخصيين لدولة الاحتلال .. يسقط نظام " البدي غاردية " ..لكن الحرية التي نريدها أن تنتزع من أنياب الأمريكي وليس بواسطته.. لأن الحرية لا تكتمل إلا بالاستقلال الوطني الذي يحمي مضمونها الاجتماعي الاقتصادي.. ثمة فارق كبير بين الحرية والتبعية.. ثم إننا لا ننخدع بين نظام قديم بلباس جديد.. قوى الثورة المضادة تحاول ممارسة لعبة النصابين بتغيير تاريخ ومدة الصلاحية على غلاف المواد، والإبقاء على المواد الفاسدة داخلها.. نحن مع الحرية التي تصنعها إرادة الجماهير ومع السيرورة الثورية التي تقوم بعملية الثورة و بآلياتها الداخلية بدون خيار الثورات المضادة والخيارات المشبوهة في معادلة صفرية : إما الحرب الأهلية أو التدخل الخارجي . هنا يكمن نموذج سوريا، نحن مع الآليات الديمقراطية والسياسية وليس الأمنية والعنفية للإصلاح والحوار كمدخل لصيانة الوطن أولاً خوفًا وحباً وحرصاً على سوريا وليس خوفاً منها. العنوان الثاني: فلسطين والمصالحة: تماماً كما تعفن النظام العربي الرسمي، فإن الانقسام صار أشد عفنا، إلى درجة أنه أزكم الأنوف .. لذلك المصالحة بلا مراوحة وخطوات خجولة ومرتجفة، إن رياح التغيير آتية ولن تترك أحد ومن أزكم أنوفنا والتصق بأداء النظام الفاسد ويتأنى وينتظر لاستكشاف شكله فليلتحق به وهو غير مأسوف عليه، أو من يخلق العراقيل، مثل المفاوضات.. التي نعتبر أنها دق اسفين في ظهر المصالحة قبل أن تقلع , لذلك من قال أن المقاومة شعبية وخلص... المقاومة شاملة بما فيها المقاومة السياسية والدبلوماسية ورفض المفاوضات.. والضغوط وغيرها أضف إلى المقاومة المسلحة بلا خجل ... مقاومة دونها لا يجلو احتلال وهذا مثل لبنان ماثلاً للجميع. والقضية الثانية نحن نريد إنهاء الانقسام وليس القسمة... ثمة فارق بين إنهاء الانقسام و القسمة.. الموافقة على نظامين انتخابين للسلطة نظام وللمنظمة نظام آخر.. نريد نظام انتخابي كامل وشامل ونسبي. واعتبار المجلس التشريعي جزء من المجلس الوطني أي مرجعية فلسطينية واحدة... ثم الانتخابات في الشتات.. لا نوافق على الاستثناء.. علينا اللجوء للجامعة العربية إذا رفض أي نظام مضيف الانتخابات للفلسطينيين .. هذا حق لنا لا نتخلى عنه مجانا.. والعنوان الثالث : هو المخيمات في لبنان ، نحن أمام مشكلتين عنيدتين ومتأصلتين في الواقع اللبناني .1- التعاطي اللبناني مع الوجود الفلسطيني وحقوقه المدنية والاجتماعية وفي ظل الحكومة الحالية، نقول مازال يراوح مكانه دون تقدم بين خطاب نمطي يرفض الفلسطيني ويعمل على تدمير الوجود بطرق شتى وما جرى في نهر البارد نموذجاً وما يجري في عين الحلوة للقول أن الفلسطيني مشكلة وأن الحقوق تساعد على التوطين.. هذه كذبة مللناها مع الأسف الشديد. والموقف الثاني الذي يكتفي بالفعل اللفظي بدون أي تشريعات جديدة ، فقط خطابياً... وهذا محسوب على القوى الوطنية ويستنفذ رصيدها أمام الواقع الفلسطيني. 2- والمشكلة الثانية هي الجانب الفلسطيني وهنا أنا أمارس نقداً.. عند دورنا في تحميل أعباء البندقية على المخيم . ضعف المرجعيات والوعي السياسي ودور الفصائل. ما معنى أن نستنفذ في الخلافات الثانوية والفصائلية ونضعها عقبة في تشكيل مرجعية بلبنان. وهنا نقول لا تختلفوا على الشكل إن كان المضمون حماية شعبنا... لا نستبعد فيها التمثيل الرسمي لأنه قوة لنا... يكون هناك لجنة سياسية واسعة بأمانة سر مداورة لا مانع في ذلك. لكن يكون هناك لجنة متابعة مصغرة وصاحبة قرار وتوحي بالثقة وتحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية .. التي تعترف بها الدولة ويعترف بها الجميع الآن بعد إطلاق المصالحة... دون ذلك فنحن نتحمل المسؤولية. وأخيراً: لا أعرف ما جدوى السؤال والافتراض في الزمن البليد.. لكن على يقين بأن أبو ماهر لن يغمض عينيه، الضمير لا يغفو أبدًا، قلبه على الحلم وعينه على القضية حتى لا يختلس الحق عابر طريق.... ولو سألت الحكيم : ماذا تريد الآن؟ أن لا نحيد عن الطريق؟ افترض وصية أبوية ، لكن أخاله يخالف العادة و سيقول: أن أعود كي أقاتل ... حتماً أن فلسطين تريد ثورة من جديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد. ..........! ------------------------------ * عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مسئولها في لبنان. -------------------------- كلمة ألقيت في مهرجان الوفاء للقائد جورج حبش والقائد أبو ماهر اليماني في قاعة الشهيد معروف سعد – صيدا 21-1-2012م