عن راهن الهجوم الصهيوني

حجم الخط

    كما كان متوقعاً، ما أن حلَّ تنافس الأحزاب الصهيونية على كسب الانتخابات المُقرَّر إجراؤها في 17 مارس/آذار القادم، حتى رفعت حكومة المستوطنين القائمة بقيادة نتنياهو وتيرة هجومها السياسي والميداني الذي بدأته حكومته السابقة في العام 2008. وهو الهجوم الذي يصبو إلى تحقيق المزيد من الأهداف الصهيونية، وتكريس المزيد من الحقائق على الأرض، لإغلاق أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 67، وفرْض "إسرائيل" "دولة للشعب اليهودي". إذ بينما ينشغل طرفا الانقسام الفلسطيني في لعبة تبادل الاتهامات عن تعطيل خطوات المصالحة الوطنية، بوصفها عامل القوة الفلسطينية الأساس، وفيما تغرق مراكز القوة العربية في عملية انتحار ذاتي لم تعهدها في تاريخها، أداتها عصابات التكفير الإرهابي، تواصل حكومة الاحتلال سياستها الهجومية ضمن مفاصل أساسية، أهمها:

*تكثيف عمليات مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد وفق مخطط لزيادة عديد المستوطنين حتى العام 2017 من نحو 750 ألف إلى مليون مستوطن في الضفة وقلبها القدس.

*تجميد صرف العائدات المالية لـ"السلطة الفلسطينية" لابتزازها وتجويع الفلسطينيين في محاولة لإجبارهم على اختيار لقمة العيش على حساب حقهم في النضال لأجل الحرية والاستقلال والعودة.

*مواصلة اقتحامات المستوطنين الاستفزازية للمسجد الأقصى في إطار خطة لتقسيمه زمانياً ومكانياً، وربما لبناء "الهيكل" المزعوم على أنقاضه.

* تصعيد عمليات القتل وحملات المداهمة والاعتقال والتنكيل بالأسرى في محاولة لـ"كَيْ وعي" المقاومة واجتثاثها ثقافة وأدوات فعل.

*أما عن قطاع غزة فحدث ولا حرج: فمن تشديد الحصار إلى تعطيل إعادة الاعمار إلى مواصلة انتهاكات تفاهم وقف إطلاق النار، وصولاً إلى تعالي نبرة التهديد بشن عدوان جديد، واعتبار وقوعه مسألة وقت، كما يعلن صراحة أكثر من مسؤول سياسي وعسكري وأمني صهيوني. وكل ذلك في إطار محاولة لتحريض سكان القطاع على فصائل المقاومة وفك التفافهم حولها.

*هذا ناهيك عن الزيادة غير المسبوقة في عملية هدم البيوت في قرى النقب "غير المعترف بها" في إطار "تنفيذ هادئ" لمخطط "برافر" الذي يقضي بمصادرة 800 ألف دونم من أراضي النقب وتهجير نحو 30 ألف فلسطيني عنها. هذا ناهيك عن التسابق القائم بين الأحزاب الصهيونية على تقديم المزيد من مشاريع القرارات "الدستورية" العنصرية ضد فلسطينيي 48 عموما.

   وللتغطية على هذا التصعيد في ما يرتكب واقعياً بحق الفلسطينيين من جرائم حرب وتطهير عرقي مخطط أطلقت حكومة المستوطنين هذه حملة إعلامية عالمية منظمة وممنهجة متعددة العناوين هدفها الأساس:

1: إظهار مواطني دول العالم من اليهود في صورة من يعيش تهديداً وجودياً، أي كأنهم ما زالوا يعيشون فترة صعود النازية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. وقد شكل سقوط ثلاثة مواطنين فرنسيين يهود، ثم مواطن دنمركي يهودي على يد عصابات التكفير الإرهابية، فرصة استغلها قادة "إسرائيل"، ونتنياهو خصوصاً، أبشع استغلال، حيث دعوا مواطني دول أوروبا وأميركا الشمالية من اليهود إلى الهجرة إلى "إسرائيل"، وكأنهم رعايا لها وليسو مواطنين في دولهم، بينما يعلم الجميع بما في ذلك جهات سياسية وإعلامية يهودية وصهيونية داخل "إسرائيل" وخارجها، أن تضخيم هذا الحدث الهامشي إنما يستهدف جلب المزيد من المستوطنين اليهود لفلسطين والتغطية على ما يتعرض له شعبها من إرهاب منظم تمارسه عصابة بمسمى دولة.

2: تصوير "إسرائيل" العنصرية العدوانية التوسعية في صورة "دولة" تدافع عن نفسها في مواجهة تهديدات كبيرة تمثلها "قوى الجهاد العالمي"، أي تنظيمات الإرهاب التكفيري، بينما لم يطلق أي من هذه التنظيمات ولو رصاصة واحدة على "إسرائيل"، بل وتستخدم الأخيرة هذه التنظيمات، خصوصاً في الجولان السوري المحتل، وربما في شمال سيناء، حيث تحاول تحويل المناطق التي تسيطر عصابتا "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة و"أنصار بيت المقدس" التابعة لتنظيم "داعش" إلى مناطق عازلة تشبه المنطقة التي أقامتها في جنوب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي بالتعاون مع عصابة "جيش لحد". هذا ناهيك عن المستور من علاقات "إسرائيل" بهذه العصابات، وعما تقدمه لها من خدمة إستراتيجية بفعل ما تنفذه من تدمير وتخريب وتقتيل وتذبيح فاق كل تصور في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ومصر والحبل على الجرار.

3: إظهار "إسرائيل" في صورة دولة تتعرض إلى تهديد وجودي وشيك تمثله إيران لتبرير التحالف القائم بين "المحافظين الجدد" ومعسكر نتنياهو لاستعادة السيطرة الأميركية الصهيونية المطلقة على العالم والمنطقة، والدعوة إلى استخدام القوة العسكرية لمعالجة الملف النووي الإيراني، حتى لو تطلب الأمر ألا يُعلم الرئيس الأميركي ووزير خارجيته بأمر دعوة نتنياهو إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام "الكونغرس لتحريض أعضاءه على فرض عقوبات جديدة على إيران، وعلى رفض أي اتفاق "دولي" بشأن ملفها النووي، ذلك ليس لأن إيران أصبحت على عتبة "دولة نووية"، ولا لأنها تشكل تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، بل خشية خسارة الأخيرة لأهم أوراق تهميش الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية. تبلغ وقاحة استخدام هذه الورقة أوجها في تحذيرات نتنياهو من "النووي الإيراني"، بينما يحوز كيانه أكبر ترسانة نووية في المنطقة، إن لم تكن بين الأكبر عالمياً، ناهيك أنها لا تخضع، برعاية أميركية، لأي شكل من أشكال الرقابة الدولية. بل وتنكر "إسرائيل" رسمياً حيازة مثل هذه الترسانة وغيرها من أنواع اسلحة الدمار الشامل.