اتجاه لتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات بحقّ الأسرى

حجم الخط
لا يحتاج فقهاء القانون الدولي في عاصمة حقوق الإنسان في جنيف إلى الكثير من العناء للاكتشاف أن إسرائيل هي دولة أبرتهايد، من جدار الفصل إلى المستوطنات. اللائحة تطول، وتتصدرها هذه الأيام قضية الأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيليّة تردّد كثيراً في جنيف، خلال اليومين الماضيين، اسم الأسيرة هناء الشلبي، باعتبار قضيتها نموذجاً لإمعان دولة الاحتلال في امتهان الكرامة الإنسانية للمعتقلين والمعتقلات في السجون الإسرائيلية. بالطبع، لن ينجح المؤتمر، الذي دعت إليه لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، في إعادة الاعتبار الى حق الأسيرة الشلبي غير القابل للتصرف في العودة الى بلدتها برقين جنين، شمال الضفة الغربية، بعدما أبعدتها إسرائيل الى قطاع غزة كشرط للموافقة على إطلاق سراحها بعد إضراب عن الطعام دام 43 يوماً، وهي التي أعيد اعتقالها إدارياً، بعدما نجحت المقاومة الفلسطينية في إطلاق سراحها من خلال عملية التبادل التي أطلق بموجبها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. المؤتمر، الذي اختتمت أعماله أمس في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، ركز على «الآثار القانونية والسياسية للسجناء السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال». ويهدف المؤتمر، بحسب المنظمين، الى رفع مستوى الوعي حول قضية الأسرى وحشد المجتمع الدولي لطرح هذه القضية، وصولاً الى إطلاق سراحهم وإعادة دمجهم في المجتمع الفلسطيني. لكن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق بالطبع، بما فيه الحشد الدولي، إذ إن المشاركة في المؤتمر كانت خجولة ودون الحد الأدنى المطلوب، رغم أنه لا يتعارض مع مواعيد مؤتمرات أخرى. ويعدّ هذا المؤتمر الثاني بعد مؤتمر آذار 2011 في مقر الأمم المتحدة في العاصمة النمسوية، فيينا، حول الموضوع ذاته وفق قرارات الجمعية العامة 66/14 و1566/30. ويأتي انعقاد المؤتمر قبل أسبوع على بدء فعاليات يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان وتستمر إلى 22 منه، هذا اليوم الذي كرس للتضامن مع الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية، حيث أعلن الأسرى في خمسة سجون إسرائيلية بدء الإضراب عن الطعام في إطار خطة تصعيدية ستستمر حتى 27 نيسان الجاري، إن لم تعمد إسرائيل الى تحسين ظروف الأسرى المعيشية. وزير شؤون الأسرى في السلطة الوطنية الفلسطينية، عيسى قراقع، اقترح تشكيل لجنة تحقيق دولية، برعاية الأمم المتحدة، حول الأوضاع الإنسانية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون وما يتعرضون له من انتهاكات على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي. ممثل بعثة فلسطين الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، إبراهيم خريشة، قال في حديث إلى «الأخبار» إن مجلس حقوق الإنسان قد اتخذ عشرات القرارات التي تطالب إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي وإطلاق سراح الأسرى، لكنّ أيّاً من هذه القرارات لم ينفّذ. اقتراح آخر تقدم به الوزير قراقع يتعلق بوضع آليات قانونية لاتخاذ قرار من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة للتوجه الى محكمة العدل الدولية لاستصدار استشارة حول المركز القانوني للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال والتزامات المجتمع الدولي لمواجهة الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية لحقوق المعتقلين، وفق قواعد القانون الدولي وأحكامه. كما طالب بالضغط على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربع لعقد مؤتمر لها لإلزام إسرائيل على الاعتراف بانطباق هذه الاتفاقيات على الأراضي الفلسطينية. وكان حفل افتتاح المؤتمر قد تضمّن كلمات للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ألقاها منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، ماكسويل غايلارد. ورئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، السفير السنغالي لدى الأمم المتحدة عبد السلام ديالو. كما تحدث عدد من مندوبي الدول العربية الدائمين لدى الأمم المتحدة في جنيف، وسط غياب لافت للبعثة السورية. ومثلت مندوبة لبنان الدائمة، السفيرة نجلا عساكر، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي تحدث في المؤتمر بصفته ممثلاً للجمعية البرلمانية لحوض البحر المتوسط والتي تتابع قضية احتجاز إسرائيل 27 برلمانياً فلسطينياً، بينهم النائب أحمد الحاج علي (72 عاماً)، والذي بدأ إضراباً عن الطعام لاعتقاله التعسفي. وناقش المؤتمر خلال 4 جلسات الجوانب القانونية والإنسانية لعمليات توقيف واعتقال الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال والنظر في حال المعتقلين وفق معايير القانون الدولي. ومن أبرز المتحدثين خالد قزمار من المنظمة الدولية للدفاع عن أطفال القدس، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد شريم، وقدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني، وجون دوغارد المقرر الخاص السابق المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين. كما قدم حنيف فالي، من مؤسسة حقوق الإنسان في جوهانسبورغ، مداخلة حول آلية التعاطي مع قضية المعتقلين في كل من ناميبيا وجنوب أفريقيا، مطالباً بكشف أسماء مجرمي الحرب الذين يمارسون التعذيب في السجون الإسرائيلية ورفع دعاوى جنائية ضدهم في المحاكم الوطنية والدولية. «الدبلوماسية الفلسطينية لن تيأس» منذ إنشائها في عام 1975 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ساهمت اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه، غير القابلة للتصرف، في التوعية بقضية فلسطين على المستوى الدولي، وطرأ بعد توقيع اتفاقية أوسلو تغيّر جذري في عملها، لجهة التركيز على حل القضايا التي بقيت عالقة، وأهمها القدس والمياه والمستوطنات والحدود واللاجئون. ويلفت مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، رياض منصور، الى أن اختيار اللجنة قضية الأسرى، للعام الثاني على التوالي، هو أمر بالغ الأهمية، مشدداً على أن الدبلوماسية الفلسطينية لن تيأس، رغم أن إسرائيل لا تطبق القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالتحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى. وآخرها القرار الذي اتخذته الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية لجهة تشكيل لجنة طبية متخصصة للتحقيق في الظروف الصحية والنفسية للأسرى الفلسطينيين، لكن إسرائيل بالطبع لم توافق على منح أعضاء اللجنة حق الدخول الى سجونها. بحسب منصور. بدوره، يلفت وزير شؤون الأسرى، عيسى قراقع (الصورة)، إلى أن الكنيست الإسرائيلي يسهم في انتهاك حقوق الأسرى من خلال ستة مشاريع قوانين عنصرية بحق الأسرى، أبرزها مشروع قانون المقاتل غير الشرعي. وسأل قراقع كيف يكون مقبولاً على المستوى الدولي عندما يدعو وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الأسرى الى أن يتعفنوا في السجون. ويلفت الى أن الحملة الدولية القانونية والإنسانية يجب أن تطور عملها وتسعى الى تشكيل ائتلاف دولي من مختلف مؤسسات حقوق الإنسان.