عن ضرورة تطور اليسار الماركسي العربي

حجم الخط

قد اتفق مع الكثيرين من رفاقي في فلسطين والوطن العربي حول ضرورة اعادة تحديد معنى اليسار الماركسي الديمقراطي باتجاه التطور والتجدد ، فماذا يمكن أن يعني , بالملموس , هذا الكلام ؟ 

 إنه يعني ان نتخلى عن النظرة العقائدية الجامدة إلي الماركسية ، واعادة الاعتبار إلي جوهر" الديالكتيك التاريخي"والمنهج المادي الجدلي ، والاقتناع بأن التاريخ الذي لا نهاية له لا يسير دوما وبالضرورة على خط مستقيم صاعد, وان الصراع الطبقي هو أحد اهم العوامل الرئيسية المحركة له إلي جانب عوامل أخرى، لذلك يجب أن تستعيد الماركسية دورها ككاشف لحركة الواقع وكمنظِّر لها (على الصعد الوطنية والقومية والاممية ).

إن النقد الجاد الكامل والصريح، هو نقطة البداية، لإعادة صياغة فصائل وأحزاب اليسار العربي ،إلى جانب إعادة صياغة أهداف الثورة التحررية الديمقراطية العربية،وصياغة برامجها والياتها وممارستها على أساس علمي على الصعيد الوطني في كل قطر عربي ، بعد أن توضحت طبيعة الطريق المسدود الذي وصلته الأنظمة العربية، وما انتهت إليه مسيرة هذه الحركة بسبب أزمة فصائلها وأحزابها اليسارية ، وأزمة قياداتها خصوصاً، وهي ازمة تستدعي المبادرة إلى تقييم ونقد التجربة السابقة ، الى جانب دراسة الخصائص والمنطلقات السياسية والفكرية التي تميزت بها تلك الفصائل والاحزاب طوال الحقبة الماضية، والتي  كان إهمالها في الماضي أحد الأسباب الرئيسية لتعثر قوى اليسار العربي وتراجعها وفقدانها لتأثيرها ودورها.

لذلك ،  يجب أن نعمل من أجل أن تستعيد الحركات الماركسية دورها الاستنهاضي الديمقراطي الثوري في بلادنا عبر دور طليعي سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي متميز في تجسيد طموحات ومصالح الجماهير الشعبية الفقيرة في كل بلد عربي من كل فصيل او حزب يساري كخطوة اساسية على طريق الحوار الجاد لتأسيس الحركة الماركسية الديمقراطية العربية….

 هذه هي المهمة الراهنة، وهذا هو الهدف الاستراتيجي المركزي في لحظة تفاقم التناقضات الطبقية مع القوى الرجعية وقوى الاسلام السياسي وانظمة الاستبداد والتخلف والتبعية ، إلى جانب تفاقم التناقضات التناحرية مع دولة العدو الإسرائيلي والتحالف الامبريالي .

 إننا في لحظة إعادة صياغة الأهداف التي تعبِّر عن الطبقات المعنية بالصراع ضد انظمة وحركات الاستبداد والاستغلال والتخلف، ومن اجل تفعيل النضال الوطني والقومي التحرري الديمقراطي التنويري العقلاني ليس على طريق النهوض  والتحرر الوطني فحسب، بل ايضا من اجل البناء الديمقراطي والتنمية المستقلة والتصنيع والتقدم التكنولوجي وتحقيق مقومات العدالة الاجتماعية لمجتمعاتنا العربية من منطلق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل بلد عربي من أجل تأسيس نمط إنتاجي بديل، اشتراكي وديمقراطي.وعلينا أن ندرك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب توعية وتأسيس وتنظيم القوة المنظمة الجذرية حقا ، و الثورية حقا ، و نقصد بذلك الطبقة العاملة المتحدة مع الفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين في إطار تحالف يضم كل الفئات المتضررة من الرأسمالية.

المهم أن ننطلق من قناعتنا بأن "الناس هم الذين يصنعون التاريخ" ... هذه هي القيمة الثورية التاريخية للماركسية، خاصة وأننا نعيش اليوم في ظروف تستدعي - وبالحاح - انتشار الروح الديمقراطية الثورية ضد أنظمة التبعية والتخلف والاستبداد في ظروف تفاقم الهيمنة الامبريالية والصهيونية على مقدرات شعوبنا ، والانتشار غير المسبوق لحركات التطرف الإسلاموية والثورة المضادة والصراعات الطائفية الدموية، وتفاقم مظاهر الفقر والصراع الطبقي، وغياب الأفكار التوحيدية على الصعيدين الوطني والقومي، وبالتالي فإن الحاجة إلى برنامج الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية بآفاقها الاشتراكية اكبر بما لا يقاس من أي مرحلة سابقة..فالمستقبل لمن يحمل هذه الرؤية ويجسدها بالممارسة .