الشعب يريد تطهير البلاد: التعذيب يتواصل في تونس بعد الثورة

"لا أحد فوق القانون.. الشعب يريد تطهير البلاد" تلك هي الشعارات التي رفعها مئات المتظاهرين التونسيين
حجم الخط
"لا أحد فوق القانون.. الشعب يريد تطهير البلاد" تلك هي الشعارات التي رفعها مئات المتظاهرين التونسيين أثناء وقفتهم أمام وزارة الداخلية للمطالبة بإقالة مدير الأمن الداخلي كذلك تطهير جهاز الشرطة من العناصر الفاسدة. مطالب المتظاهرين في محاكمة القتلة كان يقابلها على الجانب الآخر مطالب رفعتها عناصر أمنية تابعة للاتحاد الوطني لقوات الأمن ترفض فيها المحاكمات الشعبية وتبرأ جهاز الشرطة من قتل المتظاهرين أثناء أحداث الثورة العام الماضي. إلا إن هتافات قوات الأمن تحولت من كونها مجرد مطالب إلى تهديد بتنفيذ إضراب عام بعد أن انسحبت الشرطة من أماكن تمركزها في كل أنحاء البلاد، وهي ما تم اعتباره أخطر تحرك شهدته تونس بعد هروب الديكتاتور. لم تكن مظاهرات القتلة مستغربة في ظل استمرار ممارسة العجيمي لعمله كمدير للأمن الداخلي بعد الثورة برغم إدانته في قتل المتظاهرين، وفي ظل جهاز شرطة مازال يعمل بنفس أسلوبه قبل الثورة من قمع وتعذيب. فطبقا لتقرير: "التعذيب يتواصل بعد الثورة" الصادر عن المنظمة التونسية لمقاومة التعذيب، والذي سرد بين سطوره شهادات لمواطنين تعرضوا للانتهاكات الجسدية بعد الثورة سواء في الشارع أثناء الوقفات الاحتجاجية أو في السجون بعد القبض عليهم تعسفيا، فإن المؤكد أن سلوك الشرطة لم يشهد تغييرا بعد وعود الحكومة الانتقالية بفتح صفحة جديدة برغم القوة في فض تظاهرات 20 فبراير ضد فلول النظام السابق في أولى حكومات الغنوشي كذلك عند فض المسيرات السلمية أمام المجلس التأسيسي والمطالبة بحق التشغيل والعدالة الاجتماعية. ووفقا للتقرير فإن نفس القمع الذي مارسه جهاز الشرطة ضد الثورة في أيامها الأولى, يمارس الآن بعد الثورة بمنهجية أكثر وضوحا حيث داهمت قوات الشرطة أماكن الاعتصام طيلة الفترات الماضية بشكل مستمر واستخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع وتم اعتقال العديد من الشباب الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية بعد سرقة أموالهم وهواتفهم كما لم يتم إسعاف المصابين بجروح خطيرة نتيجة الضرب المبرح, وكثير من هؤلاء الذين طالبوا بمحاكمة المجرمين يتم محاكمتهم الآن بتلفيق تهم الإرهاب والتآمر على أمن الدولة, أما هؤلاء الذين خرجوا في المظاهرات باسم العدالة الاجتماعية فيتم زجهم بالسجون باسم الديمقراطية! ملف التعذيب في تونس يفضح تناقض المشهد السياسي بالالتفاف حول مطالب الثورة عند إصدار مرسوم بالعفو عن المعتقلين السياسيين في حين تداهم الشرطة بيوتهم، كما تم حل إدارة أمن الدولة وإنهاء ما يسمى بالبوليس السياسي لكن عمليا يطال المتظاهرين الاعتقالات التعسفية في أي وقت. وبرغم مرور عام على الثورة، فإن أهالي الشهداء أكدوا بوجود مسئولين قادوا عمليات التعذيب قبل الثورة وتحوم أيضا حولهم شبهات قوية بقتل المتظاهرين، هؤلاء قد تمت ترقيتهم أو نقلهم إلى أماكن عمل. وبرغم نتائج لجنة تقصي الحقائق عن أعمال قنص متعمدة تمت من فوق الأسطح, إلا أن أسر الشهداء أكدوا أن قتلة ابنائهم معروفين وحتى الآن لم يتم استجوابهم في ظل مماطلة في إصدار الأحكام بل وإعفاء جانب كبير منهم بعد اختزال أعداد الضحايا من أكثر من ثلاثمائة إلى أقل من خمسين شهيد وهو ما يشير إلى اختزال أيضا في أعداد الجناة ورغبة غير مؤكدة في تطهير البلاد. هنا لا يمكن الفصل بين ملف المحاكمات وملف التعذيب, فجهاز الشرطة الذي قاد حملة القتل العمدي للمتظاهرين هو أيضا يقود حملة انتقام واسعة ضد الشعب الذي حاول كسر شوكته باعتباره أهم الأذرع القوية لديكتاتورية المخلوع, جهاز الشرطة الذي لم يتم تطهيره بمحاكمة فاسديه عاد ليتحدى الشعب بممارسة نفس منهجية القمع التي ثارت ضدها الجماهير. المحاكمات هنا ليست ترفا تبحث عنه الثورة وقت الفراغ، بل هي أولى الخطوات لبناء دولة جديدة بعد الهدم الكامل لكل أشكال الفساد، لن تنجح الثورة إلا باتخاذ الاجراءات الثورية ومنها المحاكمات, فبدون المحاكمات ستتواصل أعمال القمع بل ستتولد ديكتاتورية جديدة في أعتاب ثورة لم تنجب حرية أو عدالة اجتماعية. عن جريدة الاشتراكي