سوريا في موقع الصدام مع المعسكر الامبريالي الصهيوني الرجعي

حجم الخط

منذ حصول سوريا على الاستقلال الوطني عام 46 من القرن الماضي بقيت الدولة الوطنية الحديثة فيها على التصاق كامل بالهوية القومية وكان ذلك استجابة لتحدي النزعة القومية الطورانيه التركية التي كانت وراء اغتصاب لواء الاسكندرون السوري بترتيب من الاستعمار الفرنسي وكذلك ايضا للغزوة الصهيونية التي أسفرت عن اغتصاب فلسطين الجزء الجنوبي من سوريا الطبيعية وإقامة الكيان الصهيوني بدعم من حكومة الانتداب البريطاني وهكذا ارتبط نشوء الدولة الوطنية في سوريا بالفكرة القومية العربية وكان ذلك بارزا قبل الاستقلال وبعده وكانت تلك حالة فريدة في الواقع السياسي العربي الذي تكرست فيه مظاهر التجزئة السياسية التي منعت دوله الوطنية بعد حصول الاستقلال السياسي عن المستعمر من القيام بأداء مهمة سياسية قومية ذات قيمة نضالية.  

في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات كان لسوريا دورا فاعلا في النظام السياسي العربي الرسمي وشكلت مع مصر الناصرية اول تجربة وحدوية في العصر الحديث وكان ذلك خطوة نوعية على طريق مواجهة المشروع الصهيوني وقد شحنت هذه الخطوة بعناصر الصدام بين المشروع القومي والمشروع الاستعماري الصهيوني الرجعي سرعان ما تحول إلى عمل تامري من قبل الرجعية العربية أدت بهذه التجربة الرائدة التي امتدت ما يقارب الأربع سنوات زاهية لتنتهي بالانفصال .

بعد حرب أكتوبر تشرين عام 73 حيث باتت الدعوة ملحة إلى تسوية سياسية تفاوضية لإزالة أثار العدوان وهي العبارة التي أخذت مكانها في الخطاب السياسي العربي الرسمي بدلا من شعار تحرير فلسطين ظلت المشاركة السورية قائمة على أساس إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية كلها التي احتلت عام 67 وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف و أن التسوية لا تعني التفريط بالحقوق الوطنية والقومية وان المفاوضات لا تعني بالضرورة التخلي عن حق ممارسة المقاومة.

ولم يكن هذا الموقف السياسي يجد القبول من الكيان الصهيوني ومن الراعي الأمريكي للتسوية ولذلك ظل النظام السوري بمنأى عن مشاريع التسوية الأمريكية وقد عزز موقفه في لبنان في مواجهة تساوق القوى الانعزالية المسيحية المارونية بالانخراط في مشروع التسوية وفي الانضواء تحت راية المحور السياسي الرجعي التي تقوده السعودية في المنطقة .

هكذا بقيت سوريا في موقع الصدام مع المعسكر الامبريالي الصهيوني الرجعي الذي يعمل دائما على أضعاف دورها القومي النضالي ومع اندلاع ثورات ما سميت بالربيع العربي وجد هذا المعسكر فرصته السياسية للانقضاض على النظام السياسي ليس بهدف تعميم الديمقراطية في مواجهة حكم البعث الذي صبغ بحالة طائفية باستمرار عامل الوراثة لعائلة الاسد العلوية بل لإخراج سوريا من موقع النضال القومي بكل تعبيراته السياسية ووضع حد لمعارضته لمشروع التسوية الأمريكية بكل أفكارها بما فيها بالطبع صفقة القرن الحالية .