لمصلحة من زعزعة استقرار دول أمريكا اللاتينية؟

حجم الخط

 

تشهد بعض دول قارة أمريكا اللاتينية كفنزويلا والبرازيل والأرجنتين أزمات داخلية تعصف بمستقبل حكوماتها وتهدد استقرارها؛ فالرئيس الفنزويلي اتهم خصومه بمحاولة انقلابية ضده، فيما البرازيل تشهد أزمة محورها الفساد بالشركة الوطنية البرازيلية للبترول وقد تأخذ البلاد إلى منعطف آخر قد تكون عواقبه خطيرة، أما الأرجنتين واتهام الرئيسة "كريستينا كيتشنر" ووزير خارجيتها بقبول رشوة إيرانية لمنع اتهام الأخيرة بتفجير السفارة "الإسرائيلية" ببوينس ايريس ببداية التسعينات.

لقد تمكنت حكومات العديد من دول قارة أمريكا اللاتينية من معالجة الكثير من المشاكل الداخلية التي تركتها الحكومات البرجوازية السابقة، من توفير فرص العمل وحل أزمة السكن ورفع الدخل لدى الطبقات المتوسطة والفقيرة والمحرومة، ومحاربة الجوع والفقر والعبودية، وشجعت الاستثمار ونهضت بالاقتصاد الوطني وعملت على التحرر من قيود الدول الرأسمالية والبنوك الدولية، والبرازيل وفنزويلا وبوليفيا أكبر شاهد على هذه الانجازات.

من ناحية أخرى تميزت دول أمريكا اللاتينية بمواقفها على الصعيد الدولي، من خلال تصديها للسياسات العدوانية التي مارستها الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني على صعيد المنطقة العربية وقضايا دولية أخرى، وتوحدت بمواقفها وانحازت لمصلحة الشعوب وحريتها واستقلال دولها، لقد شاهدنا وسمعنا هذه المواقف والخطوات الجريئة التي اتخذتها  حكومات هذه الدول أثناء العدوان على قطاع غزة والحرب على سوريا وليبيا وما يُسمى الربيع العربي، وخطاب رئيسة الأرجنتين "كريستينا كيتشنر" بالأمم المتحدة حيث تميز موقفها بالصراحة والجرأة الذي سادته روح التحدي للسياسة الأمريكية ومواقفها، وكان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني التي اتخذتها كل من فنزويلا وبوليفيا تعتبر أيضا قمة المواقف الجريئة التي تسودها روح التحدي للعدوانية والهمجية والجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق فلسطين بعدوانه على غزة.

يشير ما يجري بالأرجنتين إلى ضلوع أصابع صهيونية بالأزمة هناك، لمعاقبة الحكومة الأرجنتينية على مواقفها الوطنية؛ فاغتيال المدعي العام المكلف بملف تفجير السفارة "الإسرائيلية" حتى اللحظة لم تنكشف خيوط الجريمة ومن ورائها؛ فالصهيونية وحكومة الكيان الصهيوني تجيد عمليات الاغتيال، وألا نستبعد أن من كان وراء قتل المدعي العام الأرجنتيني هو الموساد الإسرائيلي، حيث تاريخه كبير بجرائمه العالمية دون أن يترك بصمات أو أي أثر يثبت تورطه، فكل التحقيقات حتى اللحظة لم تكشف كيفية اغتيال المدعي العام الذي كان الشرارة للازمة الحالية بالبلاد.

أما بالبرازيل، فاكتشاف البترول بكميات كبيرة، وغناها بالمياه العذبة، والانجازات التي حققتها الحكومة البرازيلية بمجالات الصحة والتعليم والسكن ومحاربة الفقر والجوع وتحرير الآلاف من السكان من العبودية والرق، والنهوض بالاقتصاد الوطني، يحاول اليمين البرازيلي المعارض لكل هذه السياسات والانجازات أن يأخذ البرازيل باتجاه آخر، ويوجه الاتهامات للحكومة البرازيلية وحزب العمال بالتلاعب بأموال شركة البترول البرازيلية ونهبها وسرقتها، وتنضم كبرى وسائل الإعلام ومحطات التلفزة المحلية البرازيلية إلى حملة التشويه ضد الحكومة البرازيلية لتمويه الرأي العام البرازيلي من خلال تسليط الضوء على الفساد بشركة البترول البرازيلية، وهذا يأتي ضمن مخطط مدروس وتوزيع للأدوار بين المعارضة البرازيلية بالكونغرس ومجلس النواب والبرجوازية المحلية المتحالفة مع الصهيونية والامبريالية الأمريكية.

أما في فنزويلا الحالة ليست أفضل، والمجتمع منقسم على نفسه، والبرجوازية تضغط بكل إمكانيتها من أجل إسقاط الحكومة الحالية التي دعمتها الطبقات الفقيرة والكادحة بالمجتمع الفنزويلي، وأن دفاع الحكومة عن ثروات البلاد وخيراتها، وتعرية الدور الصهيوني والامبريالي الأمريكي المتحالف مع البرجوازية المحلية التي نهبت البلاد على مدار عشرات السنين، كل هذا ساهم بتوسيع حدة التناقضات والصراعات الداخلية والخارجية وأصبحت الحكومة البرازيلية منذ عشرات السنين مستهدفة من الامبريالية الأمريكية والبرجوازية المحلية المتحالفة معها ووسعت من حدة المواجهات والصدامات التي تهدد مستقبل البلاد واستقرارها وتوجهاتها الوطنية.

تخوض قارة أمريكا اللاتينية اليوم معركتها ضد البرجوازية المحلية التي تربطها علاقات قوية ومتينة مع الامبريالية  التي تعمل جاهدة من أجل إفشال أو كحد أدنى تعطيل وتأجيل تنفيذ المشاريع والبرامج التي تخفف عن الطبقات الفقيرة والمحرومة من معاناتها، فهي مطالبة هذه الحكومات وقوى اليسار الحفاظ على كافة الانجازات التي حققتها من اجل شعوبها والطبقات الفقيرة والمحرومة، من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، للدفاع عن ثروات البلد وخيراته؛ فقوى اليسار بالقارة على وعي كامل بحجم المؤامرة التي تستهدف دولها وشعوبها، فهي مطالبة بالوقوف إلى جانب هذه الحكومات من اجل الدفاع عن البلد وحريته واستقلاله ومنع عودته لفلك التبعية والهيمنة، وضرورة تغليب التناقضات الخارجية على التناقضات الداخلية بمواجهة الامبريالية والرأسمالية والبرجوازية المحلية التي تريد أن تأخذ البلاد إلى منعطف آخر حفاظاً على السيادة والاستقلال الوطني.