أزمة الديموقراطية في أمريكا بين هزيمة ترامب وفوز بايدن

حجم الخط

لم تعرف الولايات المتحدة الأمريكية منذ حصولها على الاستقلال، حيث كانت مستعمرة بريطانية؛ أزمة سياسية وأخلاقية تتعلق بنظامها السياسي الديموقراطي كما هي الأزمة الحاصلة الآن على إثر هزيمة الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرًا عن الحزب الجمهوري وفوز بايدن عن الحزب الديموقراطي، حيث ما تتابع بعدها من أحداث غير مسبوقة في الانتخابات الرئاسية السابقة كشفت عن ضعف وهشاشة الديموقراطية الغربية التي اقترن وجودها في المجتمعات الغربية بصعود البرجوازية بعد انهيار عصر الاقطاع، وليس صدفة أيضًا أن يظهر هذا الضعف وأن تتضح هذه الهشاشة في هذه الفترة بالذات التي تشهد تغولًا في عملية النهب الإمبريالي وهو أن تطورًا طرأ على التشكيل الطبقي في النظام الرأسمالي العالمي بظهور الإمبريالية كأعلى مرحلة من مراحل الطبقة الرأسمالية، حيث تأسست الشركات الإمبريالية الاحتكارية في الولايات المتحدة وجنت أرباحًا طائلة في إطار عملية استغلال بشع وأصبح لأصحابها من رجال الأعمال الكبار، خاصة ممن يمتلكون الشركات العقارية من النفوذ السياسي والاجتماعي، بحيث استطاعوا تعبئة فئات اجتماعية كثيرة تعيش خارج نطاق رفاهية وبحبوحة العيش في المجتمع البرجوازي الأمريكي بتقديم الولاء والطاعة لمكانتهم السياسية والاجتماعية، وهذا هو ما كشفت عنه الأحداث التي حصلت بعد إعلان خسارة رجل الأعمال صاحب الصفقات العقارية الكبرى الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية، حيث رفض أنصاره الهزيمة، ومنهم من هو خارج عضوية الحزب الجمهوري واجتاحوا مبنى الكابيتول واشتبكوا مع عناصر الشرطة الفدرالية، وذلك بناء على تحريض الرئيس ترامب نفسه الذي شكك في نزاهة الانتخابات وألصق بالقائمين عليها تهمة التزوير لصالح مرشح الحزب الديمقراطي، مما دعت الحالة الأمنية إلى اتخاذ قرارًا بإعلان منع التجول في العاصمة واشنطن، وهي أفعال شغب سياسية لها علاقة بالعملية الديمقراطية غير مسبوقة في دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية؛ معروفة إعلاميًا على المستوى الدولي بالوقوف مع الأنظمة الديمقراطية في بلدان العالم الثالث، والذي يصل إلى حد التدخل العسكري لإسقاط الأنظمة الاستبدادية.

في العشرين من شهر يناير الحالي سيتم تنصيب بايدن كرئيس رقم 46 للولايات المتحدة، وسيؤدي في احتفال كبير يحضره رؤساء أمريكيين سابقين هو ونائبته كاملا هاريس اليمين الدستورية؛ ينتقل بعدها إلى البيت الأبيض للإقامة به أربع سنوات هي مدة الرئاسة وستتخذ في ذلك اليوم خطط أمنية، حيث العاصمة واشنطن ستبقى في حالة طوارئ بناء على أمر صادر من العمدة موريل باوزر وهو إجراء يدل أن هذه الأزمة لم تنتهِ بعد وان احتجاجات أنصار ترامب، ربما تتجدد وبصورة أعنف مما حدث في السادس من شهر يناير الحالي، وذلك في حال معاقبة الرئيس ترامب باتخاذ قرارا بعزله بناء على مطالبة قوية من ممثلي الحزب الديموقراطي في مجلس النواب، وهكذا فإنه يمكن القول بعد ذلك بأن أزمة الديمقراطية في الولايات المتحدة؛ بسبب تسييس المال الذي يمتلكه أصحاب منظومة الشركات الاحتكارية الإمبريالية، والذي أدى بدوره إلى ظهور ما يسمى بالبلطجة السياسية؛ سوف تتعمق أكثر في المستقبل، بحيث تصل بالبلاد إلى حالة من الفوضى السياسية والأمنية؛ تهدد وحدة الدولة الأمريكية، وربما تعجل مع عوامل أخرى، خاصة عامل التكوين الاثني في المجتمع الأمريكي الذي يدفع العنصريون البيض من بين أفراد الشرطة بين كل فترة وأخرى باتجاه ممارسة سياسة التمييز العنصري ضد السود الأقلية الكبيرة في البلاد.. ربما تعجل هذه العوامل كلها في تفكك هذه الدولة العظمى إلى ولايات مستقلة كما حدث قبل ذلك لدول اتحادية كبرى في العالم.