النائب خالدة جرار تخص مؤتمر مناصرة الأسرى في أوروبا بكلمة هامة

حجم الخط

خصت القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والنائب في المجلس التشريعي والمعتقلة في سجون الاحتلال خالدة جرار المؤتمر الأوروبي الثاني لمناصرة أسرى فلسطين والذي عُقد في العاصمة الألمانية برلين، بكلمة من داخل زنازين الاحتلال ألُقيت على هامش المؤتمر استعرضت خلالها ظروف الأسرى ومعاناتهم، وإليكم النص الكامل للكلمة:


كلمة الأسيرة النائب خالدة جرار

التي ألقيت في مؤتمر مناصرة الأسرى في أوروبا

لطالما تحدثت خلال السنوات الماضية عن قضية الأسرى الفلسطينيين، عن أعدادهم وظروف اعتقالهم، عن إحصائيات وأرقام ونسب، عن مليون فلسطيني اعتقلوا على يد قوات الاحتلال منذ أن بدأ عام 1967، عن أن ربع الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة قد اعتقل مرة أو أكثر، عن مئات النساء اعتقلن ولا زال منهن 24 قيد الاعتقال الآن، عن آلاف الأطفال اعتقلوا بما يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية، عن 240 طفلا هم قيد الاعتقال الآن، عن ستة آلاف أسير هم رهن الاعتقال الآن ، منهم مرضى مصابين بأمراض مستعصية لا شفاء منها أبدا داخل الأسر، ما يعني الحكم عليهم بالإعدام ، ومنهم مسنين وكهلة ، منهم من مضى على اعتقاله أو إعادة اعتقاله نحو ثلاثين عاما وأكثر ، ومنهم نحو ( 600 غير متأكد من الرقم ) أسير إداري يقضون أشهر وسنوات داخل السجن دون أي اتهام أو سند قانوني سوى اتكاء سلطات الاحتلال على قانون سنه الانتداب البريطاني على فلسطين قبل سبعين عاماً، أي مع نهاية العهد النازي، ولكنه يشبه هذا العهد.

منذ ما يزيد عن تسع سنوات وإنا اشغل منصب رئيس لجنة الأسرى في المجلس التشريعي كوني منتخبة من ونائب عن شعب فلسطين الباحث عن حريته، وقبل ذلك شغلت لنحو عشر سنوات منصب مدير عام مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان ، وهي واحدة من المؤسسات الهامة التي تتولى الدفاع عن الأسرى، أي أن آخر عشرون عاماً من حياتي وعملي كرستها تقريبا للعمل إسنادا لأسرى فلسطين في سجون الاحتلال ، وبحثا عن حرية افقدهم إياها هذا الاحتلال الأخير ألباق على وجه البسيطة.

خلال تلك السنين، وخاصة منذ أن أصبحت نائبة وممثلة عن الشعب، دافعت بقوة عن الأسرى وحقوقهم وظروف اعتقالهم، وعن أنواع الاعتقال وأساليب التحقيق وانتزاع وتلفيق الاعترافات والتهم، دافعت عن حق الأسرى بالعلاج وبالحياة وبالتحرر من أسرهم، لان لا ذنب اقترفوه سوى دفاعهم عن حرية شعبهم المقهور والمظلوم، دفاع أقرته القوانين الدولية، وخاصة الأمم المتحدة التي ننتمي إليها جميعا، ونستظل بقوانينها ومواثيقها.

لطالما طالبت الشعوب في كل مكان، طالبت نواب الشعب وممثليه، حكوماته ورؤسائه، بان يقفوا إلى جانب الأسرى من أبناء فلسطين، إلى جانب الباحثين عن العدالة والحرية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، لطالما طالبت بإدانة هذا الاحتلال، ومعاقبته، والمطالبة بإنهائه، واعتقدت ولا أزال أن هذا واجبنا جميعاً، واجبكم انتم كما هو واجبنا نحن أبناء فلسطين.

اليوم ، وأنا لا زلت على ذات الموقف ، وبذات القناعة، وبذات الإرادة والتصميم ، ولكني في مكان مختلف، أقف في زاوية أخرى ، أرى المشهد أكثر وضوحاً، اليوم أنا أسيرة في سجون الاحتلال، أنا واحدة من 24 أسيرة فلسطينية ، واحدة من بين ستة آلاف أسير، واحدة ممن يعانون بطش السجان، ممن يرون حجم الظلم ويعايشونه يوم بيوم، ساعة بساعة، بل لحظة بلحظة.

اليوم، وقد اعتقلت من بيتي، من كنف أسرتي وزوجي، اليوم وقد انتزعت من بين أبناء شعبي ، وحرمت من خدمة من انتخبني، اليوم عايشت كيف يأتي جند الاحتلال مدججين بكل ما أتوا من شراسة ووحشية إلى منزلي ليلاً، ويقتادوني مقيدة ومعصبة الأعين إلى حيث لا اعرف.

اليوم وقد تسلمت أمرا بالاعتقال الإداري استناداً إلى قانون يكبرني سناً، إلى قانون لا يشبهنا نحن بني البشر في هذا العهد، اليوم وقد خجلت حكومة الاحتلال من هذا تحت ضغط أصواتكم وأصوات العالم الحر، ولكن لأنه الاحتلال فهو يبحث في جنبات عنصريته عن قوانين اشد ظلماً، فهو يحيلني إلى محاكمة نعرف جميعنا مسبقاً عدم شرعيتها، إلى قضاة نعرف جميعا عدم أهليتهم للحكم علينا، فليس للجلاد أن يحاكم ضحيته.

ومع هذا فإننا حين نجد ثغرات حتى في قوانينهم البالية، فان كلمة ممثلي كيانهم المحتل المسمى بالادعاء العام، لهم القول الفصل ، فلا سلطة تعلو على سلطة الاحتلال وشرائعه الدونية ، فالاحتلال يتهرب حتى من قوانينه المجحفة ، ومن قضاءه المائل . لا بأس ، فهذا ثمن ندفعه نحن الباحثين عن الحرية، نحن الذين ندافع عن كرامتنا وكرامة العالم اجمع، نتسلح بدعمكم لنا، نصمد ونواصل عندما نسمع صوتكم مجاهرا وعاليا داعما لنا ولنضالنا.

اليوم، إذ أخاطبكم وانأ أسيرة ، لا اعرف مصيري ، لا اعرف كم سأقضي هنا في هذا السجن القذر الذي لا يصلح لبشر، لا اعرف إن كنت قد أجد طبيباً أمينا على حياتي وصحتي حين امرض، أو حبة دواء قد تنفع وجعي، لا اعرف إن كنت آكل طعاما غير ملوث، أو اشرب ماء غير مسموماً، لا اعرف متى سيقتحم سجاني زنزانتي ويؤرق نومي ويغتصب خصوصيتي، لا اعرف متى سأحتضن ابنتاي يافا وسهى ، لا اعرف متى سأقبل زوجي، ولا متى ستحتضنني أمي أو اقبل جنين أبي . لا اعرف إلا أنني هنا احتاج لكم ، لكل صوت حر في هذا العلم يردد معي ومع كل أبناء شعبي ، فليسقط الاحتلال ، ولينعم شعب فلسطين بالحرية .