قمة ليست على مستوى التحديات .. ما جدوى عقدها...؟!

حجم الخط

بإنعقاد قمة الدمام في السعودية يكون العرب منذ عام 1945 تاريخ انشاء جامعة الدول العربية، قد عقدوا تسع وعشرين قمة عادية وتسع قمم طارئة، وفي كل قمة عربية يا ليتنا بقينا نرى تكراراً واجتراراً إنشائياً لنفس الديباجات والنصوص والبيانات الختامية والقرارات الصادرة عن القمة العربية، بل نرى أن هناك هبوطاً وتراجعاً وتخلياً عن المقررات السابقة، تحديداً فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وحتى في ظل هذا التراجع والإنهيار، لم تلمس الجماهير العربية متابعة او تنفيذا أو تطبيقاً لواحد من قراراتها في هذا الشأن يحفظ ماء وجه هذه القمم وقياداتها، ويجعلها مصدر ثقة واهتمام المواطن العربي، فهي على سبيل المثال لا الحصر "تجتر" الحديث عن تمسكها بمبادرتها العربية للسلام منذ قمة بيروت في آب/2002، وحتى اللحظة، دون ان تطرح اي بديل أو أية برامج وخطط للمواجهة وإجبار اسرائيل على قبولها، في ظل رفضها المستمر لها، هذا المواطن الذي ربما يفضل متابعة الدوري الاسباني او الايطالي على أخبار تلك القمم، فهي لا ترتقي الى مستوى طموحه ولا تعبر عن همومه ولا تستجيب لتطلعاته، بل قمم تحكمها التجاذبات والصراعات والخلافات والمؤامرات والحرد والمزايدات.

ما بين قمة لاءات الخرطوم الثلاث «لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل» وما وصلنا إليه كأمة ودول عربية الآن، جرت الكثير من المياه، وحدثت الكثير من المتغيّرات والتطوّرات والتحوّلات، فالنظام الرسمي العربي تعمّقت أزمته البنيوية، وتغيّر الدور والوظيفة له سلباً، بحيث أضحى يلهث ليس فقط خلف الصلح والمفاوضات والاعتراف باسرائيل، بل وصل الأمر بهذا النظام حد المشاركة الفعلية في التأمر على شعبنا الفلسطيني، بالضغط عليه للقبول بما يسمى بصفقة القرن،صفعة العصر، لشطب وتصفية القضية الفلسطينية، والحديث عن حق اليهود بأرض فلسطين، وهذا ليس اعترافاً بدولة الإحتلال بحكم الواقع، بل يعبر عن نهج خطير، بالإقرار بالحق اليهودي في أرض فلسطين، بإستعارة كلمات المجرم بلفور، حول وعده لليهود بوطن قومي لهم في فلسطين، وأيضاً سعى هذا النظام الرسمي العربي الى شرعنة وعلنية علاقاته التطبيعية مع اسرائيل، والقول بان هناك مصالح مشتركة له مع اسرائيل، لمواجهة عدو افتراضي مشترك ايران رسمته امريكا لهذا النظام العربي الرسمي المنهار، لكي تستمر في ابتزازه مالياً تحت يافطة وذريعة توفير الحماية العسكرية له، وهذا يتطلب شراء أسلحة ومعدات عسكرية أمريكية بمئات المليارات من الدولارات.

نعم نحن أمام نظام عربي عاجز ومنهار، ينخره الفساد في كلّ مكوناته ومركباته ومؤسساته، تتربّع على قمته قيادات حوّلت بلدانها إلى مشاريع استثمارية عائلية وإقطاعيات خاصة، تنهب معظم خيرات وثروات شعوبها، تصادر حقوقهم وحرياتهم، وتمارس كلّ أشكال القمع والتنكيل بهم لا توجد لديها أيّة خطط وبرامج تنموية تنتشل مجتمعاتها من براثن الجهل والتخلف والفقر والجوع والبطالة، وقرارها السياسي مصادر وأموالها تتكدس في البنوك الغربية والأميركية لا سيطرة لها عليها، وتدفع المليارات من الدولارات في سبيل حماية عروشها، وتقدّم التنازلات في قضايا أمنها القومي وسيادتها، ولا تتورّع عن تنفيذ ما يطلب منها على حساب المصالح العربية العليا، بما في ذلك تمويل وتسليح جماعات إرهابية تمارس القتل والتدمير والتخريب في أكثر من بلد عربي.

في كل القمم العربية، كان المتغير والمتحرك والمفعول به، هو قرارات العرب وشعوبهم المستباح أمنها والمقموعة حرياتها والمصادرة قراراتها والمنهوبة خيراتها، في حين اسرائيل كانت تحافظ على نفس مواقفها وثوابتها ولاءاتها ومتابعة وتنفيذ كل قراراتها، دون ان تلتفت الى قمم العرب، معتبرة بأن تلك القمم ليست أكثر من ظاهرة صوتية، قادتها ما يقولونه في العلن عكس ما يخفونه في السر.

لقد أراد العرب من خلال قممهم التصدي لإسرائيل ومنعها من تنفيذ مخططاتها وإستكمال اهدافها العدوانية في إحتلال وتهويد الأرض الفلسطينية والعربية، ولكن اسرائيل استمرت بمنهج ثابت واحد لم يتغير، وبإصرار على تنفيذ سياساتها ومشاريعها بالكامل.

وكان هذا الأمر واضحاً للجميع. أما العرب فكانت قرارات قممهم متحركة متغيرة وفي أكثر من اتجاه معاكس. اللاءات الثلاث التي رفعها العرب في وجه «إسرائيل» سرعان ما تراجعوا عنها بحكم الموقف العربي المتغير والمتحرك والمتراجع أمام التصلّب الإسرائيلي والموقف الثابت «لإسرائيل» التي رفعت في وجه كل العرب لاءاتها التي تتمسك بها وبكل قوة: لا لعودة القدس إلى وضعها السابق وهي العاصمة الأبدية الكاملة والموحدة لإسرائيل. لا لعودة اللاجئين، لا لإزالة المستوطنات. لا لعودة الضفة الغربية بكاملها للفلسطينيين. لا لدولة فلسطينية موحدة الأرض والشعب، لا لوقف الاستيطان والتوطين. لأن إسرائيل تعرف مسبقاً مع من تتعاطى ومع من تتفاوض ومدى معدن وصدقية الذين يفاوضونها في العلن والسرّ.

قمة الدمام التي تعقد غداً في السعودية، تأتي في ظل حالة عجز وإنهيارعربي غير مسبوقتين، وكذلك اصطفافات غير مسبوقة، واوضاع جداً خطيرة تعصف بالأمة، حيث سوريا تتعرض للعدوان عليها من قبل أمريكا والقوى الإستعمارية الغربية، في مقدمتها بريطانيا وفرنسا، وهناك عربياً من يقف ويصطف الى جانب امريكا في عدوانها هذا، بل وتنطلق طائرات العدوان من أراضيها، وكذلك القضية الفلسطينية تتعرض لمخاطر التصفية، عبر المشروع الأمريكي المسمى بصفقة القرن، والتي تشطب مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني القدس واللاجئين، وتمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام /1967 وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين وفق القرار الأممي (194).

قمة عربية، في ظل غياب دمشق عاصمة عربية مؤسسة، وحجر زاوية في المشروع القومي الوطني العربي، تؤشر الى ما ستكون عليه قرارات هذه القمة، وبالذات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث نرى هجمة كبيرة على حقوق شعبنا وقضيته، هجمة تريد دفع القيادة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات، تنازلات خطرة جداً، تصل حد الموافقة على خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وكذلك شرعنة المشاركة العربية في العدوان البربري الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا.

القمم العربية لم يعد احد يلتفت اليها، والعالم يرى بالعرب وقممهم ظاهرة صوتية وقراراتها إنشاء مكرر، وهي مجرد حبر على ورق يجف سريعاً بإنفضاض هذه القمة، فلا مصالحات عربية ولا إسلامية ستحصل في هذه القمة، ولا عقوبات إقتصادية أو تجارية او دبلوماسية على اسرائيل ستفرض بسبب رفضها للخطة العربية للسلام، واستمرار تهويدها للأرض الفلسطينية والمقدسات وفي المقدمة منها الأقصى، ولا خيارات اخرى سيلجأ اليها العرب لممارسة ضغوط جدية على امريكا واسرائيل، من اجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.