الأمم المتحدة: إرادة مسلوبة في مواجهة ممارسات المستوطنين

حجم الخط

لا تعير الأمم المتحدة بكامل هيئاتها سواءً مجلس الأمن الذي تملك الدول الكبرى الخمسة فيه حق الفيتو، وبإمكانه تمرير أي قرار دولي أو تعطيله؛ من خلال عملية تصويت تجاه أي مسألة دولية، أو الجمعية العمومية التي كثيرًا ما تصدر قرارات لا تجد طريقها للتنفيذ؛ كالقرار رقم 194 المتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، والذي ينص على حق العودة والتعويض. كما أن المنظمات الدولية الأخرى التي تختص بالصراعات الدولية كمحكمة الجنايات الدولية، لا تعير الاهتمام بالقضية الفلسطينية والاعتداءات والإرهاب الصهيوني بقها وبحق شعبها. لا تهتم الأمم المتحدة بكل هيئاتها بما يقوم به المستوطنون الصهاينة من اعتداءات وجرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني، تطال كل مكونات الحياة الإنسانية في الضفة الغربية المحتلة؛ من بشر وحجر وشجر، حيث لم يصدر من مجلس الأمن أي قرار يوصي بتشكيل لجنة للتحقيق فيها، كما يفعل فيما يتصل بجرائم ترتكب بحق المدنيين في الصراعات المسلحة، كما هو الحال في التوصية بالتحقيق التي أصدرها مجلس الأمن في فترة سابقة بخصوص استخدام الأسلحة الكيمائية في الصراع المسلح الدائر في سوريا بين القوات الحكومية ومنظمات المعارضة. وقائع كثيرة مأساوية تحدث في الضفة الغربية المحتلة يمارسها المستوطنون الصهاينة العنصريين يوميًا، ولا تجد الاهتمام المطلوب من الأمم المتحدة، ويكفي الاقتحام شبه اليومي للمسجد الأقصي، كما جرى أول أيام عيد الأضحى المبارك؛ تحرسهم قوات الشرطة والجنود الإسرائيليين، وغالبًا ما يتم في مثل هذه الاقتحامات الاعتداء على حراس المسجد الأقصى والمصلين، في حين تلتزم الأمم المتحدة الصمت التام، والأنكى أنها لو لو حاولت في مجلس الأمن اتخاذ قرار يدين هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية بحق المدنيين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحبطه من خلال استخدام حق الفيتو؛ وهكذا، فإن الأمم المتحدة مسلوبة الإرادة السياسية والقانونية، لأنها مكبلة باستخدام حق النقض هذا للهيمنة على هذه المؤسسة الدولية التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية، بعد أن انتهت لصالح دول الحلفاء، بهزيمة دول المحور، وللتحكم كذلك أيضًا في مصير الصراعات الإقليمية والدولية. الأمم المتحدة نجحت في حل بعض الأزمات الدولية، كما حصل فيما يتعلق بإقليم كوسوفو المتنازع عليه، وقد وضع تحت وصايتها لفترة انتقالية حتى انتهت بحصوله على الاستقلال التام، ولكن في المسألة الفلسطينية اقتصرت مساهمتها ففط في انبثاق منظمة الأونروا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين الذين تعرضوا لحالة اقتلاع وتشريد؛ بسبب المذابح التي ارتكبتها العصابات المسلحة الصهيونية في حرب 48، وهي تتعرض الآن لضائقة مالية متعمدة وممنهجة، عملت على تقليص خدماتها بعدما توقفت الولايات المتحدة من دفع التزامها المالي، وهو موقف اتخذته إدارة ترامب؛ بهدف إنهاء خدماتها كمطلب سياسي صهيوني لتصفية قضية اللاجئين. الحالة في الضفة الغربية المحتلة الآن صاخبة ومتوترة بسبب تكثيف حملة الاستيطان وازدياد عدد المستوطنين حتى أصبح إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية غير ممكن مطلقًا، والشيء الملفت هو عدم قيام الأمم المتحدة بأي جهد يبذل في مواجهة محاولة المخطط الصهيوني الأمريكي إلغاء قرارات الشرعية الدولية، خاصة فيما يتعلق قضايا الاستيطان و القدس واللاجئين. الأسئلة التي تطرح فيما يتصل بممارسة المستوطنين الصهاينة العنصريين في الضفة الغربية، والتي ازدادت هذه الأيام باستخدام كل أشكال القمع التي تؤثر على مجرى الحياة اليومية؛ هل ينتظر مجلس الأمن أن يُصعد قطعان المستوطنين الصهاينة اعتداءاتهم الوحشية على الأبرياء المدنيين الفلسطينيين في الضفة المحتلة باستخدام الأسلحة الكيماوية حتى يصدر توصية بالتحقيق، علمًا أنه باستطاعتهم الحصول علي هذه الأسلحة الفتاكة وغيرها إذا أرادوا تصعيد مخططاتهم؛ من خلال نفوذ بعضهم في أجهزة الجيش الإسرائيلي الذي يضم في صفوفه أعداد كبيرة من الضباط الكبار والجنود الذين يقيمون في المستوطنات، والذين يحملون في ثقافتهم مفاهيم خرافية الفكر الديني اليهودي المتطرف؟ أليس هذا الإهمال من الأمم المتحدة تجاه جرائم المستوطنين وعدم اتخاذ أي قرار ملزم تجاههم، وكذلك صمت المجتمع الدولي ودوله الكبرى الذي هب الجميع منهم في محاربة ما أسموه الإرهاب في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها من الدول؟ أليس هذا الإهمال –الذي يبدو مقصودًا- هو عامل تشجيع لقطعان المستوطنين الصهاينة، الذين لا يحملون في وعيهم السياسي وذاكرتهم الجمعية سوى الحقد وكراهية الآخر، على المضي في مخططهم؛ بارتكاب المزيد من الجرائم الإرهابية الوحشية التي تحاكي جرائم التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرهما التي يدينها المجتمع الدولي؟