سياسات ومواقف في الشأن الفلسطيني بعد فوز بايدن

حجم الخط

بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز المرشح الديموقراطي بايدن ستشهد المرحلة المقبلة عودة للعلاقات الأمريكية الفلسطينية التي انقطعت؛ بسبب مواقف الرئيس الأمريكي ترامب السياسية التصفوية للقضية الفلسطينية، والذي جاء مشروع صفقة القرن الذي يتوافق مع الرواية اليهودية ليعبر عنها بشكل مغاير لكل مواقف الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين مارسوا سياسة منحازة للكيان، ولكن بصورة تقليدية. لا تخرج عن المألوف باعتبار أن هذا الانحياز السياسي هو نهج ثابت درجت عليه السياسة الأمريكية منذ نشأة الدولة العبرية عام48، وعنوانها الأبرز هو التحالف الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني؛ شأن كل عملية انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة.

فمن المقرر أن يغادر ترامب البيت الأبيض بعد قضاء فترة زمنية محدودة على خسارته يتم فيهذه المدة، تحويل الصلاحيات للإدارة الجديدة، وإذا ما تم ذلك بدون تصدع في نسيج المجتمع الأمريكي، حيث الظاهرة الترامبية، وهي ظاهرة تميل إلى ممارسة العنف والبلطجة، وتستمد قوتها من الشركات الرأسمالية الاحتكارية ونفوذ رجال الأعمال في الحزب الجمهوري الذي امتشق بعض أنصاره السلاح أثناء الاقتراع في صندوق الانتخابات، مازالت هذ. الظاهرة المجسدة في شخصية ترامب العنصري الأحمق، تتمسك بالسلطة السياسية بعدم إقرارها بالهزيمة.

بدخول الرئيس جون بايدن البيت الأبيض؛ ستنغمس الولايات المتحدة من جديد بمهمة الرعاية السياسية لتسوية الصراع العربي الصهيوني، تطبيقًا لمقولة 99%من حل قضية الشرق الأوسط، بيد أمريكا، وهي العبارة التي راجت أثناء المساعي الأمريكية التي انطلقت بقيادة وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر؛ صاحب نظرية الخطوة خطوة بعد حرب أكتوبر 73، وأدت في حينها إلى التوصل لاتفاقية كامب ديفيد، وهذه العودة للدور الأمريكي بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، من شأنها عرقلة مطلب السلطة الفلسطينية القاضي بعقد مؤتمر دولي لإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، وذلك بدلًا من الرعاية الأمريكية التقليدية للصراع التي تكللت بعقد ثلاث اتفاقيات عربية مع العدو الصهيوني. وفي خضم هذه العودة للرعاية الأمريكية على إدارة بايدن حتى يكون دورها أساسيًا ومقبولًا من قبل السلطة الفلسطينية؛ألا تبني سياستها على التمسك بموروث ترامب السياسي، خاصة الموقف من قضيتي القدس والتطبيع، وإذا كان من غير المتوقع أن تعيد إدارة بايدن السفارة الأمريكية إلى تل أبيب؛ بسبب أن نقل السفارة إلى القدس هو في الأصل قرار اتخذته الإدارات الأمريكية السابقة على اختلاف رؤسائها، فإنها في مسألة التطبيع، قد تستطيع وقف ممارسة سياسة الابتزاز التي مارسها ترامب لأطراف في النظام العربي الرسمي مهيأة للتطبيع؛ بسبب تحقيق مصالح أمنية واقتصادية عجزت أنظمتها السياسية على تحقيقها، كما حصل مع كل من الإمارات والبحرين والسودان.

إن الموقف من هاتين القضيتين القدس والتطبيع، هما أهم ما سيشكل التمايز بين ترامب وبايدن؛ فموقف ترامب الجمهوري هو ما أوجب القطيعة بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، وما سيكون عليه موقف بايدن الديموقراطي هو ما سيحدد الموقف الفلسطيني منها. أما إذا عدنا إلى مسألة التسوية السياسية من حيث طبيعتها؛ فلعل مشروع حل الدولتين الذي يحظى باجتماع دولي هو الذي ستتبناه السياسة الخارجية الأمريكية، بعد أن تم التراجع عنه واستبداله بصفقة القرن من قبل ترامب، وقد يقترن هذا التبني بالدعوة إلى إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من جديد؛ غير أن هذه العودة الأمريكية لمشروع حل الدولتين، ستبقى في إطار العمل السياسي والدبلوماسي كتكرار للمواقف والتجارب السياسية السابقة،أي دون القيام بممارسة أي ضغوطات سياسية واقتصادية على الكيان الصهيوني تلزمه بدفع استحقاقات التسوية، وكذلك فإن العودة إلى إحياء المفاوضات في ظل ذلك، هو إضاعة للوقت من جديد في مفاوضات عبثية عقيمة؛ من شأنها استمرار سياسةالاستيطان والتهَويد التي تعتبر بالنسبة لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف التي يتزعمها منذ مدة طويلة نتنياهو أهم من التسوية للقضية الفلسطينية. والواقع أن بعض المستجدات التي قد تظهر في عهد بايدن في انتهاج الولايات المتحدة سياسة أمريكية مغايرة لسياسة إدارة ترامب المتصهينة السابقة، قد تدفع السلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمة مالية متفاقمة لإعادة حساباتها في أسلوب التعامل مع حكومة الاحتلال؛ لأن ما اتخذ من قرارات سابقة بوقف التنسيق الأمني والامتناع عن استلام أموال المقاصة المشروطة، كان في الحقيقة كرد فعل على مواقف ترامب السياسية ومشروع صفقة القرن التصفوي، وهذا يعني إضافة أعوام قادمة أخرى في حالة من التعايش مع الاحتلال وهو الشيء الذي يسبب المزيد من التهميش للقضية الفلسطينية؛ لأن بقائها محصورة في دائرة العمل السياسي بدون اللجوء إلى انتهاج سياسة المقاومة بكل أشكالها في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة المحاصر ومع تعثر تحقيق المصالحة الوطنية وعدم الوصول إلى أي خطوة سياسية أو تنظيمية على طريقها، رغم اجتماع الأمناء العامين مرتين ومباحثات استنبول، فإن ذلك سيجعلها،أي القضية الفلسطينية على المستوى الدولي قضية مزمنة بحاجة إلى تقديم خدمات إنسانية أكثر من حاجتها إلى تحقيق تسوية سياسية وطنية عادلة.