حوار شامل مع الرفيق خالد بركات القيادي في الجبهة الشعبية ومنسق حملة التضامن الدولية مع الرفيق القائد أحمد سعدات

حجم الخط

أجرت دائرة الإعلام المركزي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مقابلة سياسية شاملة مع الرفيق الكاتب خالد بركات القيادي في الجبهة الشعبية ومنسق حملة التضامن الدولية مع الرفيق القائد أحمد سعدات في الخارج، تناولت المقابلة حزمة من القضايا والعناوين النضالية الراهنة والتطورات السياسية والميدانية في الوطن والشتات. 

اليوم ننشر الجزء الأول من نص الحوار مع الرفيق خالد بركات:

س1: حالة من الغليان والتوتر تشهدها الضفة المحتلة وعموم الوطن بعد حرق واستشهاد الرضيع الفلسطيني علي دوابشة (18 شهراً). هذه الجرائم الاسرائيلية مستمرة، لكن اللقاءات السياسية والأمنية بين السلطة والعدو مستمرة أيضاً، كان آخرها اللقاء الذي جمع بين صائب عريقات و"سليفان شالوم" في عمان. كيف تقرأ سلوك العدو سياسياً وميدانياً، وكذلك أداء قيادة السلطة، وما هو المطلوب من القوى الوطنية؟

ج: المطلوب اليوم هو ما كان مطلوباً يوم أمس. مُغادرة حالة العبث والشرذمة والشروع فوراً في تحقيق الوحدة الميدانية والسياسية على الأرض لمواجهة العدو وإفشال سياساته. فجريمة حرق الطفل الشهيد علي الدوابشة، فجر اليوم، سبقها إغتيال الشهيد محمد أبو لطيفة في مخيم قلنديا وقصف شبه يومي في قطاع غزة باستهداف للصيادين والمزارعين، وفرض عقوبات جماعية على الأسرى والأسيرات واقتحام يومي للمقدسات الاسلامية والمسيحية وخاصة المسجد الأقصى وغيرها من جرائم وصلت لبنان وسوريا. هذه الجرائم تعبر عن ماهية وطبيعة العدو الصهيوني. هذا الكيان لا يمكن إلا أن يكون مجرماً وقاتلاً. الأمر يستوجب رداً سياسياً وكفاحياً موحداً يرتقِ إلى مستوى تضحيات شعبنا.

نقول ذلك، رغم معرفتنا المسبقة أن قيادة المنظمة/ السلطة / تسعى لتوظيف مثل هذه " الأحداث " لتحسين وضعها التفاوضي والحفاظ على امتيازاتها. كما فعلت غالباً، وعلى حركة فتح بشكل خاص أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية وألا ترى في ذلك نقداً لقواعدها المناضلة ودورها الوطني. فالمقاومة الشعبية والمسلحة وحدها قادرة على ردع الاحتلال والمستوطنين ولا أي شيء آخر.

والنهوض الشعبي الفلسطيني لحماية الأرض والحقوق والمقدسات الذي تدعو إليه الفصائل الفلسطينية في بيانات منفصلة يشترط أولاً وحدة كل القوى الوطنية والوقوف أمام مسؤوليتها وواجبها. فمواجهة الاحتلال وجرائم المستوطنيين والرد عليها يجب أن يكون وفق خطة عمل واستراتيجية موحدة.

س2: هدد الرفيق الأمين العام أحمد سعدات بخوضه إضراباً مفتوحاً عن الطعام إن لم تتراجع مصلحة السجون عن قرارها بمنعه من زيارة عائلته، وأعلنت منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (فرع السجون) عن استعدادها خوض هذا الإضراب جنباً إلى جنب مع قائدها لكن جرى نقله إلى سجن نفحة لاحقاً، وأعقب ذلك حالة من التوتر والغليان في السجون خاصة في نفحة وتعرض الأمين العام والأسرى إلى الاعتداء، كيف تتابعون هذه التطورات، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها وخاصة خارج الأرض المحتلة؟

ج: الرفيق الأمين العام يرمي حجراً في الماء الراكد، تماماً كما فعل أكثر من مرة في الماضي والفكرة الأساسية معروفة وبديهية، تسليط الضوء على ما يجري من مصادرة لأبسط حقوق الأسرى، ومواجهة هذه الهجمة الصهيونية المسعورة من قبل سلطات السجون. الإضراب عن الطعام يكون– عادة- السلاح الأخير الذي يلجأ إليه الأسير بعد استنفاذ كل الوسائل لتحقيق الهدف. المهم هو تحقيق مطالب الأسرى وألا يجري الاستفراد بالحركة الوطنية الأسيرة وقيادتها ونواتها الصلبة.

زيارة الأهل حق طبيعي للأسير. حق بسيط يصادره العدو. ولا يوجد عقل أو ضمير انساني في هذا العالم يمكنه تبرير هذا العقاب الجماعي الذي يطال الأسرى وعوائلهم وحتى أطفالهم وأحفادهم.  

المطلوب منا هو القيام بواجبنا ومسؤوليتنا للضغط على الاحتلال ومؤسساته الأمنية وتنظيم أوسع حالة شعبية على المستوى الوطني والقومي والدولي لإسناد الحركة الوطنية الأسيرة. مطلوب من الجميع الوقوف أمام مسؤولياتهم. ويظل القول الأخير في تحديد عناوين وسقف المطالب رهناً بارادة الأخوة والرفاق في سجون الاحتلال، يحددوا ويقرروا طبيعة المعركة وتفاصيلها وتوقيتها وهم أدرى بواقعهم.

س3: غزة ما زالت الجرح الكبير، وغبار المعركة لم ينقشع بعد عام على الحرب الأخيرة. الحصار مستمر. المعابر مغلقة، وتعطّل مستمر في عملية الإعمار. هناك أيضاً مخاوف من صفقات سياسية تحيّد غزة وتعزلها عن معركة شعبنا ضد الاحتلال، هدفها تصفية المقاومة عبر مشاريع تهدئة طويلة الأمد، أو ابتزاز شعبنا بتخفيف معاناته، كيف تنظرون لهذه المواقف وماذا تنصح أهلنا في القطاع لمواجهة مثل هذه المؤامرات؟

ج: شعبنا في قطاع غزة لا يحتاج إلى نصيحة من أحد بقدر ما يحتاج منا اليوم إلى توفير المناخات الايجابية على المستوى الوطني لحماية انجازاته الميدانية والتي حققها بالدم والعذاب. يجب عدم القبول بتحويل شعار " اعادة الاعمار" إلى مشروع ابتزاز سياسي يستفيد منه العدو والقوى المعادية من خلال فرض إرادتهم بالأسمنت والدواء والغذاء، بعد أن فشلوا في فرض شروطهم بالقنابل والمجازر. مرة أخرى نقول، على النخب والاحزاب والقوى السياسية الفلسطينية أن ترتقِ بواقعها ودورها إلى مستوى تضحيات الناس، وتتحمل المسؤولية الوطنية، وتنفذ المطلب الشعبي في تحقيق الوحدة الوطنية بلا تردد أو إبطاء. الطريق إلى الوحدة الوطنية معروف لمن يريد الوحدة ويسعى اليها ولا تحتاج وحدتنا الوطنية الى كل هذا العلاك الفارغ واعادة انتاج الشعارات الزائفة بقدر ما تحتاج الى ارادة سياسية.

المطلوب هو إدامة حالة الاشتباك مع العدو وفق ما تقتضيه محددات المرحلة وطبيعتها وظروف شعبنا في كل منطقة. المطلوب تعزيز صمود الطبقات الشعبية والفقراء وحماية صوتهم وانجازاتهم في المخيمات على وجه التحديد داخل وخارج الوطن. المطلوب هو القول للنظام العربي الرسمي، خاصة المصري: إبذل جهودك لإنهاء الحصار عن شعبنا. المطلوب هو موقف سياسي فلسطيني موحد يفتح الطريق أمام مرحلة سياسية جديدة. كل الناس تعرف ما هو المطلوب فعله.

في التحليل العام يجب أن نقول التالي: الطبقات الشعبية الفلسطينية التي تدفع الثمن كله تقريبا في الصراع مع العدو، لا تريد أن ترى دمها وتعبها وحقوقها تذهب هدراً أو تتبدد انجازاتها الكبيرة في زورايب وسوق السياسة والمزايدات، وبالتالي تضيع بين القوى والدول التي تطاحن وتزاحم في الاقليم من أجل مصالح اقتصادية وسياسية خاصة. وعليه، يجب كسر الحصار دون تقديم تنازلات سياسية. هذه مهمة ومسؤولية وطنية وقومية وأممية لا تقتصر على المقاومة وشعبنا في القطاع.

وبقدر ما أكدت لنا التجرية الكفاحية وعلى مدار قرن من الزمن وجود الاستعداد الدائم للتضحية من قبل هذه الطبقات المفقرة باعتبارها صاحبة المصلحة في التقدم والتغيير والتحرير، بقدر ما أكدت لنا التجربة أيضاً وجود قدرٍ متساوٍ من الاستعداد الدائم للمساومة والمقامرة من القوى التقليدية الرجعية التي تتربع على عرش القرار السياسي الفلسطيني وتحتكره وتصادره لنفسها.

الحقيقة أن شعبنا يدرك ويفهم، غريزياً ربما، معنى ومستلزمات مرحلة التحرر الوطني. فالوحدة الوطنية لا تعني التماثل والتطابق في الموقف بقدر ما تعني اتساق التعدد في إطار معركة العودة والتحرير. الحركة الوطنية أوسع وأكبر من " الفصائل " وإن كان يفترض في هذه الأخيرة أن تشّكل الطليعة الثورية. شعبنا يفهم هذه المعادلة جيداً ودائماً يسبق " قيادته " ويتجاوزها والمشكلة كانت دائماً في طبقة " الباشوات " و" الزعامات " و" الشيوخ " و" الأبوات". في الراس القيادي التقليدي.

الرهان على ما يُسمى " هدنة طويلة الأمد " أو " مفاوضات " العبث مع العدو، والتعاطي المنفرد مع كل هذه " المبادرات "، كل هذه الخيارات البائسة وغيرها، يسقطها العدو عادة بعد أن يستفيد منها حتى آخر قطرة ولم تنجح ولا مرة واحدة منذ العام 1948، فلماذا تنجح اليوم؟ خاصة في ظل حالة الشرذمة السياسية التي تعيشها " الساحة الفلسطينية ".

الذين تذرعوا دائماً بأن هدفهم من هذا السلوك هو تخفيف معاناة شعبنا كانوا في الحقيقة أحد أسباب إطالة معاناته وعذابه. سواء عن قصد أو من خلال القراءة السياسية الخاطئة لطبيعة ومواقف العدو وشروط الواقع. إن القراءة المؤسسة على الأوهام تقود بالضرورة إلى نتائج كارثية متساوية.

س4: لكن ماذا عن المصالحة بين فتح وحماس وكيف نقرأها في إطار التحليل السابق، سيما وأننا نتحدث عن أكبر حركتين في الساحة الفلسطينية؟

ج: الذي يمنع حركتي فتح وحماس من إنهاء ما يسمى بـ " الانقسام " هي الخيارات والمواقف السياسية السيئة لكل منهما والاعتبارات أو المرجعيات الإقليمية والدولية التي تتخذها كل حركة كمصدر شرعية لها تتكأ عليها في لعب دور سياسي كشريك في سلطة أوسلو.  ومن يقبل على نفسه أن يكون تابعاً أو أداة في خدمة قوى إقليمية ودولية، أو حتى شريك صغير لها، عليه أن يتحمل النتائج المترتبة على ذلك أمام التاريخ وشعبنا.

شعبنا هو مرجعية كل المرجعيات. وحين نقول أن (لا صوت يعلو فوق صوت الشعب الفلسطيني) تفرغ الحركتيين الشعار من جوهره ومضمونه الديموقراطي الوطني، وتذهبا إلى " حل الانتخابات " والى تقاسم الدور والوظيفة وتقزيم القضية. المطلوب من الكل الوطني، ومن اليسار القومي الجذري، من الجبهة الشعبية تحديداً، الشروع في تنظيم أوسع كتلة شعبية في الوطن والشتات تفرض واقعاً جديداً لتحقيق الوحدة الوطنية، ونشر الوعي والأمل، فهذا الحال العبثي يدين الكل وسيأكل الكل.  هذا الواقع يجب ألا يدوم طويلاً؛ فالمسؤولية تاريخية والوقت من عذابات ومن دماء.

س5: المقاومة الشعبية، وخاصة في الضفة، تعيش عثرات كبيرة، لا يوجد أي مساندة " لهبة الشباب " أو " الحراك الشبابي " في مدينة القدس المحتلة، والمشروع الوطني يواجه تراجعاً جراء استمرار سياسة السلطة في المراهنة على المفاوضات واستمرارها في التنسيق الأمني، والاعتقالات السياسية. النظام السياسي الفلسطيني محتُل من قبل طغمة وضعت جميع ملفات شعبنا في جوارير المفاوضات واتفاقات مذلة، فما هو البديل؟

ج: من يتابع حركة العدو، ومن يقرأ نتائج مؤتمر "هرتسيليا الاستراتيجي" وما جرى تقديمه من رؤى صهيونية يدرك بسهولة أن العدو الصهيوني لا يريد أن يقدم أي شئ للسلطة الفلسطينية، ولا حتى ماء الوجه. ينظر إلى الضفة والقدس باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من "أرض إسرائيل ". وبالنسبة له فهذه " يهودا والسامرة ". ومشروع السلام كما يراه قادة الكيان اليوم يعني تطوير بعض المناطق الصناعية المشتركة في بيت لحم ورام الله ونابلس وغيرها، وتعزيز علاقاته مع طبقة فلسطينية معروفة وجاهزة وتابعة. وعليه تصبح مهمة المقاومة الفلسطينية مركبة ومزدوجة: ردع العدو ومستوطنيه من جهة، وردع خيارات الطبقة الفلسطينية التابعة التي تتعاون أمنياً واقتصادياً مع العدو الصهيوني من جهة أخرى. وهذه مهمة مترابطة. وليست مسالة جديدة على شعبنا في الوطن المحتل.

أما الهبة الشعبية في القدس المحتلة وفي المناطق التي لا تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، فهذه تحتاج إلى تطوير ذاتي حر، من داخلها، ولا تحتاج إلى احتواء أو " ترشيد " من الفصائل. من يريد أن يقاتل، فالميدان أمامه مفتوح وفارغ ويصرخ. تطوير الاشتباك المفتوح مع العدو يشترط إزالة الحزام الامني – الاقتصادي – السياسي - الذي تشُكلّه طبقة السلطة وهي تقف حاجزاً بين الجماهير وبين العدو. عادة لصالح العدو. ولاحظوا كيف تجري الأمور على الأرض، حيث لا توجد سلطة فلسطينية تابعة تُولدّ مقاومة فلسطينية أكثر قدرة على الفعل والتنظيم والحركة.

وفي هذا الإطار يجب أن نلحظ الأشكال الإبداعية المتجددة في المقاومة، وكذلك الدراسات والمقالات التي يقوم عليها اليوم جيلاً جديداً من الشباب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وتبيان ظواهر المقاومة الشعبية وأشكالها والتحديات الراهنة. إذ لا مشروع سياسي تحرري دون أن يلازمه مشروع فكري ثقافي وتحرري أيضاً.

س6: نعود ونسأل عن مُمكّنات تحقق البديل الثوري لما هو قائم اليوم؟

الجواب على سؤال البديل الثوري الديموقراطي يُولد في الميادين والشوارع والجامعات والنقابات والسجون ولا ينشأ بالتمني والأحلام فقط. وهذا يعني أنه لا بد من قيامة ثورية متجددة تقطع مع نهج أوسلو وتؤسس لمرحلة جديدة تستعيد فيها الحركة الوطنية الفلسطينية دورها ومكانتها التي فقدتها لصالح ما عرف بـ " المنظمات غير الحكومية " وتكون المخيمات أو (الطبقات الشعبية/ القاع) قيادتها ومقررة فيها.  

الصراع مع العدو طويل وصعب وسوف يستمر لعقود قادمة، ومهمة الجيل الجديد التواصل مع الأجيال السابقة، بقراءة تجربتها، يتكأ عليها ويؤسس بدوره لتجربته النضالية الجديدة. فالسؤال الجماعي عن البديل الثوري الديموقراطي يشترط أن يكون الجواب جماعياً أيضاً. فلا يولد البديل الثوري الديموقراطي بقرار من فصيل أو بيان أو نداء، مهما حاولت اللغة أن تجتهد في ذلك.

س7: ما هو واقع منظمة التحرير الفلسطينية اليوم؟ والتحديات التي تواجهها وهل يمكن إصلاحها واستعادة دورها ومكانتها؟

قيادة المنظمة اليوم لا تُعبّر عن تطلعات وأحلام شعبنا. كما أن سلوك ومواقف هذه القيادة تُشكّل مصدر قلق لجماهير شعبنا. كانت منظمة التحرير الإنجاز التاريخي الكبير الذي حققه الفدائيين الأوائل ويجب أن تُستعاد المنظمة ويتحرر قرارها وإرادتها من قبضة المتفردين فيها، لكن يجب أن تضم في صفوفها كل القوى الوطنية المقاومة من مختلف الاتجاهات والمشارب الفكرية والسياسية دون استثناء.  فالمنظمة التي نريد هي جبهتنا الوطنية الموحدة التي تقاتل من أجل انتزاع الحقوق الوطنية الكاملة في العودة والتحرير واقامة فلسطين الديموقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس. وفي هذا الميدان فليتنافس المتنافسون.

 س8: شّكل اختطاف المناضلة والنائب في المجلس التشريعي خالدة جرار، وقبلها 25 نائباً استهتاراً من الاحتلال بالمجتمع الدولي، وانتهاكاً فاضحاً للقوانين الدولية، وعلى الرغم من حالة التضامن الواسعة من أحرار العالم، لكن لم تلق صدى حول استمرار اختطاف المناضلة جرار ونواب المجلس التشريعي من المجتمع الدولي خصوصاً الأمم المتحدة، كيف يمكن أن نضغط لإثارة هذا الموضوع؟

ج: محاولة إبعاد المناضلة خالدة جرار من رام الله إلى مدينة أريحا فشلت باعتراف دوائر العدو نفسه. ولو نجحت، لشكّلت سابقة سياسية خطيرة. حالة التضامن الشعبي والدولي كانت واضحة مع القيادية الفلسطينية فأربكت حسابات الاحتلال.  ولم يساورنا الشك للحظة واحدة من تحقيق الانتصار وكسر قرار الإبعاد القسري؛ فالجهود الوطنية في الأرض المحتلة والموقف السياسي للجبهة، وعقد عشرات اللقاءات مع برلمانيين وبرلمانيات من مختلف أنحاء العالم، وزيارة العديد من الوفود التضامنية، كل هذا وغيره، فضلاً عن خيمة الاعتصام الخاصة بهذه القضية التي تحّولت إلى مزار شعبي يومي للتضامن معها، كل هذا أجبر الاحتلال على اعترافه أن مدة الشهر لتنفيذ القرار قد مرت. بعبارة أخرى: سقط قرار الاحتلال.

الاعتقال أو الاختطاف جاء في السياق ذاته، للتغطية على فشل الاحتلال في تحقيق هدف الإبعاد. ولو تأملنا في لائحة التهم الموجهة للرفيقة جرار لعرفنا كم أن الاحتلال يتخبط ولا يملك أي شئ لإدانتها. وكانت اتهامات تُعبّر عن عجز الاحتلال أولاً. نشرت الصحافة الأجنبية وحتى الاسرائيلية مقالات وتعليقات سخرت من كيفية التعاطي مع " قضية جرار "! . كما أن عشرات الأحزاب والشخصيات والوفود والقيادات النقابية والحزبية استهجنت مثل هذه التهم وأدانت سلوك الاحتلال.

س9: اعترف الاحتلال الصهيوني أخيراً، بأن حملات المقاطعة ضده لا تقل خطورة عن الضربات التي شنتها المقاومة المسلحة، فما هي أسباب تصاعد هذه الحملات، والنتائج المذهلة التي أدت لخسائر كبيرة للاحتلال، وتجنيده ملايين الدولارات من أجل مواجهتها؟

ج: لا شئ يوجع الاحتلال ويخيفه ويستنزفه أكثر من المقاومة المسلحة، ولكن هناك ما يوجع اقتصاده ويهز صورته، ولا يقل أهمية أحياناً عن السلاح الحقيقي، ونعني المقاطعة الاقتصادية والسياسية والاكاديمية والثقافية الشاملة للكيان الصهيوني؛ فالعدو الصهيوني يخاف من العزل، والمقاطعة جوهرها عزله، رفضه وعدم التطبيع معه، هذا المدخل يجري وفق منطق (الجريمة والعقاب)؛ فالدولة التي ترتكب الجرائم يجب أن تعاقب بالعزل.

من جهة أخرى تثير حركة المقاطعة الدولية أسئلة كثيرة حول ماهية دولة الاحتلال، تأسيسها ومستقبلها وطبيعتها ودورها، هنا يكمن مصدر خوف قادة الكيان الصهيوني، وينظر العدو إلى حركة المقاطعة الدولية باعتبارها خطر استراتيجي يجب مواجهته، ويُجند ملايين الدولارات لوقف ما أطلق عليه هو - لا أحد غيره - معركة " نزع الشرعية عن اسرائيل" !

فشل الاحتلال في منع حملات المقاطعة دولياً من اقتحام ما يمكن تسميته " ساحات الثالوث المحرم ": الجامعات والنقابات والكنائس. هذه المؤسسات تملك استثمارات هائلة وكانت تصب جهودها وأموالها في مصلحة الكيان وتدعمه مادياً وسياسياً من خلال صناديق الائتمان وحسابات التوفير والتقاعد وتوفر له الغطاء الشامل، مستندة ومبررة ذلك بعقدة المحرقة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا، فترضخ للابتزاز وتهديدات الحركة الصهيونية.

اليوم هذه المؤسسات منقسمة. ويشارك بعضها في حملات المقاطعة. صحيح أنها ليست متجانسة داخلياً، لكن في أروقتها يدور النقاش والمعارك السياسية بين " أنصار فلسطين " و "أنصار إسرائيل " خصوصاً داخل جمعياتها العمومية ومؤتمراتها الدورية. قد لا ننتصر دائماً في حشد الأصوات المطلوبة لكن حضور فلسطين على جدول الاعمال أصبح واقعاً يعتبره العدو اختراقاً كبيراً ولا يحتمله وينظر للمسألة من باب الخطر الاستراتيجي، لا بل الوجودي.

ومن المهم دائماً أن نذكر أنفسنا بأن الفضل في تحقيق هذا الانجاز يعود لدماء لشهداء وعذابات شعبنا وتضحياته وللمقاومة الشعبية. المسلحة أولاً؛ فالشعوب لا تتضامن مع ضحية خانعة وصامتة، لأن الصمت يساوي الموت. الشعوب تقف عادة إلى جانب من يقاتل ويصرخ ويدافع عن حقوقه ويتمرد.

ولا يستطيع الضمير الإنساني أن يشاهد صور القتل والتدمير وما يرتكبه العدو الصهيوني من جرائم في فلسطين ويقف متفرجاً.  الأمم المتحدة تفعل ذلك منذ سبع عقود وهي تمارس التواطئ وجريمة الصمت لكن حركات التحرر والقوى التقدمية والديموقراطية والحركات الشعبية والطلابية والنسوية والنقابات وأحرار العالم لا يصمتوا أمام هذه الجرائم. حسابات الدول غير حسابات هذه القوى.

وأخيراً، تمادى العدو الصهيوني في استخدام ترسانته العسكرية ضد شعبنا، لم يتبقَ معه أي سلاح -باستثناء السلاح النووي – إلا واستخدمه ضد شعبنا.

  س10: تستمر فرنسا في احتجاز المناضل العربي جورج عبدالله، هل برأيك حملة التضامن معه، والضغوط من أجل اطلاق سراحه قد استنفذت؟

ج: حملة التضامن مع الرفيق المناضل جورج عبد الله مستمرة، ومقرها الأساس في بيروت، ويقوم عليها أهل وعائلة جورج عبد الله وعدد من الأصدقاء والمنظمات اللبنانية والفلسطينية، لكن دونما أي دعم حقيقي من الحكومة اللبنانية والأحزاب والتيارات الرئيسية بما في ذلك – للأسف الشديد – قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء. لكن في فرنسا خاصة في مدينة تولوز ومارسيليا تتواصل الفعاليات ونظمنا سلسلة ندوات ومسيرات إلى السجن.

تمايزت حملة التضامن مع الأمين العام منذ انطلاقتها في العام 2005 في نشر صوت المناضلين والمناضلات العرب وغيرهم في سجون فرنسا والولايات المتحدة وكندا والفلبين وكولمبيا وغيرها للربط بين نضالات الشعوب ضد الامبريالية والعدو المشترك. واستعادة صوت السكان الأصليين (أصحاب الأرض) لمواجهة قوى الاستعمار، من كندا واستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة وصولاً الى المكسيك وجنوب أفريقيا وفلسطين. 

(انتهى الجزء الأول)