الثنائية القطبية عودة لتوازن الحلول والمصالح

حجم الخط

عادت الثنائية القطبية مرة أخري على مسرح السياسية الدولية بعد أن انهارت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق في التسعينات من القرن الماضي حيث احتكرت الولايات المتحدة الأمريكية دور الهيمنة على النظام الدولي في محاولة فرض رؤياها السياسية والاقتصادية والأمنية وفقا لمصالحها الاحتكارية الامبريالية الاستراتيجية وذلك منذ تلك الفترة إلى فترة قريبة مضت باعتبار أنها كانت تجد في  نفسها القدرة بما تمتلكه من مقومات الدولة العظمى الأولى في العالم  على تحمل مسؤولياتها في حفظ النظام الدولي.

 وقد كانت واشنطن انطلاقا من استراتيجيتها العسكرية التي تعتمد في تنفيذها على ترسانة جبارة موزعة في أرجاء العالم والتي تستعرضها عند كل أزمة دولية تقوم بإشعال الصراع على المستوى الإقليمي والدولي تحقيقا للحفاظ على حيوية النظام الرأسمالي الامبريالي في نهبه لموارد دول العالم الثالث خاصة النفطية منها وفي إطار ذلك تم احتلال العراق وتدميره بحجة امتلاكه على أسلحة الدمار الشامل وقبل ذلك كان احتلال أفغانستان بذريعة الإرهاب الدولي.

الان انتهت سياسة القطب الاوحد الذي كان يحكم النظام الدولي وظهرت أوضاع دولية جديدة لها تأثيرها المباشر على مجرى الأحداث السياسية والعسكرية المعاصرة وكانت سياسة القطب الاوحد  قد  بدأت بانتهاء الحرب الباردة وزوال خطر الاتحاد السوفييتي السابق  وانهيار المعسكر الاشتراكي النقيض الموضوعي للمعسكر الرأسمالي  وطيلة تلك الفترة كانت  تعمل الولايات المتحدة  على نزع سلاح الجمهوريات السوفيتية السابقة كما حصل مع أوكرانيا حيث تم توقيع معاهدة في هذا الخصوص كما بدأ حلف شمال الأطلسي في ظل التفرد الأمريكي واختفاء حلف وارسو  على السعي للتمدد في دول شرق أوربا وكان تدخله في الحالة اليوغسلافية بقرار من واشنطن بقصف جمهورية صربيا  المدعومة من روسيا بحكم تشابه العرق السلافي في كلا البلدين  بداية لتنفيذ مهمات  جديدة في الحلف لتوسيع دوره العدواني ليشمل كافة بؤر التوتر الاقليمي وهذا ما حدث قبل أعوام   في ليبيا أثناء موجة ما سميت بثورات الربيع العربي  ضد نظام القذافي.

عادت القطبية الثنائية الآن بعد ظهور روسيا الدولة العظمي في موقعها الجغرافي في شرق أوربا وعلى تخوم قارة آسيا وبتعدادها البشري وتاريخها الحضاري الغنية بالنفط والغاز ووريثة الاتحاد السوفييتي السابق في المقدرة العسكرية النووية وامكانيتها الاقتصادية  وجاء احتلالها لجزيرة القرم ومنعها لحلف الناتو الاستعماري في استمرار   التمدد نحوها بهدف محاصرتها  ثم اخيرا تدخلها العسكري المباشر في سوريا بجانب نظام بشار الأسد والذي جاء كرد على التدخل الغربي في الأزمة الأوكرانية  ليثبت بالدليل القاطع  على ارض الواقع  بانها بالفعل  القطب الثاني الذي قضى نهائيا على ظاهرة  القطب الاوحد الذي كانت تمثله الولايات المتحدة وهذا المتغير النوعي على المسرح الدولي من شأنه اخيرا أن يفتح الطريق لحلول متوازنة  للأزمات الدولية ومنها الأزمة السورية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ...

في الأزمة السورية جاء التدخل العسكري الروسي للحفاظ على موقع سوريا الوطني في المنطقة العربية والشرق الأوسط حتى لا تتحول إلى دولة ضمن المعسكر اليميني الرجعي الذي يرتبط بعلاقات التبعية بكل أشكالها مع دول الغرب الرأسمالي خاصة أن المعارضة السورية تقوم في غالبيتها على أرضية يمينية معتدلة مدعومة من الولايات المتحدة او طائفية تتسم مرجعيتها بالتطرف الإسلامي   لذلك فهي معارضة سياسية ومسلحة مدعومة من قوى خارجية معادية لمسألة التحرر الوطني.

كما يجيء التدخل العسكري الروسي ايضا لاستمرار الحفاظ  على وحدة الأراضي السورية من التجزئة والتقسيم العرقي والطائفي في ظل انهيار الدولة الوطنية والإبقاء على  العلاقات التاريخية التي كانت تربط النظام السوري البعثي بالاتحاد السوفييتي السابق خاصة في المجال الأمني و الإمداد العسكري   والمباحثات تجري الآن   بشكل دائم بين وزير خارجية البلدين الروسي والأمريكي اللذان  توصلا في جنيف قبل مدة  إلى اتفاق هدنة متوازن سرعان ما تم عدم الالتزام به من كلا الطرفين المتصارعين المعارضة والنظام حيث المعارك تجري على أشدها في مناطق حلب التي تشهد تصعيدا في القصف الجوي الروسي يقابله التلويح بتدخل  عسكري  أمريكي  فاعل   لكبح جماح الغارات الروسية والحكومية وهو ما يؤكد على وجود ثنائية قطبية في تطور الصراع في  فصول الأزمة السورية وان أي حل لهذه الازمة أصبح الآن مرهونا بتوازن المصالح والحلول  بين القطبين الرئيسيين الروسي والأمريكي.

وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد بدأت موسكو في الاشتراك فعليا في الجهود التي تبذل الآن لحل القضية الفلسطينية على أساس مشروع حل الدولتين الذي وصل إلى طريق مسدود بسبب التعنت والصلف الإسرائيلي وفشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على القيام بدورها المطلوب في ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني وإلزامه بدفع استحقاقات السلام العادل وقد تجيء دعوة بوتين الرئيس الروسي لعقد لقاء قمة بين الرئيس أبو مازن ونتنياهو قبل عقد مؤتمر الدولي للسلام المزمع عقده بمبادرة فرنسية قبل نهاية العام الحالي.

تجيء هذه الدعوة كخطوة في الدور الروسي المتنامي على المسرح السياسي الدولي كواقع يدلل على انتهاء سياسة القطب الاوحد.التي كانت تحتكره العاصمة الأمريكية واشنطن. .....