ميلاد جديد، بلال الكايد في عناق مع الشمس

حجم الخط

تردد اسم الاسير بلال الكايد في الفترة الماضية كثيرا وعلى نحو جيد يرتقي الى بعض تضحيات هذا البطل، فمن افنى زهرة شبابه من اجلنا يستحق الكثير، ومن قدم روحه على راحته قربانا للوطن من اجل ان نحيا بسلام يستحق ان ندافع عنه ونذكره في كل ذكر، يستحق ان ننحني اجلالا واحتراما واكبارا لهذا البطل، الحي في قلوبنا، المنسي من عقولنا، المغيب في سجون العدو.

بلال صاحب الاضراب عن الطعام الذي امتد لواحد وسبعون يوما طلبا لحريته التي هي له حق، فبعد ان قضى كامل محكوميته والتي كانت اربعة عشر عاما ونصف قضاها متنقلا في باستيلات العدو الصهيوني بتهمة الانتماء لكتائب الشهيد ابو علي مصطفى قامت المحكمة الصهيونية بتحويله الى الاعتقال الاداري دون مسوغ سوى انه مازال يشكل خطرا على كيان العدو، ولكنه لم يصمت، ولم يقبل الذل، صرخ واعلن ثورة السجون بقيادته وبمساندة رفاقه الاسرى

بلال صاحب الاضراب الاقوى في تاريخ الحركة الاسيرة من حيث التفاعل الدولي والاممي مع قضيته، كما انه الحالة الاولى في تاريخ الحركة الاسيرة ايضا والتي يقوم فيها العدو بتحويل اسير في يوم الافراج عنه الى الاعتقال الاداري، قام بتصعيد قضية الاسرى لتحط رحالها في كل المنازل، ويعيد للقضية الفلسطينية القها، ويعيدها الى مكانتها المركزية للامة العربية، واعاد البوصلة الصحيحة للكثير من التائهين

بعزيمة فولاذية واصرار قل نظيره للانتصار، ليس الانتصار فقط وانما اعادة الروح للقضية الفلسطينية وجزئيتها الاسرى التي اصبحت في غياهب الموت السريري بسبب اهمال البعض، قام بذلك بمساندة رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في السجون وخارجها وخارج الوطن، ونقلوها من بعدها المحلي المترهل الى الوضع العالمي النشط

فرأينا بلدية نابولي في إيطاليا تمنح الجنسية الفخرية لبلال بسبب الظلم الذي تعرض له، وجورج ابراهيم عبدالله والمختطف في سجون الرجعية الفرنسية يضرب عن الطعام تضامنا مع بلال، واصبحت حملات التضامن تجوب الكرة الارضية شرقا وغربا تطالب بحرية الاسير البطل مما حذى بالعدو الصهيوني الاعتداء عليه جسديا في اكثر من موقف لاجباره على انهاء الاضراب ولكنه كان صامدا

كان صامدا كما عرفه في ساحات النضال وميدان الثورة وباستيلاته التي سكنها، قرابة الخمسة عشر عاما قضاها في السجون كانت كافية ليعرف العدو حق المعرفة مع اي الرجال يتعامل، ذلك الفدائي العنيد الذي لا يثنيه عن هدفه سوى الموت في سبيل تحقيقه

خاض اضرابه المفتوح عن الطعام في ظل تعتيم اعلامي صهيوني كبير، حرم الاهل من خلاله زيارة بلال، والاعلاميين حرموا ايضا من ذلك الحق، حتى المحامون الموكلون كان يتم التضييق عليهم بشكل كبير لمنع تواصل بلال مع العالم الخارجي في محاولة كسر ارادته التي لا تكسر

كان يستمد عزمه من كلمات والدته، ومن روح والده التي كانت ترافقه اينما حل وارتحل اثناء التنقلات بين السجون، من رائحة التراب النضرة، من حب الارض الذي نبت في قلبه وعاش وترعرع وكبر فأصبح كشجرة زيتون عمرها الف عام وعام ولم تنكسر

فمع اشراقة شمس الثاني عشر من كانون الاول، وتزامنا مع ذكرى ميلاد التنيظم الذي رأى بلال انه الوسيلة الاصدق للعودة للوطن والتحرير الا وهو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، سيعانق أسيرنا البطل الشمس خارج قضبان السجن، وحرا دون قيد للمرة الاولى منذ اعتقاله، لتعلن معها الميلاد الجديد للاسير البطل، ميلاد من نوع اخر، بداية حياة ما بعد الاسر، حياة ما بعد الغياب القسري

سينطلق بلال في الارض يحصدها ويحرثها ويرعاها كما يريد هو، سيكمل مشواره في البحث عن الوطن المسلوب ينشد تراتيل الحرية، سيجري فرحا بحضن والدته، ويسند عضده بإخوانه، ويحتمي برفاقه في التنظيم الذي انتمى اليه منذ بداية تشكل وعيه الفكري، مؤمنا كما آمن من سبقوه في التنظيم بالقاعدة الاساسية والتي اسسها وديع حداد "خلف العدو في كل مكان"، وكما قال حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش "بوصلة لاتشير الى القدس مشبوه"

بلال عائد الينا جميعا، فهو ابن فلسطين، وابن قضيتها، وسيعود الى كنفنا وكنفها، لنبني الوطن الذي ننشده، وطننا الذي نعرفه، فلسطيننا من البحر الى النهر غير منقوص ذرة تراب واحدة، فلنستقبل الاسير البطل.