بوليفيا تهزم الانقلاب الأمريكي: تحية ثورية للحركة الاشتراكية

LcfQa.jpg
حجم الخط

في العام ١٩٨١ تم تأسيس جماعة كونترا المدعومة من الولايات المتحدة بهدف الإطاحة بحكومة الجبهة الساندينية للتحرير الوطني في نيكاراغوا، أشعلت الكونترا التي مولتها ودربتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أشعلت الكونترا حربًا أهلية في نيكارغوا لم تنتهي إلا بمغادرة الجبهة الساندينية للسلطة في العام ١٩٩٠، احتاجت الجبهة الساندينية ١٦ عامًا لتستعيد حضورها في وجه الأدوات الأمريكية في نيكارغوا، بعد أن استعادت السلطة في انتخابات العام ٢٠٠٦.

الحال في بوليفيا كان مختلف، فبعد مضي عام على الانقلاب الذي قام به الجيش بدعم أمريكي ضد الرئيس الاشتراكي المنتخب ايفو موراليس، حقق الشعب البوليفي أول إنجاز كبير في مسيرة استعادة سلطته، فاز حزب الحركة الاشتراكية في الانتخابات البوليفية العامة، وبدت بوليفيا في مسارها لطي صفحة "انقلاب الليثيوم".

ليلة العاشر من نوفمبر ٢٠١٩ قام الجيش البوليفي بانقلابه، ليعلن ايفو موراليس رئيس البلاد المنتخب عن الحركة الاشتراكية استقالته، وتضطره سلطات الانقلاب لمغادرة البلاد وتلاحقه بتهديدات بالاعتقال أو الاغتيال.

الشعب يسقط الانقلاب:

لم تكن "عملية الاقتراع بمعناها التقني البحت" هي من أسقط مخططات الانقلاب، لحكم البلاد واعادة اخضاعها للهيمنة الأمريكية ونهب خيراتها وخصوصا الليثيوم -بترول القرن ٢١- فموجة الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة ضد الانقلاب هي ما تكفلت باجبار الانقلابيين العسكريين وحلفاؤهم من المعارضة اليمينية على العودة لصناديق الاقتراع التي انقلبوا على نتيجتها العام الماضي بعد فوز ايفو موراليس بالانتخابات الرئاسية.

مئات من الشهداء قتلتهم سلطات الانقلاب والاف من الجرحى والمعتقلين هم ضحية سياسات الانقلاب، وأداة الشعب لتحقيق انتصاره على الهيمنة الامريكية وأذنابها الذين حاولوا اغتيال إرادته.

غرقت البلاد لعام كامل في تخبط كبير، حاولت فيه سلطات الانقلاب تدبير اعادة تجيير احتكار عقود الليثيوم لمصلحة الشركات الغربية والأمريكية، وانتزاع أي مكتسبات حصلت عليها الأغلبية الجماهيرية، فقراء الشعب البوليفي ومعظمهم من سكان البلاد الأصليين قاتلوا للحفاظ على حقوقهم ودفعوا ثمن دموي في إطار تصديهم للانقلاب.

"الحركة الاشتراكية" لا يمثل حزب سياسي يساري يصارع على السلطة ويسعى لتطبيق برنامجه السياسي من خلالها فحسب، ولكن بالأساس تعبير عن حركة اجتماعية عميقة ومتجذرة في المجتمع البوليفي، تتصل بحقوق السكان الأصليين ومواجهة سياسات التمييز والاضطهاد التي عانوا منها لسنوات طويلة، كما تمثل توجهات الرئيس السابق موراليس و الحركة توجها لاستكمال تحقيق استقلال البلاد وانتزاع سيادتها من مخالب الهيمنة الأمريكية والنهب المستمر لمواردها من قبل الشركات الاحتكارية، ولم يكن جدول عمل الحركة في السلطة خلال السنوات الماضية إلا صراع مستمر مع قوى الهيمنة الغربية وحلفائها المحليين لاستعادة ثروات البلاد وتحقيق بعض من العدالة في توزيعها على الشعب البوليفي، وبشكل أو بآخر يمكن القول أن الحركة لم تكن فعليا في موقع السلطة خلال فترة حكمها بقدر ما هي في موقع الصراع ضد عملية النهب المستمر للبلاد ومحاولة امساك مفاتيح السلطة وموارد البلاد، وهو ما يبدو أنه حفظ لها الكثير من رصيدها الجماهيري كجزء من كفاح الشعب البوليفي وليس كأداة حكم وقهر.

هذه البلاد التي تحوز ثروة المستقبل المتمثلة في عنصر "الليثيوم"، أرادت منظومة الهيمنة الأمريكية الاستمرار في نهبها وتجويع شعبها الذي استهترت بإرادته وقدرته على الصمود والقتال.

دروس الثورة: الفوز ليس إلا بداية الطريق:

حقق اليسار البوليفي فوز واضح في الانتخابات الرئاسية بحصول مرشحه لويس ارسي وزير المالية السابق في حكومة موراليس على حوالي ٥٣% من الأصوات، يليه الرئيس الاسبق للبلاد كارلوس ميسا الذي حصل على ٣٠% من الأصوات، فيما حاز فرناندو كاماتشو مرشح اليمين الداعم للانقلاب على ١٥% فقط من أصوات الناخبين، في اشارة واضحة لموقف الشعب البوليفي من هذا الانقلاب ومن تحالف معه.

مع ذلك لا يبدو أن الانقلاب قد انتهى فعليا، فلا زال جنرالات المؤسسة العسكرية المدعومين أمريكيا في مواقعهم فضلا عن امكانية محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم، كما أحدث هؤلاء خلال عام من استيلائهم على السلطة العديد من الخطوات العكسية التي ستثقل البلاد، وكلف الصراع الناتج عن الانقلاب البلاد الكثير على المستوى الاقتصادي والمجتمعي.

صحيح أن الحركة الاشتراكية قدمت خطاب تصالحي يسعى لتوحيد الشعب البوليفي من خلال تشكيل حكومة وحدوية، وتجاوز مرحلة الانقلاب بأقل الخسائر الممكنة، لكن عوامل التهديد لا زالت قائمة، ممثلة بالأدوات الأمريكية المختلفة الساعية لردع مسيرة التحرر الشعبي البوليفي، وما تنتجه هذه المسيرة من إلهام لشعوب أمريكا الجنوبية.

يتوقف الكثير على مصير بوليفيا، فالولايات المتحدة بعد فشل الانقلاب، وفي ظل صمود فانزويلا والعديد من الدول في القارة تبدو أقل قدرة على املاء سياساتها وفرض هيمنتها على الشعوب في أمريكا الجنوبية، وما أحدثته هجمتها خلال السنوات الماضية من تراجع  لقوى اليسار يبدو غير قادر على الصمود والبقاء، فيما تظهر شعوب القارة الجنوبية ارادة هائلة ومتجذرة في سبيل استعادة مواردها، وتبدو تلك الأيام التي وصفت فيها أمريكا الجنوبية بأنها الفناء الخلفي للولايات المتحدة في طريقها لنهايتها المحتومة، الوعي الشعبي يقول كلمته، والمناضلين السياسيين والمجتمعيين يعبرون عن هذا الوعي بإظهار صلابة وشجاعة وقدرة عالية في مواجهة الانقلابات والسياسات الأمريكية.