في القدس...نعم فشلنا في تحقيق المناعة المجتمعية

حجم الخط

نعم الإحتلال يشن علينا حرباً شاملة في القدس ،يجند لها كل إمكانياته وطاقاته ومستوياته واجهزته...ويوظف بلديته ووزارة داخليته وامنه الداخلي وشرطته وجمعياته التلمودية والتوراتية في تنفيذ المهام العملياتيه المباشرة،من هدم منازل ومخالفات بناء وتكثيف للإستيطان والإستيلاء على العقارات والأراضي،والقيام بكل أشكال القمع والتنكيل،وبما يستهدف المقدسيين في كل مناحي وشؤون حياتهم اليومية إقتصادياً واجتماعياً،ناهيك عن عمليات الإعتقال المستمرة،والإبعاد عن القدس والأقصى ....هي الحرب الشاملة المستعرة على المقدسيين،بشكل جنوني بعد قرارات المتطرف العنصري ترامب بنقل سفارته من تل أبيب الى القدس،والإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال ...المحتل يريد أن يستثمر سياسياً الوضع الناشيء عن القرار الأمريكي،وأن يجردنا من املاكنا ومقدساتنا،ويعمل على طردنا وتهجيرنا قسراً،ضمن سياسة تطهير عرقي،يوظف لها قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيوني لتنفيذها.

والمحتل لم يكتف بكل ذلك،بل يعمل على هدم وتفكيك نسيجنا المجتمعي وإغراقه في دوامة المشاكل الإجتماعية من " الطوش" والإحتراب القبلي والعشائري والجهوي،وتغذية الجريمة والعنف والتفكك الأسري،وبما يحول مجتمعنا المقدسي الى وحدات إجتماعية مستقلة،وبما يقدم إنتماءاتها العشائرية والقبلية على انتمائها الوطني،ويزيح كل المرجعيات المقدسية التي يتعامل معها المواطن المقدسي،لكي يثبت المرجعيات التي يعمل على صناعتها هو قوى عشائرية ومراكز وشرطه جماهيرية ،ناهيك عن تدخله المباشر حتى في القضايا العشائرية.

إزاء كل هذا الواقع من المفترض،ان تعمل السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب والمؤسسات الوطنية والمجتمعية... على تحصين المناعة المجتمعية للمجتمع المقدسي،وتحصين تلك المناعة يحتاج معاول بناء جدية وحقيقية،قادرة على القيام بواجبها ودورها ومسؤولياتها تجاه القدس وأهلها،ومستعدة لدفع الثمن في سبيل ذلك..فالتحصين الداخلي،عبر التوعية المستمرة في قضايا التمسك بالأرض والعرض والهوية والوطن والإنتماء،وخلق نماذج ايجابية في التعاطي مع الجماهير المقدسية من قبل الحركة الوطنية ومؤسسات واجهزة السلطة،هذا يسهم في خلق حالة من الثقة والإطمئنان ما بين الجماهير وحواضنها من المؤسسات والقوى والسلطة،ولكن من بعد كارثة اوسلو وتراجع دور القوى والأحزاب بفعل عوامل الضعف والتفكك الداخلي،وشدة القمع الذي تتعرض له من قبل المحتل،والذي لم يترك لها أي فرصة لكي تعيد بناء ذاتها وادواتها التنظيمية...وحالة التراخي تلك،مع عدم قيام السلطة بدورها وواجباتها ومسؤولياتها تجاه المقدسيين،وكذلك غياب الثقة من قبل المقدسيين بهذه السلطة،وإعتقادهم بان ادواتها واجهزتها العاملة في مدينة،جزء منها شكل ويشكل حواضن للمظاهر السلبية التي تشهدها وتسود المدينة، وهذا يترافق مع غياب الرأس القيادي الموحد والمرجعية الوطنية او حتى الشعبية الموحدة...كل ذلك إنعكس على المجتمع المقدسي سلباً،وبات يشعر انه في حالة يتم وفقدان للأبوة،وخاصة في ظل هجمة وحرب شاملة يشنها المحتل عليه...حالة التراخي تلك،فعلت فعلها في نجاح المحتل في تسجيل نجاحات وانجازات في عملية الإختراق في الوعي والثقافة والموقف....وعملية الإختراق تلك جعلت العديد من ضعاف النفوس والطحالب الضارة والمتجردة من قيم الإنتماء الوطني والأخلاقي ،في ظل إنهيار لمنظومة القيم والأخلاق...أن تتمكن من القيام بعمليات تسريب وبيع للعديد من العقارات والأراضي،في قلب البلدة القديمة وفي سلوان والشيخ جراح،ولعل الإحتلال كان يراهن في مثل هذه العمليات،ان تندفع الأمور نحو حالة من الإحتراب الداخلي،والتشكيك والتخوين،وضرب الروح المعنوية للمجتمع المقدسي،والسعي الى تشريع ثقافة بيع الأراضي والعقارات للمحتل كأمر طبيعي،وهنا يجب ان نلفت النظر،انه ليس فقط هناك مافيات وشلل يتعاون ويتجند فيها أكثر من طرف للوصول الى شرعنة عملية التسريب والبيع،بعض المحامين والمهندسين ورجال الأعمال،وبعض العاملين في أجهزة السلطة ومؤسساتها،وكذلك البعض من العاملين في دوائر الأراضي والطابو هنا وفي الأردن،والذين هم على معرفة تامة بملكية العقار وأصحابه،وأماكن وجودهم ومقدار حصصهم.

والشيء الأخطر،بأن الجمعيات التلمودية والتوراتية من "العاد" و"عطروت كوهونيم" أصبحت تلجأً الى طريقة وأسلوب جديد في شراء عقارات وأراضي المقدسيين،باللجوء إلى عناوين وأسماء موثوقة ،ولكن جشعة وطماعة وهمها المال،لكي تغري المقدسيون بالبيع والتسريب.

ولذلك لا بد من عملية تحصين وتوعية للمقدسيين في هذا الجانب،بعدم بيع أي عقار او أرض،دون موافقة الجهات الرسمية،وطرح الموضوع على المرجعيات المقدسية وطنية ودينية ...الخ.

نعم الحالة والروح المعنوية مستهدفة في القدس،من خلال عمليات البيع والتسريب للعقارات والأراضي،ودفع المقدسيين الى حالة من فقدان الثقة،ليس فقط بالسلطة واجهزتها وموظفيها،بل بكل ما هو وطني،ولذلك ما يسود الساحة المقدسية من حالة إرباك وضياع و" توهان"،هو نتاج لفشل القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية،في تحصين البنية المجتمعية المقدسية،وحماية وعيها من التشويه،وتصليب بنيتها الداخلية،لكي تصبح اكثر قدرة ووعياً على مجابهة المخططات والألاعيب التي ينفذ من خلالها إليهم مسربي العقارات والأراضي،فتارة يتسترون بالدين والورع والتقوى واخرى بالحرص على وقف الأملاك المقدسية،ولكن لا يعني هذا بأن جزء كبير ممن يسربون ويبيعون عقاراتهم وأراضيهم،لديهم الإستعداد الذاتي،حيث تضعف نفسياتهم تحت اغراءات المال،او هم مسقطين وطنياً ومجتمعيا وقيمياً.

على القوى الوطنية الفلسطينية والإسلامية في القدس خاصة ،وفي الوطن عامة،ان تقر بانها فشلت في تحصين المناعة المجتمعية في مدينة القدس،وما نشهده هو نتاج لضعفها وتراخيها وتراجع دورها اولاً،قبل الحديث عن السلطة،فالسلطة ضمن حسابات المقدسيين،هي في إطار حالة عدم الثقة والمتشككين بدورها...وما يعول عليه،ان لا تتخلى الحركة الوطنية عن دورها ومهامها لمرجعيات وعناوين يجري تصنيعها للقدس.