اليونان: "تخريب بلد"- مقابلة مع ستاتيس كوفلاكيس

هل يمكن أن يتحمل المجتمع اليوناني خطة التقشف التي صوت عليها البرلمان أمس؟
أرى أننا بلغنا نقطة قطيعة
حجم الخط
هل يمكن أن يتحمل المجتمع اليوناني خطة التقشف التي صوت عليها البرلمان أمس؟ أرى أننا بلغنا نقطة قطيعة. حالة البلد الاجتماعية فريدة في أوروبا الغربية في تاريخ ما بعد الحرب. لا يمكن مقارنة واقع اليونان سوى بالأزمة الكبرى لسنوات 1930، سواء بما يخص حجم الانحسار الاقتصادي، أو نسبة البطالة. زهاء 30 % من سكان اليونان سقطوا تحت خط الفقر. لم يعد ممكنا التعرف على شوارع أثينا و كبريات المدن. العديد من المتاجر أغلقت أبوابها في السنوات الأخيرة. السكان لم يعودوا قادرين على التحمل. بلغ خفض الأجور مستوى غير محتمل، في الوظيفة العمومية أولا، لكن في القطاع الخاص أيضا. الرسوم الضريبية الجديدة تعد حقيقي،وقد سقطت اقلية من مجتمع اليونان في الهاوية. ومما يتفكك أيضا في اليونان الدولة، أي الخدمات العامة الأولية. الكتب المدرسية لم توزع هذا العام. الوضع الصحي كارثة حقيقية. المستشفيات ينقصها كل شيء، حتى الأدوية. أنها ظروف العالم الثالث. أثينا و مدن اليونان الكبرى تشبه أقل فأقل مدن أوروبا، وأكثر فأكثر مدن دول الجنوب المنكوبة. ما المدى الذي قد يصله الغضب الشعبي؟ ثمة صدمة اجتماعية هائلة. لم يعد بوسع سكان اليونان تحمل هذا الوضع. و التدابير الجديدة استفزاز حقيقي. خفض الأجر الأدنى بنسبة 22 % جنون حقيقي. اقتطاع مليارات عديدة من النفقات العامة فيما البلد يشهد انحسارا اقتصاديا فعل انتحاري. التوقعات الرسمية المرافقة لهذه الخطة تبرز أن لا شيء في هذا متماسك و قابل للاستمرار. انه تخريب البلد للعقود القادمة. بنظري، ثمة إستراتيجية مقصودة لإحداث الفوضى من قبل الذين يفرضون هذا النوع من الخطط على السكان، بدءا بالاتحاد الأوربي. هل الأزمة الاجتماعية مصحوبة بأزمة سياسية؟ بات الوضع مفلتا من تحكم النظام السياسي. كانت هذه الحكومة الشاذة فاقدة للشرعية. وها نحن إزاء أزمة سياسية غير مسبوقة. مجموع الأحزاب التي كانت تشكل التحالف الحكومي تتجاوز بالكاد نسبة ثلث الناخبين . و قد نزل حزب البازوك (الاشتراكي الديمقراطي) الذي فاز بانتخابات عام 2009 بنسبة 44 % من الأصوات ، إلى اقل من 10 % حاليا، حسب استطلاعات الرأي. وقد بات خامس قوة سياسية بالبلد، خلف حزبي اليسار الشيوعي (الحزب الشيوعي اليوناني و تحالف سيريزا Syriza) . وقد كلفت المشاركة بهذه الحكومة غاليا جدا للحزب المحافظ المسمى الديمقراطية الجديدة حيث تراجعت بقوة نوايا التصويت لصالحه. كشف التصويت بالبرلمان مساء أمس قطيعة كبرى بين الحزبين. لا اعتقد أن الأحزاب اليونانية ستصمد أمام هذه الأزمة حتى كأسماء. لم يعد حزب البازوك غير قوقعة فارغة. و يسير الحزب المحافظ على النهج ذاته بتبني الخيارات السياسية المطبقة. ستحدث انشقاقات و تشكلات جديدة من جراء وضع انعدام الاستقرار هذا الكبير. صورة اليونان، مهد الديمقراطية، الذي اعتبر انه جُرد من حقه في تقرير مصيره بذاته، هل هي مبررة؟ يشعر اليونانيون بإهانة عميقة مرفقة بالكارثة الاجتماعية. ويدركون جيدا انهم لم يعودوا يحكمون أنفسهم. مفاهيم الشرعية الديمقراطية و السيادة مهانة كليا. يتعلق الامر باملاءات مفروضة لا أقل و لا أكثر. نسبة مساندي هذه السياسة ضئيلة جدا بين سكان اليونان. هذا كاشف لواقع يتخطى حالة اليونان، فهذا يعني أوربا برمتها. ما هي أوربا التي تتصرف على هذا النحو؟ ما تحليلكم لموقف الوزير الأول، لوكاس باباديموس، الذي يلوح بفزاعة الفوضى و الإفلاس؟ ثمة عملية خداع جارية حول كلمة الإفلاس. الجميع يعلم استحالة سداد ديون اليونان. موضوع النقاش هو المفاوضات التي ستفضي إلى الغاء جزء من الديون. الابتزاز الذي تمارسه الحكومة اليونانية بفكرة الإفلاس هذه تهدف إلى طمس كون وقف الأداء حتمي. يريدون جعله قابلا للتسيير من طرف الاتحاد الأوروبي [والبنوك] بمنع انتقال العدوى إلى بلدان أخرى و بتصغير الخسائر، هذه هي الاستراتيجية الحقيقية. ليس وقف سداد الديون كارثة. لو جرى بمبادرة من حكومة اليونان بقصد إعادة التفاوض حول شروط قد تكون قابلة للتحمل، فسيكون السلاح الأنسب. إن على حكومة يونانية مسؤولية أن تفعل ما فعلت حكومة كيرشنر في العام 2003 في وضع أشبه بوجه انهيار الأرجنتين عام 2001. الحكومة تتصرف على نحو لامسؤول بهدف وحيد متمثل في محاولة حماية ما يمكن من مصالح قطاع البنوك. كيف ترون مستقبل المجتمع اليوناني؟ لن تمر أي سياسة ما لم تحظ بحد أدنى من دعم المجتمع، ولو أقليا. وهذا الحد الأدنى غير موجود في المجتمع اليوناني الراهن. إننا إزاء تدمير البلد. المستقبل سيطلع من رد فعل الشعب الذي سيفرض حلولا حقيقية و قابلة للاستمرار. و بصلب هذه الحلول ثمة وقف سداد الديون و إلغاء قسمها الأعظم مع إجراءات جذرية مثل إعادة النظر في العلاقة مع الاتحاد الأوربي و التخلي عن اليورو. بالنظر إلى حجم الكارثة، يصعب تجنب مشاعر الغضب و الخوف، لكن أرى أن الأمل يكمن في كون الشعب لا يخضع. سيرد اليونانيون، و هنا يوجد أمل إيجاد بدائل عادلة و قابلة للاستمرار اجتماعيا. أجريت المقابلة يوم 13 فبراير 2012 موقع ألونكونتر تعريب المناضل-ة