اليمن في عين "عاصفة الحزم"... ماذا عن الآخرين؟!

حجم الخط

بين "عاصفة الحزم 2015" و"عاصفة الصحراء 1991"، فاصل زمني طويل نسبياً، يقارب الربع قرن، لكن الرغبة في المقارنة بين العاصفتين تلح على ذهن الباحث في التاريخ الجاري للمنطقة ... في العاصفة الراهنة على اليمن، تلعب السعودية دوراً محورياً، يتغطى بمشاركات رمزية من مروحة واسعة من الدول، الهدف منها سياسي بامتياز... في العاصفة السابقة، لعبت الولايات المتحدة الدور المحوري، وقضت معظم الوحدات الرمزية المشاركة في التحالف الدولي معظم أوقاتها في احتساء الشاي في "المضارب" المحيطة بحفر الباطن، حتى أن البعض يروي عن جنود مصريين أطلقوا صيحات التكبير، عندما رأوا الصواريخ العراقية تضرب مواقع أمريكية في منطقة الخرج السعودية.

هدف "عاصفة الحزم" تحرير اليمن من الحوثيين (اقرأ إيران) وهدف "عاصفة الصحراء" تحرير الكويت من القوات العراقية... الفارق بين العاصفتين، أن القوات العراقية كانت غازية للكويت، في حين أن الحوثيين، هم مكون رئيس من مكونات الشعب اليمني، ليسوا طارئين على البلاد، ولا هم "جالية إيرانية" فيها.

"عاصفة الصحراء" انتهت بتحرير الكويت، بيد أنها فتحت الباب لحروب متناسلة في المنطقة، لم تتوقف حتى يومنا ... الأمريكيون الذين أعلنوا أكثر من مرة نهاية العمليات وتوقف المعارك والحروب، بدأوا بالتزامن مع "عاصفة الحزم"، موجة جديدة من المعارك الجوية في تكريت، بعد أن توصلوا إلى اتفاق مع حكومة العبادي على ذلك ... للمفارقة، كلا العاصفتين أعلن عنهما أو هبّتا من واشنطن، مع أن الأخيرة لا صلة لها بالأولى، من حيث الأهداف والقيادة والأطراف المشاركة، أو على الأقل، هذا ما يقال في خطاب الحرب الجديدة الرسمي المعلن.

من نقاط التشابه، بين العاصفتين، أنهما بدأتا رسمياً بالإعلان عن استهداف الغزاة، بيد أنهما باشرتا ومنذ اللحظة الأولى للعمليات الحربية، باستهداف بنية الدولة وعصبها وجيشها ومقدراتها العسكرية ... "عاصفة الصحراء" أسست لانهيار الدولة العراقية والذي استكمل رسمياً بعد ذلك بسنوات على يد بريمر ... و"عاصفة الحزم"، بدأت بزعم استهداف الحوثيين، لكن الأهداف التي تم الانقضاض عليها، تعود في معظمها للجيش اليمني، من مطارات وقواعد وسلاح جو وقوات خاصة وقوات صاروخية ودفاعات أرضية، إلى غير ما هنالك.

كيف ستنتهي "عاصفة الحزم" ومتى؟ ... سؤال من المبكر الحديث عنه أو حتى طرحه، سيما وأن تجارب هذه المنطقة، أثبتت المرة تلو الأخرى، أن من يبدأ الحرب ليس بالضرورة هو من سينهيها، وأن للحرب ديناميكيات، قد تقلب الأمور رأساً على عقب، وأن حصر الحرب في ساحة واحد أو ميدان واحد، قد يبدو مهمة مستحيلة، في ظل تشابك الملفات وتداخل ساحات الحروب في هذه المنطقة، وأن من يظن أنه بمنأى عن شرارات القتال وشظايا القذائف والصواريخ، غالباً ما يكون واهماً.

أية أهداف لهذه الحرب؟

هل المطلوب، ممارسة ضغوط على الحوثيين وأنصارهم للقبول بتقاسم اليمن وتقسيمه، فيخرج "الرئيس الشرعي" بنصف اليمن بعد أن تعذر عليه حكم اليمن؟ ... هل المقصود التأكد من تجريد اليمن من سلاحه الكاسر للتوازنات قبل تركه لمصيره تحت قيادة الحوثيين وحلفائهم، هل يفسر ذلك سبب استهداف الجيش بأسلحته النوعية والاستراتيجية في المقام الأول، ومع أول وجبة قتال؟

هل المقصود إعادة تنصيب هادي رئيساً على كل اليمن، بعد تطهيره من الحوثيين وعلي عبد الله صالح، هل هذا ممكنا من الجو، أم أن الأمور ستتدحرج إلى حرب برية، ما حجمها وساحاتها ومن هي القوات التي ستشارك فيها؟ ... هل دخول اليمن، مثل الخروج منه؟ ... وهل الاتفاقات السياسة السابقة لـ "عاصفة الحزم" ستظل سارية بعدها، وبالأخص اتفاقات ترسيم الحدود؟ ... كيف ستؤثر كل هذه التطورات على مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي تعدّه واشنطن، أخطر فروع القاعدة وأكثرها تأهيلاً لاستهداف الغرب بشكل خاص؟

ينتابنا إحساس عميق، لا يستند إلى أية معلومة، أن هذه الحرب جرى التحضير لها منذ أمد ليس بالقصير، وأنها ليست مرتبطة باجتياح الحوثيين لعاصمة الجنوب اليمني، وإلا كيف أمكن "انتزاع" موافقة واشنطن وتأييدها لها في غضون ساعات، وكيف أمكن حشد تأييد عشرة دول للدخول فيها بأعداد محددة من الطائرات... ربما كان التوقيت مفاجئاً حتى لبعض المشاركين في المعارك وأعضاء الائتلاف العشري، لكن التحضيرات لحرب قادمة، كانت أسبق بكثير من دخول عدن وهرب الرئيس هادي للمرة الثانية في غضون شهر واحد فقط.

حتى إشعار آخر، ستنتقل بؤرة الاهتمام والتركيز الإقليمي والدولي، من العراق وسوريا والحرب على داعش، إلى اليمن والحرب السعودية على الحوثيين، ولا أدري كيف سيخدم تطور من هذا النوع، القوى المصطرعة في هذين البلدين، كما لا أدري كيف ستؤثر الاصطفافات الجديدة على مصير التحالف الدولي المناهض لداعش، والأهم على مسارات الكونية ضد الإرهاب، وعلى المفاوضات الإيرانية – الأمريكية التي دخلت أسبوعها الأخير، وعلى "الفراغ الرئاسي" المتطاول في لبنان، وعلى التقارب المستجد في العلاقات بين الأردن وإيران، دع عنك حكاية "أمن الخليج" والعلاقات بين مكوناته المختلفة، وتحديداً في دول الانقسامات المذهبية المعروفة.