لماذا هذا الاستهداف للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟!

حجم الخط

في الواقع ليست هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لمثل هذا التصعيد السافر وخاصة الأمني من قبل اليمين والبرجوازية الفلسطينية، ومن يمثلهما سياسيًا وتنظيميًا؛ فمنذ انطلاقتها تعرض كيانها للتآمر من أجل كبح جماحها ولجم اندفاعتها وانطلاقتها الرائده التي اربكت خصومها وأعدائها في آن واحد، مع التأكيد أن لكل حساباته وأهدافه. وتعرضت لهجمات إعلاميه محلية وعالمية في محاولة لتشويه مبادئها واستراتيجيتها وأدائها في مراحل مختلفة، وعانت من محاولات التحجيم العسكري، في الأردن ولبنان، وتعاني منه الآن في الاراضي التي تسيطر عليها سلطة "أوسلو"، ومورست ضدها سياسة الملاحقة والقمع لأعضائها وجماهيرها من قبل الرجعية العربية، والتي عملت بكل طاقاتها لتجفيف وملاحقة مصادر دعمها؛ الشعبية والقومية، وشُدد عليها الحصار الإمبريالي وتم ملاحقة كوادرها وقياداتها بوضعها على لوائح "الإرهاب" بالمفهوم الإمبريالي، وخاصمتها قوى "يسارية" ادعت إنها تحتكر بيدر اليسار والماركسية، أانها هي من يمنح الشهادات والألقاب؛ لتجد هذه القوى نفسها بعد حين، أي بعد تغير الظروف الدوليه عارية تبحث عن من يأويها في كهوف اليسار القديمة، أما الجبهه فقد حلقت عاليًا وزاد نضاله عنفوانًا ضد المستعمر الصهيوني؛ ومن أجل تحرير فلسطين.

أما ما يظهر اليوم على أنه حصار وقرصنه مالية ضد مستحقات الجبهة من الصندوق القومي ما هو إلا جزءًا زهيد من الحكاية، فهذه السياسة ليسة جديدة، فقد مورست منذ عهد الراحل عرفات لحد الآن؛ الأشد خطورة من ذلك ما يمارس الآن، أي بعد إنشاء البرجوازيه لسلتطها في رام الله ومحيطها في الحدود التي سمحت بها برتوكولات أوسلو؛ من ملاحقة المناضلين والمقاومين ضد الاحتلال بمختلف انتماءاتهم، ووصل التمادي الى التجرؤ على اعتقال ومحاكمة خلية عسكرية أساسية للجبهة الشعبية؛ مجموعة الرد الجبهاوي التي قامت بممارسة واجبها الوطني والحزبي والأخلاقي في الرد الثوري والسريع على اغتيال العدو للرفيق الأمين العام السابق المعلم الخالد ابو علي مصطفي صاحب المقولة الشهيرة" عدنا لنقاوم لا لنساوم"، والتي دوى صداها في كل فلسطين وقضت مضاجع العدو. بعد ذلك مارست هذه السلطة الكذب والخداع، منتهكة كل الأعراف في العلاقات الوطنية، كي تتمكن من اعتقال الرفيق الأمين العام الجديد أحمد سعدات؛ القائد الذي شكل النموذج الصادق والوفي والجرئ في النضال بلا هوادة ضد المحتل الغاصب، والذي ثبت مبدأ من طراز جديد في النضال ضد العدو، أي " السن بالسن والرأس بالرأس"، فهل في ذلك ما يسئ للسلطة أو تنظيماتها أو يمس بهم بسوء؟ وأين وكيف انتهك هذا الفدائي الجديد "القانون" الفلسطيني؟ أم أنها سياسة الخنوع لاملاءات أسيادهم ولإرضائهم واثبات حسن النية والسلوك والوفاء للتعهدات التي قطعوها على انفسهم في أوسلو بمكافحة ما يسميه الطرفين "بالإرهاب" كرعبون ضمان بقاء سلطتهم والتمتع بامتيازاتها؛ بسبب ما يقدموه من خدمات تطيل عمر الاحتلال الذي قضم أكثر من 60% من مساحة الضفة تحت مظلة المفاوضات والتنسيق الأمني والتي تضاف ل 78% من مساحة فلسطين التاريخيه، سرقتها الحركة الصهيونية بمساعدة الإمبرياليه لإقامة كيانها عليها، والتي أملت على قيادة م ت ف أن تعترف بشرعيته وبصحة روايتها التوراتية المزورة عن المنطقه وتاريخ الصراع فيها بين الفلسطينيين وأجدادهم الكنعانين من جهة، والصهاينة المستعمرين الأوروبيين من جهة أخري؟

إذن هذه هي الجبهة الشعبية التي قدمت مع فصائل الثورة الفلسطينيه الحديثة آلاف الشهداء، فلماذا هذا الاستهداف للجبهة الشعبية وما الذنب الذي اقترفته؟ وألا يحق لها أن تكون لها سياستها وبرامجها واستراتيجيتها ورؤيتها وقرارها الوطني؟ وإذا كان هنالك ديموقراطيه في الساحة الفلسطينية كيف تعمل؟ وهل المسألة تكمن في سلوك ومزاج رئيس أو مسؤول أو موظف؟ وإلى أين يريدون أن تذهب الأمور؟ هذه مجموعه من الأسئلة، لا بد من الإجابة عليها لازالت أي لبس، وتسليح جماهيرنا بالوعي الضروري للاستمرار في النضال حتى نهاياته الحتمية، أي تحرير كل شبر من فلسطين وعودة أهلها لها، وإنهاء الوجود الصهيوني فيها وإقامة مجتمع العدالة والمساواة، أي المجتمع الاشتراكي.

إن البرنامج السياسي للجبهة الشعبية واستراتيجيتها الواضحة، وعدم استعدادها تحت أي ظرف كان للمساومة على مبادئها وأشكال النضال التي تمارسها، وخاصة الكفاح المسلح والعنف الثوري، وعلى علاقاتها مع حلفائها القوميين والإقليميين والأمميين؛ ترعب الأعداء القوميين من صهاينة وإمبرياليين، وتزعج الخصوم السياسيين والأعداء الطبقيين الفلسطينيين والعرب، لهذا من الطبيعي قيام التحالف والتنسيق بين "الرعب والانزعاج" في ثنائية سريالية؛ تصف فيها صحيفة هآرتس الصهيونية الجبهة الشعبية "بالعدو المشترك"، أي لهم وللسلطة.

الصراحه تملي علينا مخاطبة شعبنا بصدق وشفافية، والتحدث معه عن الأزمة الوطنية العامة التي تعيشها الساحة الفلسطينية، والأزمة الأشمل التي تمر بها الأمه العربية، أي أزمة العمل القومي، وأخيرًا الأزمات التي تمر بها أحزاب وحركات فلسطينية وعربية؛ سواء كانت في السلطة أو خارجها، وهنا لا استثني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تتميز أزمتها بأنها ليس أزمة صراع على القياده أو "السلطة" أو تقاسم المال، إنها بين الديناميكية الثوريهة للقاعدة وجماهير الحزب وأداء الرأس القيادي أي المكتب السياسي، وهي ليست أزمة ثقة بالقيادة التي لتاريخها النضالي وتضحياتها كل التقدير لدى قاعدة الحزب وجماهيره، إنها بتعبير آخر أزمة التعارض بين قوة الدفع الثورية النضالية من أسفل وكبح الجماح من أعلى ؛ هكذا يجب أن تفهم الموجة الغاضبة والثورية لأنصار الجبهة وقاعدتها، ليس فقط ضد السلطة في رام الله وقمعها ومطاردتها للمناضلين من الجبهة والقوى الأخرى وممارسة الضغط المالي عليها؛ بهدف تركيعها وتدجينها وإجبارها على الانصياع لنهج أوسلو، بل هي تمرد ضد مجمل النهج السياسي السائد أو الرسمي، الذي يراهن على التعايش مع كيان الصهاينة (الدولة) وإنهاء حالة العداء معه، مما يفتح له الأبواب على مصراعيها للتطبيع؛ عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، والتمدد والتوسع الجغرافي والاقتصادي أبعد من فلسطين، وأبعد من الدول العربية المحيطة بها. 

إن ما قام به أنصار الجبهة الشعبية من خلال الرسالة الموجهة الى قيادتهم يطالبوها باتخاذ مواقف محدده تستجيب لمتطلبات المرحله قارعين للخزان، ليس فقط الحزبي بل الوطني، يجب أن يشكل نموذجًا لأنصار القوى الأخرى؛ بمن فيهم أنصار أحزاب السلطة، للوقوف سدًا منيعًا ومتينًا ضد الانحدار الحاصل وطنيًا، وهز القيادات الصنميه المتكلسة التي تهادن وتساوم السلطة السياسيه وتقويها وتشجعها على الفساد. فعندما تحترم قيادات الأحزاب والحركات مطالب جماهيرها وخاصة الحزبية وتستقوي بها ضد السلطة السياسيه لمنع انحدارها السياسي وارتهانها وارتمائها في أحضان العدو؛ دفاعًا عن مصالح طبقية أنانيه ضيقة، سيضع هذه السلطة أمام خيارين؛ إما أن تستقوي (إن كانت صادقة وجدية في المواجهه ومراجعة الذات وإلغاء كافة الاتفاقيات وقطع كافة العلاقات مع العدو) بنفوذ ومواقف المعارضين للمخططات والمشاريع المعادية المطروحة، والتي تهدف إلى القضاء على قضيتنا العادلة وحركة تحررنا الوطنية، وتشارك فعليًا في المواجههة، وتتحمل مع الشعب تبعات ذلك بالكامل، فإننا هنا نكون امام وضع وطني صحي متكامل؛ يقف فيه الجميع على أرضية الوحدة الميدانية الوطنية والشعبي التي هدفها الدفاع عن الوطن والشعب والقضية، وأما أن تنحاز لمصالحها الطبقية الأنانية الضيقة، وتعزل نفسها عن حركة التاريخ، فيتم الطلاق الجماهيري مع هذه السلطة، وتنتهي إلى الأبد كعائق أمام عملية التحرير.