اعلان الاستقلال محطة سياسة صنعتها انتفاضة شعب

حجم الخط

في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988 انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر على وقع الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت شرارتها عام 1987 لتنهي حالة الخلاف السياسي التي سادت بين القوى السياسية الفلسطينية بعد الخروج من بيروت عام 1982 والتوافق على دعم الانتفاضة وتوفير كل مقومات استمرارها  والعمل باتجاه الاستثمار السياسي للفعل الانتفاضي على الارض الذي عبرت عنه ومارسته كل مكونات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ..مما افرز واقعا جديدا تمثل بفرض الارادة الفلسطينية  وسلطة الشعب والقيادة الوطنية الموحدة في مواجهة سلطة الاحتلال .

      وحيث كان لا بد من البناء على ما انجزته حجارة الاطفال تمت الدعوة لقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وإعلان استقلال فلسطين  ووثيقة اعلان الاستقلال والتي جاء فيها...

 ))  إن الانتفاضة الشعبية ألكبرى المتصاعدة في الأرض المحتلة مع الصمود الأسطوري في المخيمات داخل وخارج ألوطن قد رفعا الإدراك الإنساني بالحقيقة الفلسطينية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الاستيعاب والنضج وأسدلت ستار الختام على مرحلة كاملة من التزييف ومن خمول الضمير وحاصرت العقلية الإسرائيلية الرسمية التي أدمنت الاحتكام إلى الخرافة والإرهاب في نفيها الوجود الفلسطيني. مع ألانتفاضة وبالتراكم الثوري النضالي لكل موقع الثورة يبلغ الزمن الفلسطيني إحدى لحظات الانعطاف التاريخي الحادة. وليؤكد الشعب العربي ألفلسطيني مرة أخرى حقوقه الثابتة وممارستها فوق أرضه الفلسطينية. واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم ألعربية ومن قوى الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، ممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه. فان المجلس الوطني يعلن باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف )).

         وقد مثل هذا الحدث منعطف جديد في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني  الذي حول حلم الدولة من امكانية تاريخية الى امكانية واقعية كما تحدث بذلك حكيم الثورة الدكتور جورج حبش ...وبحاجة الى جهد كفاحي طويل حتى يتجسد هذا الحلم على ارض الواقع ...

       ولكن في المقابل فان البيان السياسي الذي صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني في نفس الدورة كان مخيبا للآمال وفتح الباب امام الاستمرار بالبحث عن حلول عبر بوابات الارتهان بالرؤيا الامريكية والرسمية العربية من خلال الاعتراف بالقرارين 242 و338 .

       وهذا ما يربك المواطن الفلسطيني ويضعه في حالة من التشوش حيث لم يتم التفريق بين وثيقة اعلان الاستقلال والبيان السياسي .. والتفريق بين اعلان الاستقلال كخطوة سياسية لها دلالاتها  وتأثيراتها المعنوية والسياسية وبين تلمس الاستقلال كحالة فعلية ملموسة ... الامر الذي يجعل محاكمة هذا الحدث على المستوى الشعبي والكثير من الرسميين في غالب الاحيان  تحمل في تعبيراتها حالة من الاحباط والتهكم (عبر سؤال اين هو الاستقلال ؟؟  ولم نرى من الاستقلال الى يوم العطلة الرسمية ..!! )  وخاصة مع مراعاة ما نعيشة من وقائع وأحداث .

امام هذه الحالة اصبح لا بد من التفريق بين ثقافة التمويه التي خلقتها سنوات المفاوضات العبثية لتبرير عديد الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها ولا زال الفريق المفاوض ملتزم بها ... وبين ثقافة تحترم العقل الفلسطيني وتسعى لبناء ثقافة قائمة على تعزيز القناعات بعدالة قضيتنا واحترام نضالات وتضحيات شعبنا  وما استطاعوا ان يبنوه من مؤسسات وهيئات ومحطات كان ثمنها دماء الشهداء والجرحى وأهات الاسرى وعذابات الاطفال والشيوخ والأمهات .