لروح رزان الشهيدة والشاهد

حجم الخط

أصابوكِ بالجراح، باثنتي عشرة مرة، يا رزان؛ لكنهم لم يردعوكِ، ولا زعزعوا الساكن فيكِ؛ حق العودة، ولا نالوا من عزيمتك، وكأنك مناضلة قيادية عقائدية استثنائية في ثوب فتاة مسعفة، ظلت ذاهبة إلى حيث بقعة الدم...الوشم...المصير، لكل من وهب حياته لقضية بحجم قضية فلسطين؛ لذا لم تكن رصاصة القناص بحاجة إلى دليل كي تهتدي لشمسكِ، ومثلكِ.. شهيدا الكلمة والصورة؛ الصحفيان ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، والشهيد المُقعد جسداً، لا عزيمة وإرادة، فادي أبو ثريا. وأنتِ، وهم، والأسيرة عهد التميمي، وكل صغار السن مِن الشهداء والشهيدات، والأسرى والأسيرات، والمصابين والمصابات، إنما تمثلون جيلاً، هو أمل شعبه ومستقبله، ومصدر قلق الاحتلال في الحاضر والمستقبل، فمشكلته، هنا، لا تتمثل، فقط، في أن «الصغار لم ينسوا»؛ بل، وفي أنهم مستعدون للاستشهاد والإصابة والاعتقال، وفي أنهم جيل عصر سريع وعصي على التحكم؛ حيث بات فيه متنفس الفضائيات، وإعلام «السوشيال ميديا»، قبالة إمبراطورية تحالف احتكارات الإعلام المعولم، المُسيطر عليها أمريكياً، وبالتالي «إسرائيلياً».

ارتقيتِ يا رزان؛ حيث أرداك قناص قاتل، يحرس مستوطنين قتلة، ويخدم في جيش قاتل، بنى «دولة» وُلِدت تحمل باليد اليمنى سيفاً يقطر دماً، وباليسرى اعتراف هيئة الأمم الظالم. ارتقيتِ يا رزان، فبكاكِ الراحلون الخالدون، وهم كثر كثر كثر، نحو مئة ألف ونيفٍ، يا رزان... بكاكِ المصابون، وهم أضعاف أضعاف الراحلين الخالدين يا رزان... بكاك الأسرى، وما أكثرهم وأصعب مشوارهم يا رزان... بكاكِ المستباحون هنا، في الوطن، والمشردون هناك، في الشتات، وهم بالملايين يا رزان... بكاك كل أحرار العرب و«العجم» يا رزان من فرط ما أنتِ شهيدة الإنسانية جمعاء، وشاهد على جرائم المحتلين قتلة الأطفال، والفتية والفتيات، والشباب والشابات، والرجال والنساء، والشيوخ والعجائز.

وإذا سُئلت يا رزان: بأي ذنبٍ قُتلتِ؟! قولي: أنا المسعفة ارتقيتُ لا لذنبٍ ارتكبتُ؛ بل، لأنني البذل والتضحية والعطاء والفداء، بها تتجسد الحرية، وتُنتزع في كل زمان ومكان؛ ولأن قاتلي هو الإلغاء والإقصاء لاحتجاز حرية آتية...قولي أنا كل مستعمَر ثار على مستعمِر، ومواطن يقارع مستوطن، ومضطهَد تمرد على مضطهِد، ومقهورٍ نهض لقهر قاهر، ومظلوم هبَّ لإطاحة ظالم، ومستغَل قرر إزاحة مستغِلٍ، ومنهوب قرر إزالة ناهب، وحرٍ قرر كنْس مستعبِدٍ ل«الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». قولي أنا كل هؤلاء، وقاتلي كل أؤلئك، في كل زمان ومكان...

قولي قاتلي ليس فرداً، بل كل السياسيين والعسكريين والأمنيين والسجانين والقضاة والإعلاميين والأكاديميين والمدرسين والمفكرين والمؤرخين، ذكوراً وإناثاً، في «دولة» الاحتلال «إسرائيل»، وكل الداعمين والراعين لها، والمتواطئين معها، والساكتين عن ممارستها لكل صنوف القمع والتنكيل والاستباحة، ولكل أشكال الاقتلاع والابتلاع والتطهير، والتشريد والنفي والإبعاد، والسحق والتدمير والإبادة، والقتل والجرح والاعتقال، والمجازر والمذابح، والقهر والحصار والاستغلال، والسرقة والنهب، لكن، رغم كل ذلك، بل، بفضل كل ذلك، فإن شعب فلسطين، سينتصر، فما زال يقاوم، يزرع، يحصد، يبني، يتعلم، يغني، ويتكاثر. قولي: أنا مسعفة، ولستُ «مخربة»، ولا «إرهابية»، كما زعمت نيكي هايلي التي لا تمنع، باسم دولة عظمى، إدانة ومحاسبة قاتلي، وقتلة كل من ارتقوا، مثلي، في تظاهرات مسيرات العودة السلمية، فحسب، بل، وتطالب مجلس الأمن بتوفير حماية دولية لجرائم ومجرمي الاحتلال، أيضاً.

ارتقيتِ يا رزان، فجاشت عاطفة فنان أصاب حين رسمكِ في صورة ملاك بجناحي نسرٍ، فأنتِ، بالفعل، ملاك، مهنة وهيئة، ابتسامة، وقامة، أما جناحيْ النسر في الصورة، فلعلك بهما طرتِ شهيدة لتحقيق حلمكِ بالعودة، ربما إلى قدس العرب والمسلمين، لتكوني، فتاة وجيلاً، ثالث الفاتحين بعد الخطَّاب وصلاح الدين؛ وربما إلى حيفا لتستحمي بماء بحرها، فتصيرين، مثلها، «حمامة تبني عشها على أنف غزال»؛ وربما إلى يافا لتتزوجي فيها، فتحظين، مثلها، بلقب «عروس البحر»؛ وربما إلى عكا لتتسلقي، سورها صباحاً، فتمسين، كأنك هو «قاهر الغزاة».