لاحت الفرصة فلنغتنمها

حجم الخط

بداية، منعاً للالتباس وسوء التأويل، فلنشر إلى أنه لا يمكن، وضْع دروز  فلسطين  في سلة واحدة، إذ، بمعزل عن محدودية الحجم والفعالية، تشكَّل داخل المكوّن الدرزي من مكونات الشعب الفلسطيني، اتجاه وطني رفض منذ البداية، اتفاق «حلف الدم» الذي عقدته القيادة الروحية للعرب الفلسطينيين الدروز، عام 48، مع قيادة الاحتلال، ويقضي، أي الاتفاق، بأن يؤدي دروز فلسطين الخدمة العسكرية داخل جيش الاحتلال، ويلتزموا بالقتال في صفوفه ضد أبناء شعبهم وأمتهم، مقابل وعود كاذبة بحصولهم على «الحقوق والمواطنة المتساوية». شكل الاتفاق المذكور اختراقاً «إسرائيلياً» نوعياً للصف الوطني، والنسيج المجتمعي الفلسطيني، الأمر الذي كان ينبغي عدم تسليم الحركة الوطنية المعاصرة به، فلسطينياً وعربياً، بل، ومواجهته بخطة مدروسة منظمة ومنتظمة، لدعم وتعزيز دور الاتجاه الدرزي الوطني. 

والآن، رب ضارة نافعة، هكذا يمكن القول عن انعكاس إقرار الاحتلال ل«قانون القومية» على الاتجاه الدرزي غير الوطني، وهو السائد، الذي وجد نفسه فجأة، ودفعة واحدة، وكأنه كان في حالة من أحلام اليقظة، دامت سبعين عاماً، حيث «ذاب الثلج وبان المرج»، وبدد «قانون القومية» هذا، فيما بدد، أوهام الفلسطينيين الدروز حول «الحقوق والمواطنة المتساوية». يشبه واقع هذا الاتجاه الدرزي، الآن وهنا، لناحية الخذلان وتبدد الوهم، واقع اللبنانيين الذين قاتلوا مع جيش الاحتلال ضد شعبهم، حيث اكتشفوا، غداة تحرير الجنوب، أن كل ما وعدهم به جيش الاحتلال من حماية في حال انسحابه كان محض وهْم. لذلك، ولأن «الزعل بقدر الأمل»، بمنطوق المثَل الشعبي، فقد كان من الطبيعي: 

أن تبدأ الخطوات الاحتجاجية داخل صفوف أبناء الطائفة الدرزية، مباشرة بعد إقرار هذا القانون؛ وأن تفشل محاولة حكومة الاحتلال، في منع تنظيم تظاهرة «درزية» حاشدة قبل نحو أسبوعين؛ وأن يستقيل عضو «الكنيست» الدرزي، زهير بهلول، (عن «حزب العمل» )؛ وأن تصف شخصيات درزية بارزة معروفة بتأييدها ل«حلف الدم» «القانون» بالعنصري، وأن تظهر للعلن الخلافات داخل الاتجاه الدرزي المؤيد للخدمة في جيش الاحتلال، وأن تفشل محاولة نتنياهو في احتواء غضب الوسط الدرزي عبر تقديم المعهود من الرشاوى والوعود الكاذبة، وأن يكون، (حسب وسائل الإعلام العبرية)، «هو مَن فجَّر، وقطع، وغادر، الاجتماع الذي عقده مع ممثلي الطائفة الدرزية»، حيث رد بعصبية على مطلب إدخال تعديلات على «قانون القومية»، تكفل حقوق الدروز، كجماعة، لا كأفراد، بالقول: «لن أجلس مع مَن يصف قانون القومية بالعنصري، ويقوم بمقاطعة رئيس الوزراء، ولا يحترمه»، مشيراً بذلك إلى الضابط الدرزي الكبير أمل أسعد. 

وإذا شئنا نقلَ التحليل من التوصيف إلى التشخيص، بوصفه نصف العلاج، كما يقال، فلنقل: بإقرار «قانون القومية» وفّر قادة الاحتلال، فيما وفروا، من حيث يدرون أو لا يدرون، فرصة لدخول أطراف الحركة الوطنية، بصورة جدية وجادة، جماعية وفردية، وبكل الأشكال الممكنة، وفي «مناطق 48» «ومناطق 67»، وفي الشتات، أيضاً، على خط تعقيدات اختراق الاحتلال لصفوف المكون الدرزي من مكونات الشعب العربي الفلسطيني. إنها فرصة ذهبية ينبغي اغتنامها، فلسطينياً وعربياً، لتفكيك، ما يمكن تفكيكه، من أواصر «حلف الدم» سيئ الصيت. إذ صحيح أن المهمة، هنا، صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى صبر ومثابرة وطول نفس، لكنها ليست مستحيلة، وباتت الآن، أكثر من أي وقت مضى، في عداد الممكن الواقعي.

بالمقابل، سيكتشف «الإسرائيليون»، تقدم الأمر أو تأخر، أن قيادتهم التي أقرت «قانون القومية» قد أدخلتهم في ورطة جديدة، وسلحت النضال الوطني الفلسطيني بأقوى سلاح، بالمعنى الفكري والسياسي والدبلوماسي والأخلاقي للكلمة. أما لماذا؟ الاستعمار التقليدي، حيث تستعمر دولة شعباً بهدف النهب يبقى بوسعها، إن هي أُجبرت، أن تحل ورطتها عبر إعادة جيشها، إلى الوطن. أما الاستعمار الاستيطاني، حيث تزيح جماعة بشرية شعباً وتحل محله، فتدخل ورطة القتال المستمر بروحية «يا قاتل يا مقتول». وهكذا هي «إسرائيل»، ومع إنكارها وجود الشعب الفلسطيني وتنكرها لحقوقه، زادت ورطتها تعقيداً على تعقيد. لكن قادة «إسرائيل» منذ إنشائها، نجحوا في تخفيف ورطتهم وتسويق أنفسهم عبر الخداع والتضليل والظهور بمظهر الساعي للتسوية السياسية والسلام. أما قادة «إسرائيل» الآن، الذين أقروا «قانون القومية»، فلم يعودوا قادرين على تسويق أنفسهم حتى لدى أغلب دروز فلسطين الذين قاتلوا معهم ضد شعبهم منذ 70 عاماً.