أبو علي مصطفى الهدف الأول في الانتفاضة.. لماذا اغتيل؟

حجم الخط

"عدنا للوطن على الثوابت.. لنقاوم لا لنساوم". جاءت هذه الكلمة من الرجل الذي تقلّد منصب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لتعطي الاحتلال الصهيوني صورةً هامّة عن دوره، وعن ثقله في الانتفاضة التي اندلعت بعد عامٍ فقط من عودته إلى الوطن.

شكّل الشهيد أبو علي مصطفى، حالةً وطنيّة كانت تحوز على الاجماع، لدوره ومحاولاته التي لم تتوقّف من أجل هدفٍ أساسيّ رأى فيه عاملًا هامًا في دعم الانتفاضة الفلسطينية، وهو الوحدة الوطنية. ما جعل منه محطّ أنظار الاحتلال، وجعل عين العدو ترقبه بشكلٍ مستمرّ منذ قدومه عام 1999، إلى أن اختارته كأوّل هدفٍ قياديّ فلسطيني تغتاله خلال الانتفاضة، لتوصل من خلال هذا الاغتيال رسائل عدّة.

دوره وثقله في الانتفاضة

يؤكد كايد الغول، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أنّ ما مثله أبو علي مصطفى من قيمةٍ كبيرة على الساحة الفلسطينيّة، من الصلابة ووضوح الفكرة، واستعداده للتضحية، إضافةً لإيمانه العميق بقناعات المقاومة بكلّ ما يُتاح من وسائل، وعلى رأسها العمل المسلّح، جعل من ذلك سببًا هامًا لعملية اغتياله التي نفذها الاحتلال، في مثل هذا اليوم عام 2001.

كان أبو علي مصطفى جزءًا وركيزةً في موقف الجبهة الشعبية السياسيّ، والتي رفضت اتفاقات أوسلو ومسار العملية السياسيّة "السلمية. فيّبيّن "الغول، الذي كان مقربًا من الشهيد أبو علي مصطفى" أنّه سعى فور عودته للوطن إلى التأكيد على رفض هذا النهج، والتعبير عن ذلك بمختلف الأشكال، في الوقت الذي أرادت فيه "إسرائيل" تكريس هذا الخيار الذي يؤمِّن تنفيذ مخططاتها.

الغول أكد خلال لقاءٍ مع "بوابة الهدف" أنّ "برنامجه السياسيّ الذي وضعه لتجسيد الوحدة الوطنية ، حظي باستجابةٍ واسعة، إلى جانب دوره في توحيد القوى الديمقراطية على الساحة".

ويُضيف أنّ أبو علي "عمل منذ عودته إلى الوطن باستنهاض تنظيم الجبهة في الضفة بعدما ظن الاحتلال أنّها انهكته، لكن نزوله للضفة أعاد تفعيل كلّ الطاقات الكامنة داخل التنظيم، وبدأت يلعب دورًا متقدمًا في الساحة الفلسطينية".

ساهم كلّ ذلك في توليد عوامل الانتفاضة الثانيّة، وقد كان للشهيد أبو علي مصطفى دورًا هامًا في الحالة التي عاشها الشعب الفلسطيني خلالها، حيث كان "يؤكد على ضرورة تطوير الانتفاضة لتصبح حالة نضالية شاملة بكافة أشكالها، وكان له مساهمة مركزية في دور الجبهة في إطار الانتفاضة". كما يُبيّن الغول.

من جانبه رأى الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، أنّ أبو علي مصطفى كان يلعب دورًا هامًا في تفعيل وتنشيط الجبهة، وجمع التيار الديمقراطي. إضافةً إلى أنّ الجبهة الشعبية خلال قيادته (التي تقلّدها في المؤتمر الوطني السادس للجبهة عام 2000)، لعبت دورًا في العمل المسلح، فأرادت "إسرائيل" إيصال رسالة أنّ من يواصل المقاومة المسلحة فهو مهدد بالاغتيال، وأنّ هذا الرد بدون سقف، حيث يصل إلى القيادات والمواطنين سواء.

أمّا الكاتب والمحلل طلال عوكل، يرى أنّ "إسرائيل" هدفت للقضاء على قيادات الفلسطينيين خارج أوسلو وخارج السلطة، وكل من كان يتوقع منه دور ثوري كبير.

وفي هذا السياق كان اغتيال أبو علي مصطفى، والذي "كان له موقف كبير لم يخفيه قبل أو بعد وجوده في الوطن، وكان هناك خوف من الاحتلال أن يكون هناك عقبة أمام أوسلو، أو تحويل الصراع إلى صراع قوي بكلّ الأشكال".

ومع بداية الانتفاضة التي تحسّنت وانتقلت من طابعها الشعبي إلى طابعٍ مسلّح، ودور الجبهة الشعبية التي كانت عنصرًا أساسيًا فيها، يرى عوكل أنّ "شبابها كانوا أصحاب دور كبير خلالها، وهذا الدور كان خلفه عقل كبير، يتمثّل في أبو علي، وجاء اغتياله لإزالة أيّ عقبة أمام كلّ من يعارضها".

أثر اغتياله على الانتفاضة

أرادت قوات الاحتلال تصفية أبو علي، نظرًا لدوره الهامّ خلال الانتفاضة، وليكون بذلك أوّل أمين عام فلسطيني، وأول قيادي يتم اغتياله منذ بدء الانتفاضة. وقد تمّت العملية من باستهداف مكتبه بمدينة رام الله، في قصفٍ مروحيّ (في 27 آب/أغسطس 2001).

يُبيّن الغول أنّ "إسرائيل" أرادت قطع الطريق على تنامي دور الجبهة الشعبية خلال تلك الفترة، وإضعاف الانتفاضة من خلال اغتيال واحد من أهمّ مفجّريها، حيث عملت على إيصال رسالة لكل من يفكّر بإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري، وذلك بتهديده ولتقول له أنّه معرّض للاغتيال.

ويرى الكاتب هاني المصري في تصالٍ مع "بوابة الهدف"، أنّ خسارة قائد بحجم أبو علي مصطفى أثّر على الانتفاضة بشكلٍ كبير. لكن "عملية الاغتيال كانت في ذروة الانتفاضة، مما جعله حافزًا على استمرارها، وكان دليلًا على أنّ القيادات أيضًا تدفع الثمن وهي في المقدمة إلى جانب المواطنين، مما شجّع الناس على حذو دورهم في ذلك الوقت".

وعن الأثر السلبي لاغتياله، رأى المصري، أنّه يأتي من ثقل دور الشهيد أبو علي، وذلك من خلال ما سببه غياب شخص مثله، مما لا يمكن تعويض وجوده. لكنه يرى أنّ "اغتيال رحبعام زئيفي جاء في محاولة لسد هذا الجانب".

في السياق، بيّن الكاتب طلال عوكل أنّ أثر اغتيال أبو علي مصطفى كان كبيرًا، "سواء على نطاق الجبهة، وعلى نطاق الشعب الفلسطيني كاملًا، واغتياله كان يتناول الصف الأوّل في قيادات الشعب الفلسطيني وهذا ما سلكته "إسرائيل" مع الانتفاضة، باستهداف القادة سواء من الجبهة أو حماس أو فتح".

وكانت قوات الاحتلال في ذلك الوقت عملت على إيصال عدة رسائل للجبهة، بدءًا باغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى، ثم باعتقال عبدالرحيم ملوح، نائب الأمين العام، وصولًا إلى اعتقال أمينها العام اللاحق، الأسير أحمد سعدات. كل ذلك جاء بهدف إرباك التنظيم وإضعاف دوره الذي قام عليه الشهيد أبو علي.

حياة بسيطة وشخصية حسّاسة

في النظر إلى جانبٍ آخر في حياة الرجل الذي أثّر على الانتفاضة، قبل بدايتها، وبعد اندلاعها من خلال استشهاده، وبقوّته الكبيرة وثقله، فإنّ كان يعيش حياة بسيطة في جوانبها، فأبو علي لما يكُن إلّا إنسانًا يحمل الجوانب المختلفة في شخصيّة أيّ إنسان، والتي تعتبر حدته وقوته، ورغبته القوية في استعادة حقّه الفلسطيني، محورًا هامًا من شخصية هذا الإنسان.

يكشف المصري عن جانبٍ من حياة رفيق دربه، فيقول أنّه "كان يحصل على دعم ومساعدات ومبالغ ماليّة من الأقارب والأصدقاء، من أجل المقاومة ويُضيفها إلى صالح الجبهة الشعبية في عملها المسلح".

"عاش ومات نظيف اليد، ومن يلاحظ أحوال أسرته بعد وفاته فإنّه يتأكد من ذلك، وهذا مثال على قيادات قليلة، ليس مثلها الكثير بينها أبو علي مصطفى والحكيم جورج حبش" يكمل قوله.

أمّا طلال عوكل، فأراد خلال لقاءه مع "بوابة الهدف"، أن يتذكر جوانب شخصية أبو علي مصطفى، بعد مرور 15 عامًا على اغتياله، فيقول أنّه كان "إنسان متواضع، بقدر ما كان عميقًا وثوريًا ومسؤولًا. فهم الحياة بشكلها الصحيح. بدأ وهو صغير، لم ينطلق للجامعات ليحمل الشهادة أو إلى المشاريع والاستثمارات، لم يكن ابن عائلة غنيّة".

وفي عرابة، التي ولد فيها أبو علي مصطفى عام 1938، وقبل أن يُسلب الحقّ الفلسطيني، عُرف ابو علي مصطفى بشخصيةٍ متزنة، وشخصية عميقة ووطنيّة، وبقيت معه في كلّ فترات حياته.

فيُبيّن عوكل أنّه "كان إنسانًا ودودًا وحساسًا، من يراه يظن أنّه شخصية حازمة لا تعرف المزح، إنمّا كان يخبئ في داخلها شخصية تحب الفرح وتعيش الحياة بكلّ تفاصيلها، يشارك الناس أفراحهم ومناسباتهم، وأحزانهم".

واعتُبر أبو علي مصطفى، أوّل قيادي فلسطيني من الصفّ الأوّل تغتاله سلطات الاحتلال، خلال الانتفاضة الثانية، وهو من مواليد عرابة (قضاء جنين)، واسمه الحقيقي مصطفى علي الزبري. وقد عاش حياته ما بين معتقلات الاحتلال، ومتغربًا ما بين الأردن ولبنان وفلسطين، حتى اغتياله، بعد عامين من عودته إلى الوطن.

http://hadfnews.ps/post/20091