دلالات مظاهرات أهلنا في منطقة 48

حجم الخط

مظاهرة حيفا الأخيرة للتضامن مع أهلنا في قطاع غزة في مسيرة العودة التي تجري على الحدود في المنطقة المحتلة عام 48, هي حلقة في سلسلة التظاهرات وأشكال الاحتجاجات الأخري في هذه المنطقة العزيزة على قلب كلّ فلسطيني وعربي. مظاهرة حيفا جرى قمعها بشراسة صهيونية حاقدة , وكأن لسان حال إسرائيل ينطق بـ “لا تصدقوا…فهولاء تخلوا عن جنسيتهم الفلسطينية وعن عروبتهم, وهم مواطنون إسرائيليون!” . نقول ذلك ,لأن هذا الهدف هو ما حاولته وتحاوله دولة الكيان الصهيوني معهم طيلة 70 عاما على إنشائها القسري, من خلال طرق متعددة: الحكم العسكري عليهم, والذي ظلّ حتى عام 1967 , ممارسة المجازر والقتل اليومي بحقهم بدم بارد ,كما حصل مرارا في المجازر والمذابح العديدة التي اقترفتها ضدهم, كما أيضا في 30 آذار/مارس عام 1976 , الذي تحوّل بعدها إلى يوم للأرض الفلسطينية الخالدة, سرقة أراضيهم وتهديم بل مسح قراهم, فمجموع القرى الفلسطينية التي مسحتها دولة العدو عن الخارطة يبلغ 573 قرية, تهجير أهالي بعض قرى المناطق الفلسطينية في بئر السبع لإقامة مستعمرات صهيونية محلها.

كذلك, الاعتقال الدوري بحق الناشطين منهم, تكبيل حركتهم بسنّ مئات القرارات العنصرية ضدهم , منعهم من تدريس تاريخ قضيتهم , ,منعهم من الاحتفال بذكرى النكبة , فرض مناهج إسرائيلية على مدارسهم, تغيير أسماء القرى والمناطق والشوارع الفلسطينية العربية إلى أسماء يهودية. محاصرة بلدياتهم ومجالس قراهم بالمال في محاولة لترسيخ تخلف مشاريعهم ,مقارنة مع خطة تطوير سنوية للقرى والبلدات اليهودية, تفرقتهم إلى طوائف متعددة واللعب على العامل الديني, ووسائل تضييق أخرى غيرها. كل ذلك وغيره من أجل أن ينسوا هويتهم الفلسطينية العربية الكنعانية الفلسطينية اليبوسية الأصيلة, ومن أجل محو ثقافتهم العربية, وباختصار من أجل “أسرلتهم.

فشلت إسرائيل فشلا ذريعا وتاما في أهدافها, فخُلق جيل وطني فلسطيني وقومي عربي أصيل, أكّد ويؤكّد في كل لحظة هويته الفلسطينية, وعمق انتمائهم لشعبهم وأمتهم , ازداد تمسكهم بالرواية الفلسطينية للنكبة , ظهر جيل جديد من الأدباء والشعراء الفلسطينيين ,أدخل إلى القواميس العربية مفهوم “أدب المقاومة”, ومع مضي السنوات ورغم كلّ أشكال القمع الصهيوني لهم, هذا الذي يرتدّ عكسيا على دولة الاحتلال الفاشية الصهيونية, بمزيد من الارتباط لشعبنا في منطقة 48 مع شعبهم في الوطن وفي الشتات, ومع معاناته ومناسباته, مع نضالاته وأحلامه, مع مقاومته للاحتلال الفاشي الصهيوني واحتلاله لكل الأرض الفلسطينية, ومع قضايا أمتهم العربية في فضاء إنساني رحب من التعاطف مع قضايا التحرر الوطني في شتى أنحاء العالم, والنضال ضد كافة أشكال القمع والدكتاتورية والعنصرية البغيضة, حيث بات شعبنا في منطقة 48 نبراسا للمقاومة الأصيلة ضد كافة هذه الأشكال الوحشية, ومع الانحياز التام للعدالة وقيمها وللحرية, والمساوة والتحرر الإنساتي.

كعادتها دائما, صعّدت دولة الكيان السوبر فاشي من تحريضها العنصري على أهلنا من فلسطينيي الأرض المحتلة عام 48, في الوقت الذي قمعت فيه الأجهزة الأمنية الصهيونية, التظاهرات ضد جرائم الاحتلال والمجازر في قطاع غزة.

وكانت محكمة إسرائيلية قد اضطرت إلى الافراج عن كافة المعتقلين, في مظاهرة حيفا الأخيرة, بعد تعرضهم للضرب المبرح والتعذيب ونقل بعضهم إلى المستشفيات. وكان ووزير الحرب الفاشي ليبرمان, قد هاجم في تغريدة له على التويتر، “إنه في كل يوم يتجول فيه (عضو الكنيست) أيمن عودة وشركاؤه, أحرارا, ويشتمون عناصر الشرطة, فهذا يعكس فشل سلطات تطبيق القانون. إن مكان هؤلاء “المخربين” ليس في الكنيست, وإنما في السجن. آن الأوان ليدفعوا ثمن افعالهم”. يذكر ان العنف الفاشي الأخير ضد فلسطينيي 48, كانت بدايته الأسبوع الماضي, حين اعتدى رجال الامن الفاشي الصهيوني على التظاهرة التي دعت لها لجنة المتابعة العربية العليا, قبالة “حفل” نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. إذ تم الاعتداء على قيادات سياسية. وسعوا الى نزع الأعلام الفلسطينية من ايدي المتظاهرين. في حين قالت صحيفة “هآرتس” في تقرير لها: إن سلسلة من المؤشرات, تدل على أن لدى الشرطة أوامر داخلية,بمنع رفع الأعلام الفلسطينية, رغم الادّعاء بأن القانون الإسرائيلي لا يمنع رفعها منذ اتفاقيات أوسلو.

القمع العنيف والشرس شهدته مظاهرة الناشطين الشباب قبل عشرة أيام, وسط البلدة القديمة في مدينة حيفا, التي تحولت الى ساحة حرب بين المتظاهرين ورجال الامن المدججين بأسلحة ومعدات قمع المظاهرات, والتي لم تتوانى عن التنكيل بالمشاركين ,ومن بينهم النائبين زحالقة وحنين زعبي. وقامت بحملة اعتقالات, شملت 21 ناشطا فلسطينيا, ولاحقا أفرجت عن قاصرين من بين المعتقلين.وفي ذات الليلة,م نقل سبعة معتقلين لتلقي العلاج. من جانبه قال مدير مركز “عدالة”المحامي حسن جبارين, بعد إصدار قرار المحكمة, لقد “نجحنا في تحويل النقاش في قاعة المحكمة من المظاهرة إلى عنف الشرطة المفرط, ويرجع الفضل في هذا النجاح للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي, التي نشرت الصور ومقاطع الفيديو والشهادات الحية من المظاهرة. وقال رئيس كتلة “القائمة المشتركة”, ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي, د. جمال زحالقة, إن التحريض العنصري والشرس على أعضاء الكنيست, في “القائمة المشتركة”, يعبر أساسا عن العقلية العنصرية المتطرفة المسيطرة على سدة الحُكم في إسرائيل.وقال رئيس لجنة المتابعة العليا لقضايا فلسطينيي 48 محمد بركة, إن ما شهدناه في الأيام الأخيرة, على وجه التحديد, هو نتيجة طبيعية للتحريض العنصري, الذي تقوده الحكومة, وتصاعد في الأيام الأخيرة. فعناصر الشرطة أضعف من أن يستشرسوا بهذا المستوى, لولا أنهم مطمئنون للدعم من رأس الهرم الحاكم. وما يثبت هذا, هو أن التحريض على نواب القائمة المشتركة, وقيادات فلسطينيي الداخل ككل,والدعوة لحظر لجنة المتابعة العليا في منطقة 48 لم يتوقف ساعة . هذه هي “ديموقراطية” الكيان الصهيوني, الذي تفوّق على كل عنصرية الأنظمة الشبيهة به ,في بسوبر عنصريته وفاشيته.