"شَرعَنة" الاستعمار - منَ الاعتراف إلى "الضَم"

حجم الخط

منذُ أن أعلنَ بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني عن خطتهِ القاضية بضم مناطق واسعة من الأغوار والضفة الغربية المحتلة إلى "السيادة الإسرائيلية" الرسمية، في إطار قانون يتم تشريعهُ في الكنيست الصَهيوني، وذلك في إطار ما يُسمى بصفقة القرن التي أعلنَ عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية كانون ثاني/يناير 2020، كمشروع "سلام" في المنطقة، وذلك في مؤتمر صحفي عُقدَ في البيت الأبيض وبحضور بنيامين نتياهو؛ منذ ذلكَ التاريخ سَمعنا عن معارضة واسعَة لهذه الخطة التي بحسبِ مُعارضيها، تضرب عرضَ الحائط باتفاقيات "السلام" المُبرمة مع الطرف الفلسطيني والأردني تحديدًا. مُعارضَة فلسطينية وعربية رسمية من أنظمة ودول لها علاقات وثيقة وغير رسمية مع دولة الكيان، هذه المعارضة تأتي خجلًا وبعضها باتفاق مع المؤسَّسة الصهيونية حتى تحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه، بحسبِ ما يعتقدون بأنَّ في وجوهِهم بقايا من الماء أو الحياء. فهذه الأنظمة باتَت تتجاوز التطبيع مع الاستعمار الصهيوني في فلسطين إلى مرحلة التآمر على القضية الفلسطينية والخيانة لها، مُبرّرين ذلك بوجود "العدو المشترك" والذي أصبحَ اسمهُ إيران؛ إيران الدولة الخليجية الوحيدة اليوم التي تُعلن عن موقف واضح من الصراع العربي الصهيوني بوقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني والأمة العربية في مواجهة الاستعمار الصهيوني والإمبريالي وعدوانهم المُستمر. فأنظمة الخليج باتَت لا تخجل بعلاقاتها مع الكيان الصهيوني؛ علاقات أمنية واستخباراتية وعسكرية على أعلى المستويات ومنذُ عقود، وجاءَ المقال الأخير "ليوسف العتيبة" سفير الامارات في الولايات المتحدة الأمريكية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية والتي يكشف من خلالهِ عن عمق التنسيق والعلاقات بين البلدين وبرأيهِ ومن يقف خلفهُ بأنَّ "إسرائيل فُرصَة وليست عَدو". ويستطرد ويقول: "إن الضم سيقلب رأساً على عقب، بداية وقبل كل شيء، التطلعات الإسرائيلية لعلاقات أمنية واقتصادية وثقافية جيدة مع العالم العربي ومع الإمارات العربية المتحدة. إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تملكان جيشين من أفضل الجيوش المدربة في المنطقة، مع مخاوف مشتركة في مجال الإرهاب والعدوان، وتربطهما علاقات طويلة ووثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية".

هذا نموذج عن المعارضة العربية الرسمية ولا يختلف عنهُ كَثيرًا الموقف الفلسطيني الرسمي والذي باتَ مَدعاة لِلسُخرية بعدَ أن أشبعَ قادة السلطة في رام الله العالم تهديدات وتَوعُدات ردًا على السياسة الصَهيونية ضد شعبنا، فكل هذه التهديدات لم تحتمل حتى ثمن الحبر الذي كُتبَت بهِ ولا جُهد من صَرخَ على مَدارِ ربعِ قَرن بأنَّ "الحياة مُفاوضات"؛ فالاستيطان تضاعف مرات ومرات، والمستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 تضاعفَ عَدَدهم خلالَ الخمسَة عشر عامًا الماضية ثلاث مرات، وهكذا باتَ مشروع "مقاومة" الضم الذي تُنادي بهِ السُلطة الفلسطينية ليسَ إلّا مِحراك يَهدف إلى تحسين شروط بقاءها ورفع مكانتها المهزوزة بينَ أبناءِ الشعب الفلسطيني، رأينا هذه التهديدات يوم إعلان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعلان الأمريكي بأنَّ "مدينة القدس هي العاصمة الموحّدة والأبدية لاسرائيل"؛ فسلطة أوسلو تُدرك حقًا بأنَّ "الضم" كمشروع رسمي قد يؤدي إلى خلخلة الاستقرار في الضفة الغربية نتيجة للتضييقات التي ستُضاف إلى "سَلَّة" التضييقات المُمارسَة على مدارِ الساعة ضد الفلسطينيين في كل مكان وفي الضفة الغربية تحديدًا.

المناطق التي يتحدّث عنها مشروع ترامب - نتنياهو هي مناطق تَخضع للسيطرة الأمنية والاقتصادية والإدارية للكيان الصَهيوني، وتحديدًا في الأغوار، وما يجري اليوم هو ليسَ إلّا إضفاء "الشرعية الدستورية" الاستعمارية على هذه المناطق، وهو عمليًا نقل مناطق محتلة إلى مناطق أخرى مُحتلة، فالقيادة الفلسطينية الرسمية والمتنفّذة في منظمة التحرير قد قَدَّمَت اعترافًا "مجانيًا" للاستعمار الصَهيوني من خلال الاعتراف بشرعية هذا الاحتلال على 78% من أرض فلسطين؛ فمن يعتبر "إسرائيل تجسيدًا لحق المصير لليهود"، قد تنازلَ حقًا عن حقهِ في السيادة على أرض الوطن، وفتح الباب على مصراعيهِ أمامَ التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وَشَرَّعَ للأنظمة أن تبحث عن ذاتها مع "إسرائيل"، بعيدًا عن القضية الفلسطينية الذي باتَ دعمها ضريبة كلامية، وإن دُعمَت بِالمال فمن أجلِ موقفٍ سياسِيّ حتمًا فيهِ مصلحَة ل"إسرائيل".