مسيرة العودة وسؤال الهوية

حجم الخط

الهوية على حد تعبير ماكس فيبر هي" شعور ممأسس على تصور ذاتي لنفس الكل الاجتماعي،والتي تجعل الوجود الاجتماعي نفسه يقوم على تمايز واضح، ويرافق ذلك تخيل مجموعة لاخرى وفق آليات نمطية للافراد أنفسهم بصور إيجابية وصور سلبية.

الهوية بمعنى فيبر الشعور بالقاسم المشترك كبناء اجتماعي وليست حالة طبيعية، لا يشعر بها ولا تتمثل إلا عند إدراك الفاعل الاجتماعي بإنتمائه لفئة اجتماعية محددة .

مسيرات العودة إستعادة لدور الأرض كفاعل أساسي في الذاكرة الجمعية الفلسطينية بإعتبارها أي الأرض المرجعية الجغرافية والثقافية والتاريخية ، ومن خلالها تتم عمليات إعادة تملك التاريخ القديم للتأكيد على الاستمرارية التاريخية ، مسيرات العودة أعادت التأكيد على أن هوية فلسطين حاضنة لحالة نجدها مختزلة في قصص عن منزل مصادر، ومفاتيح للذكرى، وشجر صبار ينبت مكان قرى مدمرة، وزيتون،  وبساتين برتقال منهوبة، وقرى محروقة، وعائلات مشتتة ، ومخيمات تتوق إلى العودة، هذه الهوية ما زالت تبحث عن طرق الوصول إلى مستقبل عادل لا يحده مكان أو وقت.

أساس قوة وسحر هذه الهوية أنها على أرضها التاريخية تصارع مستعمرها ، فهي في الناصرة ويافا والخليل ونابلس ورفح وخان يونس .

مسيرات العودة أكدت على الالتحام بين الأرض والإنسان، فتحرير الأرض متداخل مع تحرير الإنسان ، هي تعبير حي عن أن هذا الشعب الذي قدم وما زال التضحيات الجسام لهو جدير أن يحيا حياة كريمة على أرضه التي طرد منها على مدار سبعة عقود متواصلة ، وها هو يستعيد زمام المبادرة من خلال مسيرات العودة والتي برأينا شكلت:

فرصة يجب التقاطها لتحقيق الوحدة الضائعة، لأنها جسدت الوحدة وأهمية المقاومة الشعبية السلمية التي تشارك فيها جموع كبيرة ، وتستند إلى المقاومة المسلحة التي تكبح قوات الاحتلال من اقتحام القطاع واحتلاله.

إن من أهم الدروس المستفادة من المسيرة :

 أولاً: أهميةُ الفصل ما بين العمل الجماهيري السلمي والمسلح، بحيث يستخدم كل شكل في وقته المناسب، وطرح أهداف ووسائل نضال جامعة، مثل العودة، ورفع الحصار، وسلمية الكفاح وجماهيريته. كما أكدت الأحداث محورية إيجاد قيادة موحدة تبتعد عن التجيير والاستثمار السريع للمسيرة لمصالح فئوية وفصائلية، والخلط ما بين الممكن وغير الممكن، والهدف الإستراتيجي البعيد عن التحقيق الآن والأهداف التكتيكية ممكنة التحقق. 

وثانيًا، علينا أن نحرص على أن تكون المسيرة جماهيرية وسلمية وقادرة على الاستمرار والتعاظم، وتقدم نموذج قابل للتعميم في التجمعات الفلسطينية الأخرى، مع بذل كل الجهود لتفادي وقوع ضحايا، أو تقليلها إلى أدنى حد ممكن.

ثالثاُ: أن كل محاولات كي الوعي الجماعي للفلسطينيين ، وتذويب هويتهم الوطنية الجامعة باءت بالفشل أمام إصرار هذه الجموع الثائرة على استعادة حق العودة .

رابعاً: إعادة القضية الوطنية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي الرسمي والشعبي.

خامساً: قطع الطريق على صفقة القرن والتي تحاول شطب قضيتي القدس والعودة من على جدول أعمال القرن ، فجاءت مسيرات العودة لتثبيت حق العودة على جدول الأعمال العالمي .

ساساً: ضرورة بلورة أهداف واقعية وممكنة التحقيق، واشتقاق برنامج نضالي كفاحي يعيد الشعب بكافة مكوناته وأماكن تواجده إلى صدارة المشهد ، وقيادة وطنية ملتصقة بهموم وقضايا شعبها .

سابعاً: ضرورة صياغة  "مخيالية سياسية " حاكمة لمسيرات العودة قبل المضي فيها، ويكون بمقدورها أن تتحول في مجرى الفعل الكفاحي إلى استراتيجية قابلة للاستمرار وقادرة على تحقيق الأهداف المرجوة.

 في مجرى النضال الوطني طوال سبعين عاما، تأكدت مجموعة  أمور، يجب أخذها بعين الاعتبار عند كل جولة من جولات الصراع طويل الأمد:

(1) أننا نواجه منظومة كولونيالية من نوع فريد تتسم بالوحشية ولا ينقصها الدهاء.

(2) يتمتع الفلسطينيون بطاقة كفاحية لا تنضب وذاكرة جمعية لا تمحى.

(3) انعدام الحاجة للخطاب التعبوي والشعبوي مقابل الحاجة إلى خطاب سياسي عقلاني يربط بين الوسائل والأهداف، يوازن بين الواقع والرغبة.

(4) ضرورة تفعيل البعد القومي ، والبعد التحرري العالمي من أجل مد المسيرات بمقومات صمودها.

وفي الختام ، فقد شكلت مسيرات العودة أنصع تعبير عن الهوية الفلسطينية الجامعة.