منذ إثنين وعشرين عاماً انغرس سكين في ظهر شعبنا، بتوقيع ما يعرف بإتفاق أوسلو او اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الصهيوني، من هنا بدأ الانقسام والتفسخ في الجسد الفلسطيني، وعدوا بدولة عاصمتها القدس، والقدس الان تكاد تتهود تماماً، والدولة ما عادت على مرمى حجر بل "في الأحلام".
العودة لم نعد ندري هل هي الى مخيم اليرموك أم الى صفد، وما يزالون متشبثون ببقايا تلك الميادين التي استغلها الاحتلال أبشع استغلال، فهل تشكل كل هذه السنين رقماً كافياً لنقول فشلنا؟ أم ما نزال في وهم ان يهدينا عتاة اليمين الصهيوني دولة ؟؟!
بهذه الكلمات بدأ عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد أبو السعود حنني حديثه لبوابة الهدف الإخبارية التي أجرت معه حواراً مطولاً عن ما يسمى توقيع إعلان المبادئ "أوسلو" في ذكرى التوقيع الـ 22 لهذا الاتفاق .
عن إمكانية إلغاء اتفاقية أوسلو من قبل السلطة الفلسطينية أو التهديد به؟
أولاً اتفاق أوسلو أقيم ليس من أجل أن يتم إلغاؤه خاصة ممن عملوا على تدشين هذا الاتفاق، مهندس أوسلو اليوم الرئيس محمود عباس هو من عمل لسنوات طويلة حتى الوصول لهذا الوضع، والحديث عن إلغاء هذا الاتفاق لم يتم ذكره بالمطلق إلا من بعض المحيطين بالسلطة والهدف من ذلك التضليل والمراوغة ليس إلا، ولا يوجد في قاموس السلطة الفلسطينية أي تفكير بالإلغاء لأنهم لحتى الآن لم يعترفوا بفشل هذا الاتفاق وما زالوا يستجدون عودة المفاوضات، إلغاء أوسلو يحتاج لإعادة ترميم البيت الفلسطيني أولاً ويحتاج لقرار موحد وجريء.
وعن الخسائر التي ترتبت على هذه الاتفاقية "أوسلو"؟
مجرد الرضوخ للكيان الصهيوني والقبول بشروطه منذ البداية فهو خسارة بحد ذاتها، الثمن الأول الذي دفع في هذا التنازل هو انهاء الانتفاضة الشعبية الكبرى التي خاضها شعبنا عام 1987م، وأيضاً القبول باستمرار الانقسام بحيث كانت المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق او ما سميت بمفاوضات مدريد والتي استمرت حوالي 11 جولة وكان إصرار حيدر عبد الشافي باعتباره رئيس الوفد الفلسطيني على اول خطوة وهي تجميد الاستيطان لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات التف على هذا الوفد، وعلى المطلب الفلسطيني بتجميد الاستيطان وقبل بالمفاوضات بدون أي تجميد للاستيطان، وكانت النتيجة ان الغالبية العظمى من أراضي الضفة الفلسطينية يبتلعها الاستيطان ويسيطر عليها الاحتلال، والتنازل الثاني الذي قدمه الفلسطينيين في أوسلو هو الوحدة الوطنية التي كانت مجسدة من خلال الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهي منظمة التحرير الفلسطينية فتم التنازل عن هذه الوحدة بحالة من الانقسام في الشارع الفلسطيني بين مؤيد لهذا الاتفاق وبين معارض له، في أوسلو تم التنازل عن البندقية الفلسطينية في الوقت الذي أخد العدو الصهيوني يزيد من قوته وعدته وعتاده بالتزامن مع واقع دولي ضعيف وسلبي على الوضع الفلسطيني, وكان انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج أي الحرب العالمية الكبرى على العراق، فكان الوضع العربي مهزوزاً والدولي كذلك ففقدت القضية الفلسطينية داعميها وبقيت القيادة الفلسطينية عاريةً وحدها أمام احتلال صهيوني يتمدد ويتغطرس في الأرض الفلسطينية, فذهب الحديث عن جعل الضفة الغربية وقطاع غزة كسنغافورة أدراج الرياح.
هل الإنقسام الفلسطيني اليوم وليد لهذا الاتفاق؟
الضربة الأقوى لم تكن عام 2007 عندما حدث الانقسام بين فتح وحماس لكنها كانت عند توقيع هذا الاتفاق "أوسلو"، والوضع الفلسطيني لم يكن يوماً موحداً وملتفاً بشكل متماسك وقوي كما ثورة فيتنام او الجزائر،كان هناك انقسام لكن كانت محاولات دائمة لترتيب الوضع الفلسطيني وجاء "أوسلو" ليضرب هذه الترتيبات، انقسام الضفة وغزة جاء كتحصيل حاصل وهو خطوة مكملة للانقسام لأن الوضع السياسي والإجتماعي كان منقسماً من قبل.
خرجنا من ثلاثة حروب مدمرة، هل نحن اليوم أمام نسخة ثانية من "إتفاق أوسلو" بين حماس والكيان الصهيوني؟
أعتقد ان حكومة الاحتلال في ظل تركيبتها اليمينية الحالية لا تهتم كثيراً للسلطة الفلسطينية بل تهتم لبرنامجها الحالي وهو كالتالي (سلام افتصادي مقابل الأمن) وبرنامجها يقول للفلسطينين لا تحلموا بأرض ولا حق عودة ولا قدس، للأسف تحولت قضيتنا الفلسطينية من قضية سياسية قوة تفرض ذاتها على العالم الى قضية تعتمد على مجموعة من المعونات والمساعدات، ولا أعتقد ان يكون هناك أوسلو جديد بين حماس والكيان الصهيوني ولكن مسعاها لا يختلف جذرياً عن مسعى حركة فتح بالرغم من أنها صاحبة إيديولوجيا إسلامية، فلديها قابلية للتفاوض وان ظهر في العلن غير ذلك، حتى الان الكيان الصهيوني غير جدي ليقدم أي شيء فهو يقدم فقط الفتات سواء لحماس أو للسلطة الفلسطينية، حماس ان كانت لا تفاوض فهي لا تفاوض بالشكل المباشر، لكن تركيا وقطر وبعض الجهات الأوروبية كانت وسيطاً بين حماس والكيان الصهيوني لتحسين الاوضاع في قطاع غزة بإعتبارها هي المسؤولة عنه اقتصادياً وأمنياً، لكن هذا التوجه للأسف الشديد يكرس حالة الإنقسام، في ظل اتهام حماس للرئيس محمود عباس بانه يضع عراقيل أمام إعادة اللحمة الفلسطينية من خلال عدم حل مشكلة موظفي حماس واشتراط تسلم المعابر, الظروف أيضاً في هذه الفترة غير مهيئة لدخول حماس في المفاوضات لكن لو أتيحت لها الظروف الجدية لن ترفض حماس ذلك.
كيف يمكن تذكر ياسر عرفات القائد، وأوسلو معاً؟
كان الراحل ياسر عرفات يطمح بأن يحقق دولة فلسطينية لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، أبو عمار هو من قاد عمليات التفاوض أثناء وجود الوفد الفلسطيني في أوسلو بالنرويج وكان يواكب تفاصيل المفاوضات ليلاً ونهاراً حتى تم الوصول لهذه المبادئ التي سميت في المحصلة بإتفاق أوسلو، ياسر عرفات هو من صنع أوسلو وكل شيء تم بإرادته وبقلمه تم التوقيع على الاتفاق.
مع كل الأحداث الجارية في القدس والضفة الغربية هل منع الاصرار على الاستمرار بنهج اتفاق أوسلو حدوث انتفاضة ثالثة بالضفة؟
أذكر ان الكيان الصهيوني وعلى لسان محلليه يقول ان "الإسرائيلي" لا يتنازل إلا إذا كان المسدس مصوب على رأسه، ونحن رمينا سلاحنا وحولنا أبناءنا وشبابنا فقط للدفاع عن المستوطنين وحمايتهم من خلال التنسيق الأمني فكيف يمكن أن يتنازلوا وكيف يمكن أن تقوم انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية في ظل هذه الاتفاقات، وكانت هناك قراءة خاطئة من قبل الشهيد ياسر عرفات فكان يعتقد ان الكيان الصهيوني يرغب في حل الصراع وإقامة دولة فلسطينية لكنه كان مخطئاً، وأبو مازن اليوم يقول "للإسرائيليين" أنه ما دام حياً لن يسمح بحدوث انتفاضة ثالثة ولن يسمح بحمل السلاح ضدهم في ظل حرق الأطفال وزيادة عدد المعتقلين في السجون وزيادة سرقة الأراضي وهذا يعبر عن كم الرضوخ الفلسطيني غير المستوعب، ولكن هذا لن يستمر الى مالا نهاية فكما عاش الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال 20 عاماً مضغوطاً ومكبوتاً لكنه انفجر عام 1987م وسينفجر في الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ48 في وجه الاحتلال وفي وجه السلطة الفلسطينية إذا وقفت أمامه، لأن هذا الشعب عاش على أمل تحرره وإقامة دولته الفلسطينية ولن يستكين حتى تحقيق كافة مطالبه.
كلمة أخيرة؟
مما لاحظناه في السنوات الأخيرة من المفاوضات التي تهدف الى ضياع الوقت هو تسجيل المزيد من نقاط القوة للاحتلال على حساب شعبنا مقابل حل مجموعة صغيرة من القضايا الحياتية البعيدة كل البعد عن القضايا المصيرية الوطنية كحق العودة والقدس. لقد أصبحت السلطة الفلسطينية تحاور الاحتلال كالسجين الذي يحاور سجانه من أجل الحصول على بعض من وسائل العيش للحياة اليومية البسيطة.